- فؤاد بكر
- مسؤول دائرة المقاطعة في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
ترتبط الأرض بهوية حضارية وثقافية وأيديولوجية، ومن خلال هذه الركائز الثلاثة ينطلق العدو الإسرائيلي بالترويج لروايته المضللة أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، بمعنى آخر هو إنكار للحضارة العربية والهوية الفلسطينية المتجذرة على أرض فلسطين التاريخية، ولذلك ركزت مراكز الدراسات الإسرائيلية على مرحلة ما قبل النكبة عام 1948 من تصوير فلسطين بأنها أرض بلا هوية حضارية أو ثقافية أودينية، وهذا ما يحاول العدو الإسرائيلي إقناع الرأي العام العالمي به من خلال النظريات التوراتية والأساطير الدينية التي ليس لها أساسا من الصحة كما أكدت كل الدراسات العلمية والأكاديمية، ومن هنا يأتي دور الحركة الطلابية الفلسطينية في التصدي للتطبيع الأكاديمي مع العدو الإسرائيلي الذي يحاول من خلاله الإستناد على معطيات وأبحاث أكاديمية تروج لروايته، وبناء عليها فهو يراهن على عملية إنقلاب سيكولوجية في ذهنية العالم العربي تجعلهم يصدقون بأنه ليس هناك حضارة عربية على أرض فلسطين، وأنها أرض بلا بعد تاريخي وبلا بعد قومي، وذلك إنطلاقا من نسج العلاقات مع العرب لتجعلهم يشككون بالهوية العربية على أرض فلسطين، وفق عملية زهايمر جماعية، تنسي العرب المجازر التي إرتكبتها العصابات الصهيونية الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني، والتي تحول الشعب الفلسطيني من شعب مقاوم ومناضل إلى شعب خائن باع أرضه.
إن الحرب الثقافية هي أخطر بمئة مرة من الحرب الكلاسيكية، لأنها هي التي تحدد من صاحب الأرض، ولمن له الحق التاريخي بها، وذلك وفق معطيات وأبحاث علمية وأكاديمية التي تسعى من خلالها الأطر الطلابية الفلسطينية تثبيتها، بالإستناد على تكثيف الدراسات البحثية التاريخية والأيديولوجية المعمقة من خلال طلاب الدراسات العليا، وعقد ورش عمل ضمن الجامعات الفلسطينية والعربية والأوروبية بهدف تثبيت الرواية الفلسطينية ودحض الرواية الصهيونية التي يحاول العدو الإسرائيلي نشرها في الجامعات وتدريسها على أنها حقيقة علمية ثابتة، لاسيما في الجامعات العربية بعد إتفاقيات التطبيع بهدف غزو العقل العربي وجعله يقر بشرعية قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وعندها ينتقل العالم العربي من شعب تتوحد رؤيته بعدم مشروعية إسرائيل إلى شعب عربي يعتقد أن العداء مع إسرائيل هي وجهة نظر وليست مسلم بها، بإعتبارها دولة إحتلال تمارس كل عمليات الإجرام بحق الشعب العربي كله وليس فقط بحق الشعب الفلسطيني.
لقد تمكنت الأطر الطلابية الفلسطينية من نشر ثقافة الوعي وتعبئة الطلاب العرب في الجامعات العربية حول خطورة توقيع مذكرات التفاهم بين الجامعات العربية في الدول التي طبعت مؤخرا مع العدو الإسرائيلي، حيث باتت الأطر الطلابية الفلسطينية تخرج باحثين ومختصين في الحضارة العربية وشكلت مرجعا مهما للطلاب في مختلف الجامعات العربية وحثتهم على كتابة أبحاثهم ودراساتهم العليا حول الصراع العربي الإسرائيلي، فرغم كل عمليات التطبيع، نرى أن كل الدراسات العليا في الجامعات العربية ولاسيما الدول المطبعة تعرض مخاطر التطبيع وحول السلام المستحيل مع العدو الإسرائيلي، وترجم ذلك في العديد من الوقفات والتظاهرات والتحركات الطلابية المناهضة للتطبيع.
لقد نجحت الحركات الطلابية الفلسطينية في إرسال صوتها لمختلف الأطر الطلابية في الجامعات العالمية الأوروبية والأميركية والعربية، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
ففي بريطانيا: طرد الطلاب السفيرة الإسرائيلية من الحرم الجامعي ووصفوها بسفيرة دولة الفصل العنصري، كما دعت مختلف الحركات الطلابية في الجامعات البريطانية إلى سحب إستثمارات الجامعات البريطانية التي تتعامل مع دولة الإحتلال الإسرائيلية من المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، كذلك تضامنت الأطر الطلابية مع الأكاديمية "شهد أبو سلامة" المحاضرة في جامعة "شيفيلد"في بريطانيا، بعد مشاركة تجربتها في قطاع غزة في ظل الإحتلال الإسرائيلي والحصار، وتعرضها لحملات تشهير أدت إلى توقيفها عن العمل، رضوخا للوبيات الإسرائيلية.
أما الحركة الأكثر نشاطا فكانت في الولايات المتحدة الأميركية حيث أطلق 8500 طالب جامعي في جامعة "برينستون" الأميركية حملة تطالب إدارة الجامعة بمقاطعة شركة "كاتربيلر" التي تزود دولة الإحتلال الإسرائيلية بمعدات تستخدم لإرتكاب جرائم بحق الفلسطينيين، وكذلك أطلقت الحركة الطلابية في جامعة "هارفارد" حملة توعية تدعو الطلاب إلى مقاطعة رحلة إلى دولة الإحتلال الإسرائيلية التي تنظمها منظمات صهيونية في الولايات المتحدة الأميركية، كما طالبت الأطر الطلابية آلاف الطلاب في جامعة نيويورك أعضاء الهيئة التدريسية إلى إغلاق الحرم الجامعي التابع لها في "تل أبيب" بسبب نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وإدانة طلاب جامعة نيويورك قرار مجلس أمناء الجامعة بسحب 50 ألف دولار من التمويل المقدم للطلاب، بعد أن طالبت هيئة التدريس في الجامعة مقاطعة المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، إضافة إلى ذلك، فقد أقرّ مجلس أمريكا اللاتينية للعلوم الاجتماعية (CLACSO) بالإجماع تأييد المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل، استجابة لنداء الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، الصادر عام 2004، وصوت مجلس الطلبة في جامعة ولاية لويزيانا الأميركية لصالح قرار مقاطعة المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية وقطع العلاقات الأكاديمية مع الجامعات والمعاهد الإسرائيلية وإرتداء الكوفية الفلسطينية من قبل طلاب جامعة هارفارد، وإتخاذ إتحاد طلاب جامعة تورونتو في كندا، قرارا ينص على سحب الإستثمارات من الشركات المتواطئة مع دولة الإحتلال الإسرائيلية من الجامعة، إلى جانب تبني مجلس أميركا اللاتينية للعلوم الإجتماعية CLACSO في الأرجنتين، قراراً بالإجماع بفرض المقاطعة الأكاديمية على دولة الإحتلال الإسرائيلية ومقاطعة جميع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية وإستقالة الأكاديمي الأميركي "كورنيل ويست" من جامعة "هارفارد" بسبب موقفها العدواني تجاه القضية الفلسطينية ورفضا لإستثمارات الجامعة مع شركات داعمة للمستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية تقدر بحوالي 200 مليون دولار، واصدار الحكومة الطلابية في جامعة "الينوي" في "اوربانا شامبين" قرارا دعا الجامعة الى سحب استثماراتها من شركة نورثروب غرومان، وشركة ريثيون ولوكهيد مارتن، شركة كاتربيلر، وشركة البيت سيستمز المحدودة بسبب مشاركتها بانتهاك حقوق الانسان في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك اصدار اعضاء هيئة التدريس بجامعة كولومبيا خطاب دعم مفتوح لرئيس الجامعة لقراره المؤيد للمقاطعة، وقد استضافت حكومة طلاب جامعة بتلر معرضا فنيا مناهضا لاسرائيل على تطبيق الزوم، فيما ترأس استاذ في جامعة CSUN ادارة صفحة مقاطعة الموارد الاسرائيلية على مواقع الجامعة. فيما صوت مجلس طلاب كلية "بومانا" في "كليرمونت" بالولايات المتحدة الأميركية بالإجماع لصالح قرار يحظر تمويل الأنشطة الخاصة بالمجلس التي تدعم المستوطنات. وفي فرنسا، فقد نظم طلاب جامعة "باريس- نانتير" وقفة تضامنية مع الطلاب الفلسطينيين القاطنين في سجون دولة الإحتلال الإسرائيلية.
أما على الساحة العربية، فقد طوقت السلطات المغربية ساحة "20 غشت" في "خنيفرة" ومنعت تنظيم الوقفة الرافضة للتطبيع وقامت بإعتقال عدد من الطلاب لمنع وقفة أخرى منددة بالتطبيع والتي كانت منظمة من قبل طلبة "جامعة - المولى إسماعيل"، وذلك بعد تحذير أكبر نقابة تعليمية بالمغرب من إدخال ثقافة التطبيع مع دولة الإحتلال الإسرائيلية في المناهج التعليمية المغربية، حيث نظم طلاب فرع تطوان بالمغرب في حرم الجامعة وقفات شعبية تضامنية مع الشعب الفلسطيني بمناسبة يوم الأرض رغم قمع القوات المغربية ونفذت منظمة التجديد الطلابي بجامعة ابن طفيل المغربية حملة طلابية بمناسبة "الذكرى الـ45" ليوم الأرض تضامنا مع الشعب الفلسطيني، كما شارك الإتحاد الوطني لطلاب المغرب في ذكرى يوم الأرض تضامنا مع الشعب الفلسطيني ورفضا للتطبيع مع دولة الإحتلال الإسرائيلية، وتزيين مدخل جامعة ابن زهر في مدينة "أكادير المغربية" بالأعلام الفلسطينية وحرق الأعلام الإسرائلية رفضا للتطبيع المغربي الإسرائيلي. أما في لبنان فقد أصدر وزير التربية اللبناني طارق المجذوب تعميما يدعو فيه المدارس الخاصة والرسمية تخصيص حصة واحدة للحديث عن القضية الفلسطينية ورفض التطبيع، كما تم محاسبة دكتور في الجامعة اللبنانية في كلية الآداب الذي وضع نصا في الامتحان يروج للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، عندها تدخلت الحركة الطلابية وتواصلت مع الجامعة فأعيد الإمتحان للطلاب وإعتذر الدكتور عن هذا الحدث بعد أن وقع تعهد بعدم تكرار ذلك، أما في الأردن رفضت جامعة الزيتونة الأردنية من مؤتمر دولي في الإنشاءات الهندسية في واشنطن، بسبب مشاركة دولة الإحتلال الإسرائيلية.
فالحديث يطول ويطول عن إنجازات الحركة الطلابية الفلسطينة، بالحجم الذي يبرز إنجازاتها وما قدمته للقضية الفلسطينية ساهم بترسيخ ثقافة الوعي للشباب المثقفين الواعدين، وتكريس أنه لا شرعية لهذا الإحتلال.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت