- د. رمزي عودة
إنهم ينتمون الى الجيل الخامس أوالسادس من الشعب الفلسطيني في الشتات، هُجّر أجدادهم الى أمريكا الشمالية واللاتينية. توسمهم ملامح الحضارة الغربية، الا أن جميعهم يرتدي الكوفية الفلسطينية، وآخرون يلبسون حلى خارطة فلسطين على صدورهم. بعضهم لا يتقن العربية، الا أن مفردات القرية الفلسطينية واللجوء ما زالت عابقة في لهجتهم. ما زالت ملامحهم العربية تنطق، وما زالت آلهة عشتار وبعل توحي لهم بأصولهم وجذورهم. جاؤوا من مسافات بعيدة بحثاً عن هذه الجذور، وأملاً في الحفاظ علىها.
تجمعوا في مخيم عايدة، حيث مفتاح العودة الذي استظلوا بظلاله من أشعة الشمس اللاهبة. أصروا أن يتأملوا في هذا المفتاح وكأنهم يأملون بأنه مفتاح سحري، يستطيع أن يفتح كل أبواب بيوتهم القديمة، التي دُمّرت وهُجّر أجدادهم منها في حرب عام 1948. ذهبوا الى أزقة المخيم وإلتقطوا صور الحزن والأسر والقتل فيها. اكتشفوا أن العدالة التي تعلموها في مدارسهم الغربية لم تكن مصممة لكي تطبق في موطنهم الأصلي فلسطين. اكتشفوا بأن الدول الغربية التي يحملون جنساياتها، والتي تنشئهم على إحترام قيم الديمقراطية وحقوق الانسان، تقوم بدعم الاحتلال الإسرائيلي الذي دمر موطنهم وقراهم وأحلامهم، وانتهك حقوق أبناء جلدتهم. أدركوا بأن أبراج المراقبة العسكرية الإسرائيلية التي تحاصر المخيم، ليست سوى أدوات للقتل والاعتقال والاستبداد. لم يكونوا بحاجة الى تعريفهم بنظام الفصل العنصري الإسرائيلي، فقط شاهدوا جدار الفصل بأعينهم وتحسسوا عنصريته، فوقعوا عليه عبارات الاستنكار والرفض لهذا الكيان الاستعماري العنصري. إحدى الصبايا كتبت على الجدار إسم قريتها المهجرة، وأخرى رسمت شجرة زيتون، وشاب كتب أشعار محمود درويش، وآخر وسم الجدار بالعنصرية . حملوا بعض الحجارة والتراب من المخيم ليأخذوه بعيدا الى مساكنهم، لعلها تذكرهم دوماً بأرض الأجداد. حجوا الى الجدار ليكتبوا عليه أنهم فلسطينيون، وكأنما هذا الجدار هو الصفحة التي ينطلقون منها لمقاومة الاحتلال، هو الصفحة التي يعبؤون فيها طلب العودة. هو الصفحة التي يخبرون فيها ذلك الجندي الإسرائيلي القريب الذي يراقبهم في أعلى البرج، بأنهم حتما سينتصرون وبأنهم حتما سيعودون الى أرضهم. كلها قصص حزينة تُحفر على سطور الجدار، تكتب بالدموع وبالدماء، وتختصر جميعها في عبارة تلك الصبية الفلسطينية التي كتبت على هذا الجدار وهي تحول أن تخفي دموعها عبارة مؤثرة جدا إستوقفت الجميع! " تيتا نظمية.. سنعود" تيتا نظمية هي جدتها التي توفت في المهجر، وكانت تعشق فلسطين وتحلم بالعودة اليها، وغرست الجدة نظمية قيم الوطنية والانتماء في عائلتها في الشتات. ووعدت هذه الحفيدة جدتها بأن تزور فلسطين وبأنها ستبحث عن بيتها المهجر في دير ياسين .. وعدتها بإختصار أن تعود الى جذروها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت