رحلة الأعياد والصيف

بقلم: رمزي عودة

د. رمزي عودة.jpg
  • د. رمزي عودة

لم تكن الرحلة الأولى لي في الأعياد، ولكنها قد تكون الأخيرة بسبب صعوبتها. آلاف الناس ينتظرون على جسر الملك حسين معظمهم قادمون من الدول التي تستقبل السواح مثل مصر وتركيا، النسبة الأكبر منهم قضوا ليلتهم على الجسر يومين أوأكثر. وآخرون دفعوا الرشاوي لكي ينتقلوا الى حافلات السفر وسيارات رجال الاعمال والمهمينVIP.  ومن الواضح أن هذه الازمة غير مسبوقة، فوفقاً  لتصريحات العقيد أيمن المعايطة مدير الامن الأردني للجسور لوكالة فرانس برس فإن "عدد المغادرين يوميا هو بحدود 6 إلى 7 آلاف مسافر، والطرف الآخر (إسرائيل) يشترط علينا ألا يتجاوز العدد 80 إلى 90 حافلة بسعة 50 راكبا، ما يعادل 4 آلاف إلى 4500، وهذا ما يجعل البعض غير قادرعلى المغادرة".. في الواقع، هنالك عدة أسباب للارتفاع غير المسبوق في أعداد المسافرين الفلسطينين عبر جسر الأردن أهمها عيد الاضحي وموسم الاجازات الصيفية والعطل المدرسية إضافة الى دافعية الناس للسفر بعد موجة الكورونا التي منعت المواطنين من السفر لأكثر من عامين.

الجميع على الجسور يشكوا ويتذمر، ويخشى أن لا يحالفه الحظ في العودة الى أرض الوطن بسبب الاكتظاظ غير المسبوق. والطرف الوحيد الذي يتحمل وزر هذه الأزمة هو الطرف الإسرائيلي، لأنه ببساطة غير مستعد لكي يرفع من طاقته الاستيعابية في فترة الأعياد وموسم الصيف. وحتى تقطع الكيلويين الفاصلين بين جسر الملك حسين وجسر "اللنبي" على الجانب الإسرائيلي" فان عليك أن تنتظر في الباصات 3 – 4 ساعات بدون توفر الحد الأدني من الخدمات كالمياه والحمامات والطعام.  ليس هذا فحسب، فالاحتلال الإسرائيلي ضاعف من إجراءاته الأمنية على الجسر، وباتت إجراءات التفتيش الإسرائيلية هناك مذلة ومهينة للفلسطينيين القادمين من الاردن، فحتى الأطفال والنساء لم يسلموا من هذه الإجراءات. فقط على الجانب الإسرائيلي تسمع صراخ الجنود وأوامرهم واجراءاتهم التعسفية. يضعون الفتيات على أجهزة الفحص الدقيقة التي تظهر أجسامهم عارية. ويصرخون في وجه الأطفال والشيوخ، ويحققون مع الشباب في غرف التحقيق التابعة للمخابرات الاسرائيلية.

إن هنالك العديد من الأسئلة التي تثار في ظل هذه الفوضى غير الإنسانية. فلماذا لا يستطيع المسافرون السفر في سياراتهم؟، ولماذا لا تفتح الجسور 24 ساعة؟ ولماذا يخضع المسافرون الى العديد من اجراءات التفتيش المكررة ؟ ولماذا يعامل المسافرون بطريقة مهينة دون أي رقابة او مساءلة؟ ولماذا تنعدم الخدمات الأساسية للمسافرين؟ والعديد من الأسئلة الأخرى.. وجميعها تنحصر إجابتها في إجابة واحدة؛ وهي أن الاحتلال الإسرائيلي يريد أن يقهر المواطن الفلسطيني ويجعله يفكر ألف مرة في الهجرة خارج وطنه. بإختصار إن هذه الإجراءات القهرية غير المبررة تسعى لتجسيد توغل وقوة وهمجية الاحتلال الاسرائيلي في مخيلة الشعب الفلسطيني من أجل الضغط عليهم وإرهابهم ومنعهم من المقاومة وإضعاف صمودهم على أرضهم.

في زيارته مؤخراً لبيت لحم، وعد الرئيس الأمريكي "بايدن" القيادة الفلسطينية بعمل تحسينات مهمة لمعيشة الفلسطينين، ومن ضمن هذه الوعود إجراءات متعلقة بالجسور لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني أثناء السفر. وبغض النظر عن جدية هذه الوعود ومدى التزام الجانب الإسرائيلي بها، فإن المشكلة الأساسية للشعب الفلسطيني هي سياسية بحته وتتمثل بتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. هذه الإشكالية لم يتم طرحها في زيارة بايدن للأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو الامر الذي كان متوقعاً بسبب رفض الحكومة الإسرائيلية اليمينية لاي مبادرات سياسية سلمية، بالمقابل، فإن تحسين الظروف المعيشية أيضا قضية مهمة  للشعب الفلسطيني على الصعيد الإنساني والاقتصادي. والمضي قدما في هذه الإجراءات يعتبر ضروريا ولكنه ليس كافياً، لان المشكلة الرئيسية للشعب الفلسطيني هي الاحتلال، والتخلص منه سيؤدي حتماً الى القضاء على كل المشاكل الحياتية والاقتصادية. على هذا، فإن المضي قدما في مسارين متوازنين لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني؛ خط سياسي، وخط حياتي معيشي هو المطلوب ليس فقط في حل مشكلة "رحلة الأعياد والصيف" وانما أيضا في تسوية القضية الفلسطينية تسوية عادلة.

 

 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت