- فتحي كليب / مسؤول دائرة وكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
أعلنت وكالة الغوث قبل ايام نيتها "اجراء مسح اجتماعي واقتصادي جديد للاجئي فلسطين في لبنان ولاجئي فلسطين من سوريا لتحديد الفئات الأكثر حاجة. وبناء على نتائج هذا المسح، ستتم مراجعة برنامج شبكة الأمان الاجتماعي تدريجيا حتى يستفيد منه اللاجئون الأكثر حاجة بناء على صيغة جديدة". وقد اثار هذا الإجراء ردود فعل غاضبة ورافضة له نظرا للكثير من الغموض الذي يكتنفه، خاصة بما يتعلق بمراجعة البرنامج ونتائج المسح المتوقع، رغم ان اجراء مسوحات اقتصادية واجتماعية من قبل وكالة الغوث هو امر اعتيادي ودائما ما يتم اللجوء اليه للتعرف على الواقع الاقتصادية والاجتماعي للمستهدفين بالمسح.
كانت المسوحات والدراسات التي انجزتها وكالة الغوث في اوقات سابقة موضع ترحيب من قبل اللاجئين ومرجعياتهم المختلفة كونها كانت تؤسس لاستراتيجيات عمل الاونروا المستقبلية. وعلي سبيل المثال: فالمسح الأسري الاقتصادي الاجتماعي للاجئين الفلسطينيين في لبنان الذي انجزته الاونروا عام 2010 بالتعاون مع الجامعة الامريكية تم الاستفادة منه في الاستراتيجية متوسطة الاجل للاعوام (2010 - 2015)، والدراسة الثانية التي اعلنت عام 2016 حول الحالة الاقتصادية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان مهدت ايضا لاطلاق استراتيجية اعوام (2016 - 2021) والتي لم تكتمل ترجماتها وتطبيقاتها على الارض نتيجة الحرب الامريكية الاسرائيلية التي شنت على وكالة الغوث وادت لاحقا الى قطع المساهمة الامريكية التي زادت في تلك الفترة عن (360) مليون دولار.. وهذين المسحين قدما معطيات مرعبة حول الحالة المعيشية للاجئين الفلسطينيين وحول المهجرين الفلسطينيين من سوريا بعد العام 2011، وكان المتوقع بعد التعرف على تلك النتائج ان يكون التعاطي مع اللاجئين الفلسطينيين واوضاعهم المعيشية مختلفا لجهة تغيير الاستراتيجيات الاغاثية تجاههم، لكن شيئا من هذا لم يحصل.
من الناحية النظرية، تعتبر المسوحات الاقتصادية والاجتماعية امرا ايجابيا، ومن شأنها ان تقدم للمرجعيات السياسية والخدماتية المعنية مؤشرات يمكن خلالها التعرف على اوضاع الفئات المستهدفة بالمسح وخصائصها الاقتصادية والاجتماعية، وهذا الامر ينطبق على اللاجئين الفلسطينيين الذين يفتقدون الى هيئات ومؤسسات تعنى بقضايا الاحصاء، لأن ما تقدمه وكالة الغوث هو عبارة عن تقديرات انطلاقا من عدد المسجلين في قيودها. وبالتالي فان المسوحات وان كانت تقدم معطيات تقترب من الموضوعية، الا ان تسييس الارقام من قبل عدد من الاطراف المحلية والدولية، جعل الكثيرين يطرحون الكثير من علامات الاستفهام حول اسبابها ونتائجها.. غير ان ما يبعث على القلق بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في لبنان والنازحين من سوريا، هو ان هذه المسوحات تأتي في وقت تشتد فيه الضغوط على الوكالة وبرامجها المختلفة وفي ظل الاحاديث المتكررة لمسؤولي الوكالة عن عدم القدرة على الحفاظ على المستوى الحالي للخدمات بسبب نقص الاموال، وآخر هذه الاحاديث ما اعلنته الاونروا قبل ايام (حزيران) انها لم تتسلم حتى الآن سوى 20 بالمائة من ميزانية الطوارئ المخصصة لسوريا ولبنان والأردن.
لقد جاء اعلان الاونروا عن عزمها اجراء هذا المسح بعد ان دخل عدد من اللاجئين الفلسطينيين إلى مكتب الاونروا في مخيم عين الحلوة، جنوبي لبنان، من اجل تقديم طلبات لاعتمادهم في برنامج شبكة الأمان الاجتماعي، نتيجة الواقع المعيشي الصعب الذي يقف امامه جميع اللاجئين لانعدام الخيارات وعدم قدرة القسم الاكبر منهم على الوصول الى احتياجاته الاساسية من الغذاء ومن الحد الادنى من الرفاه الاجتماعي. والمنطقي هنا هو سؤال اللاجئ والمهجر عن الاسباب الحقيقية لاجراء المسوحات طالما انها لم تغير في السابق من واقعهم الراهن ولا يؤمل لها بأن تحدث تغييرا في مستقبلهم. فإذا كان هدف المسح هو مجرد الاستبدال والتعرف على المؤشرات الاقتصادية للاجئين الفلسطينيين، فلدى الوكالة ما يكفي من المسوحات والمعطيات الرقمية والاحصائية التي تقدم صورة وافية عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، اما اذا كان الهدف هو الوصول الى نتائج مقرة بشكل مسبق لجهة المس ببعض الخدمات المقدمة فهذا ما يجعل التخوفات المعبر عنها من قبل بعض الفئات في مكانها..
وخلال الفترة من 2010 وحتى الآن، انجزت الوكالة وغيرها من مؤسسات بحث واحصائية نحو خمسة (5) مسوحات كبيرة قدمت معطيات منطقية ومعقولة عن واقع اللاجئين الاقتصادي والاجتماعي، ويمكن الرجوع اليها للتعرف على بعض المؤشرات التي من المؤكد انها ازدادت سوءا بسبب تفاقم الازمة الاقتصادية في لبنان التي ادت الى انهيار الليرة اللبنانية. ومن هذه المسوحات:
1) دراستان تم انجازهما بالتعاون بين الاونروا والجامعة الامريكية في بيروت بين اعوام 2010 و 2015 وقدمت معطيات رقمية مخيفة عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي للاجئين الفلسطينيين في لبنان والمهجرين من سوريا.
2) التعداد السكاني الذي انجزه مركز الاحصاء اللبناني عام 2017 وقدم ايضا ارقاما صادمة حول الحالة المعيشية للاجئين الفلسطينيين.
3) مسح القوى العاملة والاحوال المعيشية للاسر داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان” الذي انجز عام 2019 من قبل ادارة الاحصاء المركزي اللبناني.
4) مسح او دراسة اجرتها الاونروا عام 2021، لكن لم تنشر نتيجتها بعد.
لو وضعنا الدراسات والمسوحات السابقة جانبا،، فان ما اعلنته الوكالة مؤخرا يعتبر كافيا لتطوير المعايير التي على اساسها تعتمد العائلة كمستحقة للدعم والمساعدة. فنسبة الفقر، كما اعلنتها الاونروا، بين اوساط اللاجئين الفلسطينيين في لبنان 73 بالمائة، وفي اوساط المهجرين من سوريا تزيد عن 87 بالمائة، وعلى هذين المعطيين، وغيرهما، استندت الوكالة في اطلاق النداء الطارئ في كانون الثاني 2022 لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين والمهجرين.. بينما ارقام وكالة الغوث حول تعاطيها مع اوضاع الفقر يبدو مستغربا. وعلى سبيل المثال بلغ عدد الحالات المصنفين ضمن برنامج شبكة الأمان الاجتماعي عام 2017 حوالي 62 الف، ورغم المعطيات السابقة التي اعلنتها الاونروا عن الفقر في لبنان فقد انخفض عدد المستفيدين من البرنامج عام 2020 ليصل الى حوالي 60 الف حالة، ما يطرح اكثر من علامة استفهام حول موضوعية المعايير المعتمدة من قبل الاونروا..
وعلى اهمية وضرورة توفير المعطيات الرقمية الدقيقة والموضوعية حول اللاجئين الفلسطينيين والمهجرين من سوريا، غير ان من حق اللاجئ والمهجر ان يطرحان هواجس واسئلة عن فائدة المسوحات والدراسات طالما انهم لا يشعرون ولا يلمسون انها تنعكس ايجابا على وضعهم الاقتصادي والاجتماعي. اضافة الى ان المسوحات المستقبلية، لن تقدم نتائج مغايرة عن الواقع المعروف بكل تفاصيلة، الا اذا كان الهدف منها الوصول الى استنتاج أن هناك فئات اجتماعية تستحق واخرى لا تستحق، كما حصل في بعض التوزيعات النقدية بين من استفاد ومن حرم منها لأسباب مغايرة للواقع. علما ان جميع اللاجئين والمهجرين في لبنان، ووفقا لكافة المعايير الدولية في تحديد مستوى الفقر، يستحقون ما هو اكثر من الدعم والمساعدة، بل هناك حاجة فعلية لخطة طوارئ اغاثية واقتصادية شاملة.. وهو المطلب المجمع عليه من كافة الاوساط السياسية والشعبية الفلسطينية في لبنان.
لكن بالرغم من كل ذلك، وإذ ننظر بايجابية الى المسح الجديد الذي تعتزم الوكالة انجازه باعتباره مناسبة ومدخلا لدفع الدول المانحة لتأمين التمويل اللازم للنداء الذي اطلقته في بداية هذا العام، فينبغي الحذر من المس بأية حقوق او خدمات تقدم للعائلات الفلسطينية سواء كانت لاجئة او مهجرة من سوريا، ورفض نقل اية خدمات وتقديمات من برنامج لآخر الا بعد تقديم اسباب موجبة ومقنعة لذلك، كأن ينقل مثلا ملف المهجرين من سوريا الى برنامج الخدمات الاجتماعية، وهذا امر ليس فقط يحتاج الى توضيحات وحوار مع المستفيدين بل انه مخالف لأعراف الاونروا وسياساتها ولهيكل الموازنة وابوابها المختلفة.. رغم ان الامر لا زال في طور التكهنات، الا ان المسؤولية والواجب تجاه شعبنا تقتضي التحذير بشكل مسبق من اي امر غير طبيعي ويحتاج الى حوار ونقاش، اقله مع المستفيدين اولا ومع المرجعيات الوطنية لشعبنا..
ان الاونروا مطالبة بتدارك حالة الاحتقان الشعبي المتعاظم جراء الواقع الذي وصلت اليه خدماتها بنتيجة الازمة المالية التي باتت تهدد النسيج الاجتماعي والوطني الفلسطيني، وتنذر بتداعيات ستطال الجميع، فإن الامل أن تنعكس نتائج المسح القادم ايجابا على اللاجئين والمهجرين، سواء بالعمل على رفع أعداد المستفيدين من برنامج الأمان الاجتماعي ورفع قيمة المساعدة الشهرية للاجئين الفلسطينيين من سوريا وتوزيعها في موعد شهري ثابت ومحدد، او لجهة تسهيل إجراءات التسجيل للعائلات الجدية حيث تحرم التعقيدات البيروقراطية الكثير من العائلات المحتاجة من حقها بالتسجيل والحصول على المساعدة، والعمل على شمول لبنان ببرنامج الطوارئ المعمول به في فلسطين وسوريا باعتبار المخيمات والتجمعات الفلسطينية باتت مناطق منكوبة تحتاج لخطة طوارئ عاجلة وشاملة..
بيروت في 8 تموز 2022
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت