- جهاد حرب
أعاد تداول مسودة قرار بقانون بشأن التقاعد المبكر لقوى الأمن الفلسطينية (الاختياري والقصري) من جديد مسألة إصلاح الوظيفة العامة بالتركيز على خفض أعداد الموظفين وحجم الرواتب من اجمالي الموازنة العامة السنوية، التي تقدر بحوالي نصف الموازنة العامة، وكذلك الاختلالات القائمة في بنية الوظيفة العامة وبخاصة في هيكلية المؤسسة الأمنية.
إنَّ المنحى المتخذ في هذا الإجراء لا يعكس وجه إصلاحية جذرية، أو بالأحرى غياب رؤية واضحة لعملية الإصلاح في مؤسسات الدولة، تهدف لترشيد حقيقي للنفقات العامة بما فيها الامتيازات التي يتمتع بها كبار الموظفين؛ على الرغم من التقشف الآني الظاهري المحتمل لهذه الخطوة. كما أنَّ هذا المنحى على ما يبدو لا يخدم التوجهات الإصلاحية لإعادة تصويب بنية الهرم الوظيفي في المؤسسة الأمنية بشكل خاص الذي يعاني من تكدس في الرتب العليا مقابل ضعف الدرجات الدنيا في هذه المؤسسة.
كما أنَّ هذه الخطوة ستزيد من التكلفة المستقبلية على الشعب الفلسطيني وخزينة الدولة بإضافة أعباء مالية طويلة الأجل؛ خاصة أنَّ أغلب الذين سيذهبون للتقاعد هم الأصغر سنا والذين لهم فرصة للحصول على عمل في سوق العمل الفلسطيني أو الإسرائيلي، واعباء مالية آنية غير محتملة للخزينة العامة بدفع مكافئة نهاية الخدمة التي ستكون بمئات ملايين الشواكل مثلما حصل في حملة التقاعد العام 2017 دون وجود قدرة مالية لتغطية هذه الأموال ما سيتيح فرص فساد (بإعمال الواسطة والمحسوبية) للحصول على هذه المكافئة في ظل الأزمة المالية المركبة للسلطة الفلسطينية. بالإضافة إلى أنَّ هذا القرار بقانون يتنافى مع مبدأ العدالة في احتساب الرواتب التقاعدية للموظفين ممن تنتهي خدمتهم وفقاً لقانون التقاعد العام وأولئك الذي يحصلون على تقاعد في إطار "صيد الجوائز " كما هو الحال في تقاعد عام 2009 وعام 2017.
في ظني أن رؤية إصلاحية جدية في مجال الخدمة العامة أو الوظيفة العامة وإعادة التوازن للموازنة العامة تحتاج إلى إعادة النظر بالطرق السطحية المستخدمة من قبل الأطراف الرسمية للخطوات الإصلاحية. الأمر الذي يتطلب بناء خطة إصلاح متكاملة تأخذ بعين الاعتبار ترشيق الجهاز الإداري في الخدمة العامة (الأمني والمدني)، وتشبيّبه بمنح فرص للتطور للشباب في الهرم الهيكلي للجهاز الإداري، والتسكين على هيكليات وظيفية مقرة للأجهزة الأمنية والمدنية تتناسب مع حجم العمل (الاحتياج)، وإنهاء عمل من هم فوق الستين عاماً وعدم التجديد لهم، وإعمال التقاعد العادي للمنتسبين العسكريين وفقاً لقانون الخدمة في قوى الأمن؛ وفي هذا الصدد هناك العديد من التجارب الدولية لعملية الإصلاح في الجهاز الإداري والوظيفة العامة (الأمنية والمدنية) يمكن الاستفادة منها وأخذ الدروس والعبر بما فيها التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لعملية الإصلاح، في حال توفرت الإرادة السياسية لعملية الإصلاح.
إنَّ أيَّ خطوة إصلاحية ينبغي أنْ تكون جزءً من خطة إصلاح متكاملة تأخذ بعين الاعتبار تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية، ولا تقتصر على الحل الآني وترحيل الأزمات للمستقبل لتدفع ثمنها الأجيال القادمة، حتى تعبر عن الإصلاح الإداري الذي نريد أو المنشود.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت