- سليمان سعد أبو ستة
- الباحث في الشأن الفلسطيني
يقود نفتالي بينت الكيان الإسرائيلي إلى حالة تصعيد شاملة وممتدة، ومستفزة لكل أعدائه، فلقد ضرب مطار دمشق وأخرجه عن الخدمة في تجاوز غير مسبوق لقواعد المعادلة المستقرة خلال السنوات الفائتة، الأمر الذي لا يستفز دمشق فحسب بل روسيا وإيران وحزب الله، كما بدأ التصعيد ضد لبنان من خلال إرساله سفينة تنقيب عن الغاز إلى حقل كاريش في البحر المتوسط في المنطقة الفاصلة بين فلسطين المحتلة ولبنان، وهو ما دفع حزب الله لوصف ما جرى بالاعتداء، مؤكدا أنه لن يسمح به، كما صّعد بينت في إيران عبر تهديدها بشكل علني عقب اغتيال الضابط في الحرس الثوري حسن صياد خدائي، وهو الاستفزاز الذي لم يكن بهذا الوضوح في عهد بنيامين نتنياهو.
كما قاد بينت الكيان الإسرائيلي إلى استنفار هائل أثناء تنفيذ مسيرة الأعلام، التي كادت تقود إلى اشتباك واسع مع المقاومة الفلسطينية، وسمح لجماعات الهيكل بممارسة طقوس تلمودية مستفزة، في حادثة حذّر العديد من الإسرائيليين من خطرها، حيث ستفجر مشاعر الشبان الفلسطينيين، وتدفعهم لمزيد من العمليات الفدائية، وعاش الاحتلال واحدا من أخطر مراحل التصعيد وأكثرها استفزازا باغتياله لشيرين أبو عاقلة، واعتدائه على جنازتها في مشهد رفضه الكثيرون، ومنهم حلفاء كبار للكيان.
إذا نظرنا إلى المشهد بكليته سنجده مناقضا بشكل كبير للمشهد الذي كان سائدا من قبل، حيث تصاعد الحديث عن الكيان الذي يُدمن الهدوء، والجيش الذي يفقد مقاتلوه الرغبة في التضحية، والمستوطنين غير الراغبين في دخول حروب مع المقاومة، والذين يسارعون لإخلاء مستوطنات محيط غزة في أي مواجهة، فما الذي جرى، هل اكتسب الكيان قوة مفاجئة، أو جرعة من الشجاعة والاستعداد للمواجهة.
أم أنه فقدان الخبرة الذي يدفع الناس أحيانا لدخول مواجهات خاسرة، والجهل أحيانا يُكسب صاحبه شجاعة لحظية، قبل أن يدرك حدود قدرته الواقعية، بعد تكبده أثمانا باهظة، لأنه لا يتقن القياس قبل الغوص على حد تعبير المثل الشعبي الفلسطيني، أم أن هذا التصعيد محاولة شخصية من بينت لإظهار بطولة كبيرة تؤهله لإرضاء جمهوره المتطرف لضمان الفوز في أي انتخابات قادمة، ولكي يثبت لليمين قدرته على القيام بما لم يقم به نتنياهو، كما قيل ذلك حرفيا عقب نجاحه في تمرير مسيرة الأعلام.
قد يكون ذلك كله ضمن أسباب ما يجري، لكن ينبغي تركيز الانتباه إلى احتمالين، يمكن اعتبارهما الأكثر أهمية، الأول: داخلي؛ متعلق برغبة بينت في إسقاط الحكومة الحالية من خلال إحراج القائمة العربية الموحدة، ودفعها للخروج من الائتلاف لضمان بقائه رئيسا انتقاليا للحكومة، كما ينص اتفاق تشكيلها، الذي يمنح منصب رئيس الحكومة أثناء الفترة الانتقالية لبينت إذا كان من يسقط الحكومة من معسكر يائير لابيد وحلفائه، بينما يمنحها ليائير لابيد إذا كان من يسقط الائتلاف من معسكر بينت وحلفائه، وهو هنا يستبق الزمن لدفع الطرف الآخر لإسقاط الحكومة عبر الاستفزازات في الأقصى، والدخول في مواجهة مع قطاع غزة.
أما الاحتمال الآخر؛ فقد يكون بينت مهتما بالدخول في مواجهة مفتوحة مع إيران وحلفائها، وتدمير المشروع النووي الإيراني سواءً بطلب أمريكي، أو لرغبة شخصية تتمثل في ظهوره كبطل قومي إسرائيلي، يضعه في مصاف قادة الكيان الكبار، ويعزز هذا أمران؛ الأول: إعلان الكيان عن تطوير أدوات قتالية جديدة تمكنه من قصف المواقع النووية الإيرانية، والثاني: تعزيز التحالفات الأمنية مع أنظمة التطبيع العربي، وتصاعد الحديث عن تطور العلاقات مع السعودية، وزيارة بينت للإمارات، واللقاءات المكثفة التي تجري في المنطقة بين قادة الاحتلال ودول التطبيع.
ولكن الحقيقة أن بينت يقود كيانه إلى أخطر حرب في تاريخه، ففي حال مواجهته لإيران وحلفائها سيواجه حربا متعددة الساحات، في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران، خاصة مع تواتر التلميحات لتأسيس حلف مقاوم ينسق جهوده في مواجهة الكيان الإسرائيلي، وستواجه قوات الاحتلال أسلحة متعددة؛ كالقصف الصاروخي المكثف، والطائرات بدون طيار، والهجمات البرية، وانتفاضة شعبية واسعة داخل فلسطين المحتلة والضفة والقدس، وقد يضطر لخوض حرب برية.
فهل الكيان الذي خسر مخزونه من صواريخ القبة الحديدية بشكل شبه كامل في حرب صغيرة ومحدودة مع قطاع غزة؛ قادر على خوض هذه المواجهة، الحقيقة أنها في حال حدوثها ستكون -بغض النظر عن نتيجتها النهائية- حربا طويلة، ومكلفة، ومستنزفة جدا للعدو، هل يجهل العدو ذلك، أم أنه يراهن أن كل هذه الأطراف أضعف من أن ترد على عدوانه واستفزازته، لينجح بينت في تثبيت صورته كبطل خارق.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت