دعا عدد من الباحثين والمختصين إلى ضرورة تشكيل جبهة عربية وإسلامية عريضة لمقاطعة الاحتلال ومناهضة التطبيع معه، ودعوة جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لإصدار قرارات تمنع الدول العربية والإسلامية من عقد اتفاقيات التطبيع مع الاحتلال، والضغط على المؤسسات الأممية والدولية لوقف سياسية الكيل بمكيالين تجاه القضية الفلسطينية.
جاء ذلك خلال مؤتمر دولي عقد في مدينة غزة بعنوان "الموجة الجديدة للتطبيع، التداعيات واستراتيجيات المواجهة"، تحت رعاية الهيئة العامة للشباب والثقافة ومركز المبادرة الاستراتيجية فلسطين ماليزيا، ونفذه مجلس العلاقات الدولية وحملة المقاطعة ومناهضة التطبيع – فلسطين، حضره نخبة من الشخصيات الاعتبارية والوطنية ولفيف من الأكاديميين والباحثين والمختصين.
وطالب المشاركون بضرورة تأسيس هيئة فلسطينية وطنية جامعة لمقاطعة الاحتلال ومناهضة التطبيع تعمل على استنهاض قدرات الشعب الفلسطينية الرسمية والشعبية لمواجهة المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية وصولًا إلى إلغاء اتفاقية أوسلو وتفعيل المقاومة الشعبية في كافة المناطق الفلسطينية والشتات، والعمل على تعزيز الانتماء الوطني للأجيال الناشئة في الداخل والشتات عبر المناهج الدراسية الأساسية والجامعية.
ودعوا إلى ضرورة توجيه الجاليات والتجمعات الفلسطينية في الشتات لحماية قضيتهم الوطنية والعمل من أجلها في مواجهة التطبيع ورواية الاحتلال، وتفعيل الدبلوماسية العربية والإسلامية لمنع تغلغل الاحتلال في المنظمات الإقليمية العربية والإسلامية والتصدي للتغلغل الاقتصادي وعقد الاتفاقيات التنموية مع الاحتلال.
وفي كلمة له قال رئيس الهيئة العامة للشباب والثقافة أحمد محيسن: "نقف اليوم على أعتاب مرحلةٍ خطيرة من مراحل تاريخ أمتنا العربية والإسلامية، حيث اتجهت بعض الأنظمة العربية نحو عقد اتفاقيات الخزي والعار، والتي تمنح الضوء الأخضر للاحتلال لمواصلة جرائم القتل والتهجير والتدمير والاقتلاع ضد أبناء الشعب الفلسطيني".
وأضاف: "يأتي هذا المؤتمر لتسليط الضوء على المخاطر المحدقة بمصير الشعوب العربية في البعد الاستراتيجي في مختلف المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية والثقافية بكل تفريعاتها الفكرية والأدبية والفنية والقيمية والأخلاقية والتي سوف تتأثر سلباً نتيجة تغلغل الاحتلال السرطاني في المنطقة العربية"، مشددًا على ضرورة العمل على تنفيذ توصيات ومخرجات المؤتمر.
وقدم محيسن التحية لأبناء الأمة العربية والإسلامية من الفنانين والرياضيين والمفكرين والأدباء والأكاديميين والسياسيين والصحفيين والنقابيين ومؤسسات المجتمع المدني الرافضين للتطبيع مع الاحتلال.
من جهته قال رئيس المجلس التشريعي بالإنابة الدكتور أحمد بحر: "إن اتفاقيات التطبيع مع الاحتلال انتهكت مبادئ الإجماع القيمي والسياسي، وخرقت الأصول والثوابت العربية والإسلامية، ولا يخفى على أحد حجم المخاطر والتهديدات والتحديات الكبرى التي تواجه القضية الفلسطينية جراء اتفاقيات التطبيع مع الاحتلال الصهيوني".
وأضاف: "سعى الاحتلال إلى اختراق الموروث الثقافي والفكري العربي بهدف التغلغل ككيان طبيعي في المنطقة من بوابة التطبيع الثقافي، ومشروع السلام الاقتصادي الذي تبناه الاحتلال وروجت له الإدارة الأمريكية ومضمونه يقوم على أساس أن التطبيع يفتح المجال أمام الجميع للرخاء والازدهار، وإعطاء مبرر التعاون في القضايا المشتركة، أمام الدول المتحسسة من فكرة التطبيع الشامل".
وأعلن بحر تبني المجلس التشريعي الفلسطيني لوسام القدس لمناهضة التطبيع، ليتم منحه تكريمًا وتقديرًا لأصحاب الجهود والمواقف المشرفة في مواجهة التطبيع مع الاحتلال في مختلف الجوانب السياسية والثقافية والأكاديمية والرياضية والفنية وغيرها.
من جانبه قال رئيس حملة المقاطعة ومناهضة التطبيع – فلسطين ورئيس المؤتمر الدكتور باسم نعيم: "ما نشهده اليوم هو مشروع صهيوني خالص لدمج الكيان في المنطقة، تنفذه العديد من الدول العربية لحماية مصالحها وتقدم فيه للاحتلال أكثر مما هو مطلوب منها".
وأضاف نعيم: "إن ما يسمى بالتطبيع وشرعنة الاحتلال ليس مشروعًا جديدًا بل هو قديم أقدم من الكيان نفسه حيث بدأت بذوره لتهيئة البيئة العربية لاستقبال هذا الوليد الغريب في المنطقة"، مؤكدًا أن الاحتلال رغم كل المحاولات التي بذلها للتغلغل في المنطقة العربية بقي منبوذًا على المستوى الرسمي والشعبي.
وأكد نعيم على ضرورة العمل الجاد في فلسطين وخارجها لصياغة استراتيجيات نوعية وجديدة ومحددة لمواجهة اختراق الاحتلال للمنطقة العربية.
من جهته أوضح رئيس لجنة الصداقة الفلسطينية الماليزية الدكتور سيد إبراهيم خلال كلمة له عبر سكايب أن التطبيع يختلف عن العلاقات السياسية والدبلوماسية، وهو يحمل تداعيات خطيرة على القضية الفلسطينية، لافتًا إلى أن التطبيع يُعد جزءاً من سياسة الولايات المتحدة للسيطرة على الشرق الأوسط واختلاق كيان لقيادة العالم الإسلامي.
بدوره أكد مقرر مجلس الأمة الكويتي أسامة الشاهين خلال كلمة له عبر سكايب أن الكويت على الصعيد الرسمي والشعبي لن تتراجع عن مواقفها المناهضة للتطبيع والداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره وإقامة دولته على كامل أرضه التاريخية وعاصمتها القدس الشريف، مشددًا على ضرورة التحرك لسد الثغرات أمام تغلغل الاحتلال في المنطقة العربية ودعم وتشجيع المبادرات المناهضة للتطبيع.
وانعقد المؤتمر على مدار جلستين خصصت الجلسة الأولى لمناقشة الموجة الجديدة للتطبيع وتداعياتها وأدارها الأستاذ وائل المبحوح، قدم خلالها الأستاذ سعيد تمراز تأصيلًا تاريخيًا ولغويًا لمفهوم التطبيع مع الاحتلال من خلال قراءته في أهداف التطبيع وأدواته.
وأشار تمراز إلى أن التطبيع تعود جذوره إلى عام 1918 خلال زيارة حاييم وايرزمان لفلسطين ولقائه شخصيات فلسطينية في القدس لعرض إقامة وطن قومي في فلسطين، إلا أن الشعب الفلسطيني رفض الاعتراف بالمشروع، وانتقل بعد ذلك للقاء الملك فيصل ونتج عن ذلك توقيع اتفاقية فيصل وايزمان وقد كانت بمثابة أول اعتراف عربي بالمشروع الصهيوني على أرض فلسطين، وتبعها اتفاقية لوزان، وكامب ديفيد ووادي عربة ومؤتمر مدريد واتفاق أوسلو وأخيرًا اتفاقيات أبراهام.
من جهته قدم الدكتور وسام الفقعاوي قراءة تاريخية في الاتفاقيات الابراهيمية، مؤكدًا أنها تمثل استهدافًا حادًا للوجود والمسار الوطني والسياسي والحقوقي الفلسطيني وارتباطه بعمقه العربي، بالتواصل والترابط مع ما سبقها من اتفاقيات تسوية من كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة.
من جانبه قدم الدكتور وليد القططي ورقة عمل حول مخاطر التطبيع على مستقبل القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن التطبيع يسعى إلى شرعنة وجود الاحتلال على أرض فلسطين وتأكيد حقها في الوجود، وقتل الفكرة الرئيسية لمقاومة الاحتلال وكسر الحاجز النفسي والتعايش مع الاحتلال، إضافة إلى تجريم المقاومة الفلسطينية والعربية للاحتلال وتبني الرواية الإسرائيلية للصراع.
بدوره قدم عزيز هناوي من المغرب ورقة عمل عبر سكايب حول تداعيات التطبيع على الشعوب العربية في شمال أفريقيا، مؤكدًا أن التطبيع يُعد نكبة جديدة للشعوب العربية وهو يهدف إلى تخريب العلاقات المغربية مع دول الجوار العربية وتخريب القواسم المشترك لدول المغرب العربي والتسلل لنسيج الاجتماعي لتلك الشعوب إضافة إلى شيطنة النضال الفلسطيني ضد الاحتلال.
وناقشت الجلسة الثانية من المؤتمر استراتيجيات مواجهة التطبيع وأدارها الدكتور صلاح عبد العاطي، وشارك فيها الدكتور عثمان الكباشي من السودان، والدكتور عماد لبيد من الجزائر، والدكتور وجيه أبو ظريفة، والدكتور نهاد الشيخ خليل، والأستاذ أسامة حمدان، والدكتور أحمد الشقاقي.
وأجمع المشاركون على ضرورة العمل على تشكيل تحالف عربي إسلامي عريض يضم دول وأحزاب ومؤسسات لإجهاض مشروع التطبيع ومقاومته، وتعزيز البعد الدولي للقضية الفلسطينية، إضافة لتفعيل العضويات الفلسطينية في المؤسسات والمحاكم الدولية وصولًا لاستخدام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة لدعم الحقوق الفلسطينية ومحاسبة الكيان الصهيوني على جرائمه، والتشبيك مع كافة الجهات العربية والإسلامية والدولية المناهضة للتطبيع، وتشكيل لوبيات ضغط على الحكومات المطبعة والمطبعين للتراجع عن تطبيعهم.