- سليمان سعد أبو ستة
- الباحث في الشأن الفلسطيني
سيظل ما أطرحه في هذا المقال في طور الاحتمال غير المؤكد، لكنه سيناريو بحاجة لدراسة معمقة، واستعداد واسع، لما سيكون له من انعكاسات هائلة على قضية الانعتاق العربي من أنظمة الاستبداد، وعلى القضية الفلسطينية، وتحرير فلسطين.
تنطلق وجهة نظري من سعي الولايات المتحدة لعرقلة النمو الصيني المتصاعد دون الاضطرار للدخول في حرب، وذلك عبر أداتين رئيسيتين، هما تقليل حجم الوقود الذي يصل إلى الصين، وعرقلة خطوط الملاحة البحرية التي تُصدر من خلالها الصين منتجاتها، وتجلب وارداتها، والطريق لذلك إشعال حرب مدمرة في المنطقة العربية.
والاحتمال الأكثر قربا لتلك الحرب هو قصف الكيان الإسرائيلي المفاعلات النووية الإيرانية، أو استفزاز إيران بطريقة لا تُبقي لها مجالا إلا الرد العنيف، وسيؤدي تصاعد تلك الحرب لدخول الأنظمة الخليجية فيها بإرادتها أو رغما عنها، ما سيقود إلى تدمير النفط العربي، أو عرقلة تصديره، ووقف الملاحة البحرية بشكل عام في المنطقة العربية الحيوية لطرق التجارة بما فيها باب المندب، ومضيق هرمز.
ومما يؤكد الرغبة الصهيونية في خوض الحرب، هو الاستفزاز المتكرر لإيران من خلال عمليات الاغتيال، ومن خلال استفزاز حزب الله عبر التنقيب في حقل كاريش للغاز في المنطقة المتنازع عليها بين لبنان والكيان، وقصف مطار دمشق وإخراجه عن الخدمة، كذلك الاستفزاز الأمريكي باستيلاء حلفاء واشنطن على السفن والطائرات الإيرانية كما فعلت اليونان والأرجنتين، ويؤكد ذلك أيضا التراجع الأمريكي عن توقيع الاتفاق النووي، والتصعيد عبر الوكالة الدولية للطاقة النووية التي أصدرت قرارا ينتقد طهران، والتحالفات الواسعة التي تؤسسها حكومة الاحتلال مع الأنظمة الخليجية، وتكرار اللقاءات المتعلقة بمواجهة إيران.
يجري ذلك مع إدراك الأنظمة الخليجية والكيان الصهيوني أن واشنطن تقودهم إلى دمار واسع، ذلك أن إيران التي تتأهب منذ فترة طويلة لتلك الحرب، بتطوير قوتها الصاروخية، وتعزيز تحالفاتها في مناطق حيوية، حيث تتواجد اليوم في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، قادرة بهذه الإمكانيات على إحداث دمار واسع، وما قام به الحوثيون بحق أرامكو مثال على ذلك، وما يتخوف له الاحتلال من دمار واسع في الشمال نتيجة صواريخ حزب الله ليس إلا صورة نظرية لما قد يجري فعلياً.
ذلك أن إيران التي تمارس صبرا استراتيجيا منطلقا من كونها تتقدم في مشروعها الكبير، لن تصمت في حال المساس بذلك المشروع الذي أنفقت من أجله الكثير، وسيكون لديها الاستعداد للمس بكل من تظن مشاركته علنا أو سرا في تلك الحرب، لأنها لم تبنِ تلك القوة إلا من أجل هذه اللحظة أصلا.
فما هي المصلحة الأمريكية في ذلك؟
إن كانت واشنطن تدفع الجميع دفعا إلى تلك الحرب؛ فلا شك أنها تهدف لحرمان الصين وربما منافسين آخرين مثل ألمانيا من النفط العربي، ما سيؤدي حتى في حال وصوله إليها من مصادر أخرى إلى رفع ثمنه بشكل كبير، وهذا ما سيعرقل المصانع الصينية، التي ستصبح كذلك عاجزة عن التصدير بسبب إغلاق طرق التجارة البحرية بسبب الحرب، ما ستبدو معه أزمة الغذاء الحالية الناشئة عن الحرب الروسية الأوكرانية مجرد نموذج صغير للأزمة الجديدة.
وعند انتهاء هذه الحرب بعد سنوات طويلة ستكون واشنطن قد سبقت الصين وبقية منافسيها بمسافة كبيرة جدا، لأنها في عزلة تامة، ولديها مصادرها الخاصة للطاقة، ولن تشارك في تلك الحرب، بل ستتخلى عن حلفائها، ولن تقدم لهم أكثر من الإمدادات العسكرية التي ستُشغل مصانعها، وتعزز ثروتها، وتُمكنها من التحكم في وتيرة الحرب لضمان ديمومتها دون حسم، وتخرج في النهاية الرابح الأكبر، ضامنة هيمنتها على العالم لمئة عام جديدة.
هل تخطط واشنطن فعلاً لذلك، وهل هذا ما سيحدث، قد يكون ذلك قريبا جدا، وقد يكون مجرد مبالغات، لكن الأهم أن نكون كفلسطينيين مستعدين لتلك اللحظة، متأهبين لاغتنامها، في أوج غرق الكيان الصهيوني في تلك الحرب المحتملة، لعلنا ننجح في تغيير مسار التاريخ لصالحنا، وما الحظ السعيد إلا التقاء الفرصة مع الاستعداد.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت