عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) جلسة نقاش مسودة تقرير بعنوان: "بيئة النزاهة والشفافية والمساءلة في عمل هيئة تسوية الأراضي والمياه"، هدف إلى تشخيص واقع عمل هيئة تسوية الأراضي والمياه من خلال تحديد الفجوات والتحديات، للخروج بتوصيات فعّالة تساعد صنّاع القرار على تصويب الوضع القائم.
أكد جهاد حرب، الباحث الرئيسي في ائتلاف أمان في افتتاح الورشة أن اهتمام ائتلاف أمان لعملية تسوية الأراضي يأتي لثلاث قضايا مركزية، وهي: اعتبار تسوية الأراضي قضية وطنية محورية لحماية الأراضي الفلسطينية من الاستيطان وإجراءات الاحتلال الإسرائيلي التي تعتبر هذه الأراضي ذخرا احتياطياً للاستيطان والحفاظ على حقوق المواطنين الفلسطينيين من جهة، وتعزيز بيئة النزاهة في عمل هيئة التسوية للوقاية من أية فرص للفساد من جهة ثانية، والحرص على ضمان إدارة المال العام بما فيها باعتبارها أحد الثروات الطبيعية للشعب الفلسطيني جهة ثالثة.
استعرضت الباحثة لينا حداد، منسقة الأبحاث في ائتلاف أمان، التقرير مبتدئة بالإطار القانوني الناظم لهيئة تسوية الأراضي والمياه، والتي أسست بقرار بقانون رقم (7) لسنة 2016، إذ تم منحها القانون استقلالاً ماليا وإداريا حسب المادة (2) من قرار بقانون رقم (7) لسنة 2016، إلا أنه لم يتم اعتماد نظام مالي وإداري خاص بها، إذ ما زالت تعمل ضمن النظام المالي والإداري للمؤسسات الوزارية المعمول به.
وأشار التقرير إلى خصوصية الهيئة باعتبارها هيئة عامة مؤقتة مهماتها استكمال عملية تسوية الأراضي، الأمر الذي يتطلب وجود إجراءات عمل وآليات خاصة لا تضيف أعباء مستقبلية على القطاع العام. وأظهرت نتائج التقرير وجود بعض الاستثناءات في التعيين على خلال المبدأ العام للتعيينات في الوظيفة العامة المبني على تكافؤ الفرص للمواطنين والتنافس.
أما على صعيد الشفافية، فعلى الرغم من نشر التقرير السنوي للهيئة الا أنه لم يتم نشر التقارير المالية والخطة استراتيجية للهيئة عبر الموقع الإلكتروني.
أمان: تبني الحكومة سياسة عامة وطنية ذات علاقة بأعمال تسوية الأراضي
ائتلاف أمان يوصي بتبني الحكومة سياسة عامة وطنية محددة وواضحة بالشراكة مع جميع الأطراف ذات العلاقة بأعمال تسوية الأراضي، على أن تضمن الحكومة تخصيص موازنة كافية تلبي احتياجات هيئة تسوية الأراضي والمياه، وتحديد سقف زمني معقول لإنجاز مهمة تسوية الأراضي في فلسطين باعتبارها مهمة وطنية وذات أولوية.
ثاني أعلى جهة حكومية من ناحية عدد الشكاوى الجماعية
يشير تقرير الإدارة العامة الشكاوى في مجلس الوزراء إلى أن الهيئة ثاني أعلى جهة حكومية غير وزارية تتلقى الشكاوى بنسبة وصلت إلى (39.2%) من مجمل الشكاوى الجماعية، ويعزى ذلك إلى حساسية موضوع الأراضي، وما يرافقه من مشاكل الإرث المستعصية واسترجاع الحقوق. كما أن هناك ارتفاع ملحوظ في عدد الشكاوى المقدمة لهيئة مكافحة الفساد على تسوية الأراضي خاصة في آخر سنتين 2020 و 2021، والتي تظهر وجود لبس لدى المواطنين ما بين الاعتراض على قرار مأمور التسوية والشكوى؛ حيث تتعلق الشكوى بخدمات تسوية الأرض أو سوء استخدام المنصب أو تضارب مصالح أو تقاعس عن العمل، أما الاعتراض على قرار المأمور يكون بالتوجه للمحكمة المختصة أي محاكم التسوية.
عدم وجود نظام محدد وواضح ومكتوب لتشكيل اللجان يفتح الباب لفرص فساد محتملة
قامت هيئة تسوية الأراضي والمياه بتوقيع (220) مذكرات التفاهم الموقعة مع الهيئات المحلية خلال 2016-2021، بالرغم من عدم وجود نظام محدد وواضح ومكتوب لتشكيل اللجان، ما يفتح الباب لفرص محتملة لبعض أشكال الفساد، خاصة ان البعض لديه اطلاع على عملية التسوية وملكية الأراضي الخاضعة للتسوية وبشكل خاص تلك الأراضي التي لم يتقدم ملاك لها. وعرج التقرير على عملية ترسية العطاءات المسحية الخاصة بالتسوية، والتي تركت للهيئات المحلية على أن تكون هيئة التسوية عضواً مراقباً على الأمور الفنية. إضافة إلى عدم توحيد رسوم التسوية بين الهيئات المحلية او تحديد سقف معين لها، ما خلق حالة من عدم المساواة، بل أضعف من أسس العدالة الاجتماعية في تحمل المواطنين للأعباء.
14 محكمة تسوية في الضفة يعمل عليها 19 قاضي فقط
من أبرز المشاكل التي طرحها التقرير غياب نهج موحد في قرارات مأموري التسوية أو توضيح صلاحيات الممنوحة لهم، وعدم وضوح آلية الاستثناءات من تسوية أدى إلى زيادة استخدام السلطة التقديرية لمأموري التسوية، ما فتح المجال للطعون القضائية أمام المحاكم، وبالتالي إرهاق القضاء، علما أن هناك 14 محكمة تسوية في الضفة يعمل فيها 19 قاضيا، وتعاني هذه المحاكم من تدوير القضايا المنظورة أمامها خلال السنوات الماضية، الأمر الذي يضعف عملية التسوية ذاتها ويزيد من الأعباء الاجتماعية والمالية على المواطنين، ناهيك عن ضعف حصول المواطنين على حقوقهم. وفي هذا الصدد، أوصى ائتلاف أمان بمضاعفة عدد القضاة وتأهيلهم بما يتناسب مع التخصص في تسوية الأراضي لوقف الاختناق القاضي أمام محاكم تسوية الأراضي.
تحديث المنظومة التشريعية الخاصة والثانوية الخاصة بالأراضي
يوصى ائتلاف أمان بضرورة مراجعة وتحديث وتوحيد المنظومة التشريعية الخاصة بالأراضي، خاصة ما يتعلق منها بأعمال التسوية، نظرا لعدم مواءمتها للمرحلة الحالية، كونها صيغت قبل ما يزيد على السبعين عاما، والعمل على استكمال منظومة التشريعات الخاصة بالأراضي من خلال إصدار رزمة تشريعية متكاملة.
جملة من التوصيات الاجرائية الواجب معالجتها
احتوى التقرير على جملة من التوصيات الاجرائية المقترح اتخاذها لمعالجة الوضع القائم، ومنها إعداد مدونات سلوك خاصة بموظفي هيئة تسوية الأراضي والمياه والشركاء معها، ونظام واضح في تشكيل لجان المعرّفين في الهيئات المحلية، وإعداد إجراءات موحدة وواضحة في التحقيق في الادعاءات وإصدار التعليمات لذلك وفقا للقانون، وإعداد إجراءات محددة في توثيق واستلام الوثائق القانونية وإعطاء وصل استلام بها، وصورة طبق الأصل، وتفعيل التعميمات الخاصة بذلك الصادرة عن رئيس الهيئة، والعمل على توحيد آليات عمل مأموري التسوية.
وفي تعقيب للسيدة كفاية براغيث من هيئة تسوية الأراضي والمياه، أشارت أن هناك خطة استراتيجية 2017-2022 ولكنها لم تنته في الوقت المحدد، ما تطلب استكمالها وتحديثها حتى عام 2032. واستطردت قائلة أنه لكل منطقة خصوصيتها، والإنجاز يقاس بحصول المواطن على سند الملكية/ الطابو. ويشار أن هيئة تسوية الأراضي والمياه تعتبر مؤقتة إلى حين الانتهاء من مسوح كامل الأراضي، علما أنه تم مسح ما يقارب من مليون و200 ألف دونم من الجانب الأردني والبريطاني بالإضافة إلى مليون دونم في الفترة الأخيرة من إجمالي 5.8 مليون دونم مساحة الضفة الغربية، وتبقى ثلثي أراضي الضفة الغربية لم يتم اجراء التسوية فيها.
ضرورة تأهيل موظفي هيئة التسوية والقضاة
أوصى التقرير بتعزيز دور محاكم التسوية من خلال التدريب والتأهيل المستمر لكوادر الهيئة والقضاة، إلى جانب رفدها بالأعداد اللازمة من الكادر المؤهل والطواقم لمجاراة ما يجري على أرض الواقع، وإعداد مدونة سلوك خاصة بهم، وهو ما أكد عليه المحامي فضل نجاجرة من نقابة المحامين، مشيرا أن الجهات الرسمية والحكومية لم تولِ اهتماما حقيقيا لهيئة تسوية الأراضي، وأن أبرز التحديات تكمن في عدم وجود طواقم مؤهلة كافية أو قضاة ملمّين لمعالجة حوالي 30 ألف قضية مرفوعة في هذا الشأن.
ضرورة معالجة ضياع المستندات القانونية
وقد أشار المشاركون أن التحدي الأكبر يكمن في مكاتب مأموري التسوية، حيث يتم استلام الملفات والمستندات القانونية، دون إستصدار رقم وارد أو نظام للأرشفة والتوثيق لحفظ القضايا، ما يفتح فرصا لإخفاء بعض المستندات أو الرفض لاستلامها. بالرغم من استحداث لجنة قانونية للبحث في بعض الشكاوى، الا أنه لا يوجد لها صلاحية في القانون أو أي قيمة قانونية، حيث أن مأمور التسوية وهو الوحيد المخوّل والمواكلة اليه الصلاحيات وفقا للقانون.
بلدية كفر اللبد: إصدار كواشين 17 حوض من أصل 55 حوض!
وقد أوضح أستاذ أمين برغوش، من بلدية كفر لبد أن هناك إشكال في عملية توعية المواطن في اجراءات تسوية الأراضي، مشيراً إلى عدد كبير من المشاكل التي واجهتهم في البلدية، إذ تم الانتهاء حديثا من تسوية الأراضي منذ 2018، حيث تم مسح 55 حوضاً، تم استلام "كواشين" 17 حوض منهم فقط، علما أن الأحواض التي تم مسحها أولاً تأخر إصدار "كوشانها" حتى اللحظة، فيما مسحت أحواض حديثا، وتم إصدار كواشينها، الأمر الذي يثير سؤال إذا ما كان هناك أي تدخل خارجي في إصدار كواشين محددة، إضافة إلى التساؤل حول الاجراءات التي تدار في عملية المسح، وصولا إلى إصدار كوشان للأرض.
فصل محاكم التسوية عن المحاكم العادية
وتساءل المحامي داوود الوعري، من شركة بيت المقدس للمحاماة عن بعض القضايا التي مرّت بدون تفسير أو توضيح للمواطنين، إذ أحيل رئيسين لهيئة التسوية "قاضيين" إلى التقاعد دون أي تفسير. وأشار الوعري إلى ضرورة إعداد نظام واضح في تشكيل لجان المعرّفين، كونها من أخطر اللجان، مطالبا بالفصل بين محاكم التسوية عن المحاكم العادية، وزيادة عدد المحاكم للبت في قضايا تسوية الأراضي وتأهيل القضاة وإلمامهم في الموضوع، منبهاً أن آثار ذلك باتت تنعكس سلبا على النسيج الاجتماعي؛ فهناك عائلات متخاصمة بين بعضها البعض لطول فترة التقاضي وعدم البت بالقضايا العالقة، وأضاف بدوره حول ضرورة توفر نظام لتأمين الوثائق والحجج، وتوفر نظام للتوثيق والأرشفة، لضمان عدم ضياع حقوق المواطنين.
المقدسيون يعانون بشكل مضاعف لوضعهم الخاص في أمور تسوية أراضيهم
فيما أشار المحامي محمد لافي من بلدية أبو ديس أن مأمور التسوية بحكم القانون، يملك صلاحيات لا يستخدمها كالاستماع للشهود ومناقشة القضايا للبت فيها، ويضيق صلاحياته معتمدا على الأوراق فقط، دون التأكد من مدى مصداقيتها أو عدم التزوير فيها.
وأشار لافي أن سكان بلدة أبو ديس والعيزرية ممن يحملون الهوية المقدسية يعانون كونهم يجبرون على التقاضي في محكمة تسوية بيت لحم، منوّها أن المواطن المقدسي يحتاج إلى إذن شراء من الحكومة.
وقد أشارت السيدة شيراز الصفدي من بلدية أريحا إلى أن هيئة التسوية أصبحت بحكم الواقع لها صلاحيات مشابهة للبلديات، ما يثير العديد من المشاكل. كما أشارت بدورها إلى مشكلة قبول المحاكم للنظر في الاعتراض دون وجود بينات أو أوراق بغرض توقيف معاملة ما، إذ يكون الاعتراض على قدم المساواة مع المواطن الذي بحوزته أوراق ثبوتية، ما يثير مسألة ابتزاز البعض لأصحاب الحق مقابل سحب الاعتراض.