عامان على التطبيع فهل انتهى شهر العسل مع الإمارات ؟

بقلم: علي ابوحبله

علي ابوحبله.webp
  • إعداد و تقرير المحامي علي ابوحبله

هل حقّقت مشاريع التطبيع مكاسب وأهدافاً، عربياً أم إسرائيلياً، أكثر؟ وإلى أين يسير المشهد في مسار التطبيع خلال المرحلة المقبلة؟

مسار التطبيع الذي بدأته، قبل عامين، دولٌ خليجية، مثل الإمارات والبحرين، ولحق بها عدد آخر من الدول العربية، مثل المغرب والسودان، جاء بدعم وتشجيع أميركيَّين، وتأييد دول كبرى حثّت الدول الخليجية والعربية على إقامة علاقات طبيعية بـ"إسرائيل"، حرصاً على مصالحها في المنطقة، ومن أجل تأمين مصالح "إسرائيل" في آن واحد.

هذه البيئة فتحت المجال أمام "إسرائيل" لأن يكون لها موطئ قدم في المنطقة العربية، إذ قدمت تلك الدول الأربع، في قفزها هذه القفزة تجاه اتفاقيات التطبيع، مكافأة مجانية إلى "إسرائيل" على ما فعلته من مسلسل جرائم طال عمره أكثرَ من أربعة وسبعين عاماً، وما زالت مستمرة في نهجها الإجرامي تجاه الأرض والإنسان والمقدسات، وسجّلت فيه اصطفافاً مع "إسرائيل" على حساب القضية الفلسطينية.

مسار هوّلت له "إسرائيل"، ومن خلفها أميركا، بصورة غير مسبوقة في بداياته، وقالتا إن طابوراً من الدول العربية ينتظر ليلحق بقطار التطبيع. وعلى الرغم من التهويل والترويج الأميركيَّين الإسرائيليَّين لمشروع التطبيع، فإنَّ دولاً عربية ظلّت صامتة، ولم تُبدِ موقفاً واضحاً، وأخرى وقفت حالة الحياد، لكنّ دولاً أخرى، في المشهد ذاته، ثبّتت موقفها بصورة واضحة، مثل سوريا ولبنان والعراق واليمن وإيران، عبّرت عن رفضها المطلق مسارَ التطبيع مع "إسرائيل"، ووصفته بالخيانة الكبيرة للقضية الفلسطينية.

تاريخياً، بدأ مسلسل التطبيع العربي مع "إسرائيل" نهاية سبعينيات القرن الماضي، ومرّ في حالة من الجمود، حتى أُعيد إحياؤه في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2020، بحيث التحقت أربع دول بقطار التطبيع، ووصل بعضها إلى حدّ التحالف مع "إسرائيل". وبدأ التطبيع يأخذ شكلاً شرعياً لدى هذه الأنظمة في العواصم العربية، التي وقّعت اتفاقيات تطبيع رسمية علنية، بينما بدت القضية الفلسطينية لدى هذه الأنظمة أساس النكبة والنكسة.

جاءت اتفاقيات التطبيع الجديدة تحت عناوين متعددة، كسرت فيها الدول المطبّعة الخطوط الحُمرَ بشأن العلاقة بـ"إسرائيل"، وعلى نحو غير مسبوق، منها جاء على قاعدة التحالف الخليجي الإسرائيلي، والتذرّع بالتهديد الإيراني، كدولتي الإمارات والبحرين. وأخرى جاءت تحت عنوان المقايضة في مقابل اعتراف واشنطن بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، مثل دولة المغرب، وأخرى تحت الإغراء أو الابتزاز كالسودان، من أجل رفعه من تصنيف قوائم الإرهاب الأميركية. وعلى الرغم من احتفاء أنظمة التطبيع باتفاقياتها مع "إسرائيل"، فإن هذه الاتفاقيات قوبلت برفض واسع وكبير من أحزاب وهيئات ومؤسسات داخل الدول الأربع.

لتقييم مسار التطبيع، الذي انطلق قبل عامين، لا بدّ من التوقف عند الآثار والفائدة والمكاسب التي عادت على الدول المطبّعة، ومدى التزام "إسرائيل" بثمن التطبيع وفاتورته، والإيفاء بالوعود التي انضوت في جوهر هذه الاتفاقيات؟ وربما السؤال الأهم، هو: هل حقّقت مشاريع التطبيع مكاسب وأهدافاً، عربياً أم إسرائيلياً، أكثر؟ وإلى أين يسير المشهد في مسار التطبيع خلال المرحلة المقبلة؟

وفق الشواهد والأحداث تجاه مسيرة التطبيع، فإنه لم يحقق مكاسب كبيرة للدول المطبّعة. فدولة الإمارات، التي تُعَدّ أُولى الدول التي طبّعت مع "إسرائيل"، وذهبت بعيداً إلى مستويات تجاوزت الاتفاقيات الرسمية أو الاقتصادية والأمنية، ووصلت إلى حالة الاندماج الكامل فيها، اصطدمت مؤخراً برفض "إسرائيل" بيعها منظومة "القبة الحديدة" والدفاع الجوي بسبب خشيتها من تسريب معلومات تكنولوجية عسكرية الى أطراف أخرى، الأمر الذي اضطر أبو ظبي إلى شراء منظومة دفاع جوي من كوريا الجنوبية. كما سُجِّل للإمارات تعثُّرها في تنفيذ شراء صفقة الطائرات الحربية من طراز "أف 35".

أمّا في المغرب، فيشهد مسار التطبيع تعثراً واضحاً، وسُجِّلت حالة جفاء في العلاقة المغربية الإسرائيلية نتيجة المماطلة الإسرائيلية، وموقفها بشأن النزاع في الصحراء الغربية، وهو ما أدى إلى حالة انزعاج مغربي، وتأجيل افتتاح السفارة الإسرائيلية في الرباط. وهذا ما أكدته صحيفة Ecsaharaui الإسبانية. وحال السودان ليست أفضل من حال المغرب كثيراً، إذ إن التطبيع مع "إسرائيل" لم يُنهِ أزمات السودان، ولم يحقق مصالحه، كما جاءت الوعود قبيل اتفاقية التطبيع، بحيث رُوِّج أن التطبيع سيحل أزمات السودان. والنتيجة اتَّضحت على الأرض، وهي أن هذه الوعود ليست إلاّ مجرد نظرة قاصرة، في حقيقة الواقع، بل اتضح السبب الحقيقي من وراء التطبيع الإسرائيلي السوداني، وهو أن "إسرائيل" تبحث عن مصالحها وأمنها القومي في البحر الأحمر فقط.

مسار التطبيع، الذي بدأه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فقدَ كثيراً من حيويته بعد وصول بايدن إلى سدة الحكم في واشنطن، لكنه لم يغب عن المشهد تماماً. فالتطبيع، في هذه المرحلة، يشهد حالة من التعثر والفتور معاً، وهو مؤشر على بداية فشل مسار التطبيع في تحقيق أهداف ومكاسب جوهرية للأنظمة الخليجية والعربية، التي هرولت وطبّعت مع "إسرائيل".

 

صحيفة إسرائيليه انتهى شهر العسل مع الإمارات

منذ توقيع اتفاقات التطبيع بين إسرائيل والإمارات، شهدت علاقات أبو ظبي وتل أبيب موجة "تسونامي" من الاستثمار التجاري والاقتصادي. ورغم وجود حالة من التردد قادمة من أبو ظبي، ظلت إسرائيل متفائلة مع أن المعطيات الإحصائية تكشف عن تغير في الميزان التجاري.

وزعم آريئيل كهانا الكاتب في صحيفة "إسرائيل اليوم"، أن "علاقات تل أبيب وأبو ظبي اليوم تبدو مثل زوجين، اكتشفا بعد عامين الفجوة بين الرومانسية والحياة الزوجية". وقال: "صحيح أن الأطراف اليوم راضية جدا عن العلاقة المتبادلة، لكن بعد عامين أصبح الهبوط على الأرض حقيقة معقدة، بعد أن كان الحلم الأولي هو تدفق التعاون في مجالات التكنولوجيا الفائقة، والأمن، والطاقة الخضراء، والإنترنت، والفضاء، ومجموعة كبيرة ومتنوعة أخرى، حيث يحتل الجانبان مكانة رائدة على مستوى العالم".

 

وأضاف: "الإسرائيليين تخيلوا أن استثمارات ستطير من أبو ظبي إلى تل أبيب، مع توقع ظهور ابتكارات تكنولوجية مثيرة في دبي، مع أنه من الناحية العملية هناك تقدم جيد جدا، لكنه أكثر تعقيدا وأبطأ، فالتجارة بينهما تقفز كل شهر، لكن معظم الأموال بنسبة 60٪ تتدفق من تل أبيب إلى هناك أبو ظبي، وليس العكس".وتابع قائلا: "الأرقام جيدة، لكنها بعيدة جدا عن المليارات المتوقعة في إسرائيل في البداية".

وأكد أن "الأرقام تكشف أن مليار دولار فقط تم تمريرها بينهما، والغالبية العظمى منها في تجارة الماس، التي لا يتم إنتاجها، بل تتم معالجتها فقط في إسرائيل".ورغم توقيع اتفاقية التجارة الحرة بينهما قبل بضعة أشهر، لكن نتائجها ما زالت مجهولة، ربما لأن لدى الإمارات بعض القواعد الأساسية لممارسة الأعمال التجارية لا تناسب الإسرائيليين دائما، التي لا تجعلهم أحرارا في التصرف كما يحلو لهم لأنهم ملزمون بالاعتماد على إيجاد شريك إماراتي.

وقال: "صحيح أنه تم تسجيل أكثر من 100 مشروع مشترك بين الإسرائيليين والإماراتيين بالفعل، وهو رقم جيد، لكن من لا يجدون شريكا إماراتيا محليا لا يمكنهم العمل".وأوضح أن الإماراتيين يريدون أن تتمركز الشركات هناك، مشيرا إلى أن تلك الأيام عندما كان عمالقة النفط يرمون الأموال في جميع أنحاء العالم دون تفكير، قد ولت.

ولا يخفي الإسرائيليون استياءهم مما يعتبرونه تراجعا إماراتيا عن الوعود التي انهالت عليهم فور توقيع اتفاقيات التطبيع، بأن الأموال الإماراتية ستغرقهم، لكنهم بعد مرور عامين من التطبيع لم يفتحوا محافظهم بعد أمام الإسرائيليين، إلا بشرط أن يكون هناك ربح واضح، أو تكون الشركة أو المصنع أو الشركة الناشئة ستوجد في مجالهم.

ومن ثم، فمن توقع من الإسرائيليين أن تحلق مئات الملايين من الدراهم فوق مشهد التكنولوجيا الفائقة، عاد بخيبة أمل. وأكثر من ذلك، فإن حجم الأموال التي يستثمر فيها الإسرائيليون لدى الإماراتيين يعتبرونها مبالغ صغيرة، ويصفونها بأنها "جيب فارغ" لأنها لن تجلب لهم أي أرباح، مع ظهور معارضة لافتة من جانب بعض الإمارات للتطبيع مع إسرائيل، تتركز في عجمان والفجيرة ويصعب على الإسرائيليين العمل فيهما، ما يعني أن الحماس الإسرائيلي في بداية توقيع اتفاقيات التطبيع، والتطلع نحو الطائرات المتجهة إلى الإمارات مليئة برجال الأعمال الإسرائيليين، ما زالت خطوة بعيدة المدى، كما يقول أوهاد كوهين رئيس إدارة التجارة الخارجية في وزارة الاقتصاد الإسرائيلية.

وذكر كاتب المقال أن الحكومة الإسرائيلية أوقفت الاستثمارات الكبرى التي بدأها الإماراتيون لأسباب غير معروفة، وهذا ما حدث عندما كانت شركة موانئ دبي العالمية الإماراتية تعتزم الاستحواذ على ميناء حيفا.

 

الباحثان بن شابات ودافيد أهرنسون: " وضمن تقييمهما لاتفاقات التطبيع بعيونهم الإسرائيلية، إنه خلال العامين الماضيين تم فتح ممثليات دبلوماسية إسرائيلية في كل واحدة من الدول التي وقّعت اتفاقيات أبراهام: الإمارات، البحرين، السودان والمغرب. كما تم فتح خطوط جوية مباشرة بين تل أبيب وأبو ظبي، ودبي، والمنامة، والدار البيضاء ومراكش. هذا بالإضافة إلى قيام وزراء ومسؤولين من هذه الدول جميعاً بزيارات متبادلة، وتوقيع اتفاقيات تعاون في عدة مجالات. ويشيران أيضا إلى مبادرة مجموعات من رجال الأعمال إلى دراسة الفرص المتاحة، وتبادل نماذج العمل، وكذلك الأمر بالنسبة إلى هيئات المجتمع المدني، إذ تم رصد عشرات المبادرات. وبرأيهما أدى التعاون التجاري والاتفاقيات الاقتصادية إلى ارتفاع دراماتيكي في أرقام التجارة بين الدول الموقّعة على "اتفاقيات أبراهام"، وبضمنها الاستثمار المباشر بين الدول. ويشيران أيضاً لارتفاع الطلب على تعلّم اللغة العبرية، إذ تسجّل طلاب إماراتيون ومغاربة للتعلّم في إسرائيل، سواء لتلقي دورات أو لتحصيل أكاديمي في مؤسسات التعليم العالي. وفي المقابل، فإن اتفاق الإعفاء من تأشيرة الدخول بين إسرائيل والإمارات، والتأشيرة الإلكترونية للإسرائيليين الراغبين في السفر إلى البحرين والمغرب، جعل سفر الإسرائيليين إلى هذه الدول أسهل بكثير من السفر إلى نيويورك أو واشنطن.

العلاقات الأمنية

هذا إلى جانب العلاقات الأمنية بين إسرائيل ودول "اتفاقيات أبراهام" التي توطدت وتوسّعت، إذ حازت زيارة قائد جيش الاحتلال والتدريبات المشتركة، تغطية واسعة في الإعلام المحلي. ويقولان إن اتفاقيات الشراكة، بقيادة الولايات المتحدة، للدفاع في مواجهة المسيّرات والصواريخ، تبني التفاؤل والأمل الواسع في دول المنطقة القلقة من هذه التهديدات، في الوقت الذي ترفع فيه الصناعات الأمنية الإسرائيلية من وتيرة الإنتاج في إطار هذه الاتفاقيات".

وعن تجاهل أنظمة التطبيع لجرائم الاحتلال، يضيفان: "لقد نجحت "اتفاقيات أبراهام" بتخطّي العقبات السياسية والأمنية التي وضعها الواقع أمامها. إذ التزم زعماء الدول العربية، التي شاركت في "اتفاقيات أبراهام"، بسياسة الاحتواء التي تبنّوها في أعقاب المواجهة في قطاع غزة خلال حملة "حارس الأسوار" في أيار/مايو 2021، كما في الحملة الأخيرة، "مطلع الفجر"، وفي الضفة الغربية، حتى عندما دفعت جهات إسلامية متطرفة الأمور نحو الانفجار بشأن المسجد الأقصى".

هدية السعودية

أمّا إدارة بايدن، برأيهما، فرغم أنها لم تكن الأب البيولوجي لهذه الاتفاقيات، فقد تبنّتها، وإلى حد ما منحت إطاراً وقناة لتقليل الانتقادات الموجهة ضدها بسبب سياساتها تجاه إيران والشرق الأوسط، فقد ساعد الرئيس بايدن في عقد "قمة النقب"، التي اجتمعت للمرة الأولى في مارس/آذار 2022، وشارك فيها عدد من وزراء خارجية دول "اتفاقيات أبراهام"، وكان الهدف أن يكون الاتفاق سنوياً، وهو ما أدى إلى فتح الأجواء السعودية أمام الطيران الإسرائيلي، كهدية وإشارة إلى استمرار الاتجاه الإيجابي. ويعتقدان هما أيضاً أن التغيير في موقف محمد بن سلمان من الإدارة الأميركية، وعودة قطر وتركيا إلى "المعسكر البراغماتي" إلى جانب السعودية والإمارات، والبحرين ومصر، كل هذه التطورات تفتح الباب أمام فرص جديدة في المنطقة.

توصيات إسرائيلية

ويستنتج الباحثان الإسرائيليان أن التقدّم مستمر وسريع، والصورة العامة إيجابية وواعدة، ورغم ذلك فإن التحديات كثيرة، والإمكانات الكامنة في "اتفاقيات أبراهام" واعدة جداً  ومن المجالات المدنية الكثيرة التي يمكن تحقيقها برأيهما: فتح قناة تجارية برية من إسرائيل لدول الخليج: عشرات الرحلات الجوية المباشرة تتم كل يوم، صحيح أنها تساعد تجارياً وتسمح بإرسال الشحنات بين إسرائيل ودول "اتفاقيات أبراهام"، لكن بشكل محدود فالنقل الجوي لا يلائم المنتوجات الكبيرة أو الثقيلة جداً، وتكلفته عالية. كما أن قوانين المقاطعة التي كانت في الماضي ضد إسرائيل في الإمارات والبحرين، منعت إيصال البضائع من خلالها، ولسنوات طويلة كان يتوجب على الدول الأوروبية تصدير الحمولة البرية إلى الخليج عبر تركيا ولبنان أو قناة السويس. أمّا الآن، وبعد إلغاء هذه القوانين في أعقاب "اتفاقيات أبراهام"، فقد فُتح المجال أمام طريق تجاري بري، أسهل وأقل تكلفة، بين إسرائيل والخليج. ومن شأنه أن يدرّ الأرباح لدول المنطقة والدول الأوروبية، التي ستتمكن من خلاله أيضاً من تصدير واستيراد السيارات. كما أن الطلب على النقل البري المرتفع أصلاً اليوم، سيتطلّب توسيع البنى التحتية في المعابر الحدودية كجسر الشيخ حسين/ نهر الأردن. ويدور الحديث حالياً عن خطوة ضرورية لتطوير التجارة بين دول "اتفاقيات أبراهام"، من شأنها أن تساعد الاقتصاد العالمي.

الدفع بمشاريع إقليمية

 ويقول الباحثان أيضاً إن إقامة مشاريع إقليمية بمشاركة مصر وإسرائيل ودول الخليج ستساعد على حل جزء من المشكلات الأساسية في قطاع غزة في مجال البنى التحتية والاقتصاد، من دون زيادة المخاطر الأمنية الموجهة ضد إسرائيل.

الطاقة، الغذاء والمياه: تدفع الحرب في أوكرانيا العالم الغربي، وبالتحديد دول أوروبا، إلى البحث عن مصادر إضافية للطاقة والغذاء والدول الخليجية، وخصوصاً بعد المصالحة بين الولايات المتحدة والسعودية، تستطيع أن تكون جزءاً من حل أزمة النفط، وإسرائيل، من جانبها، يمكن أن تشكّل مصدراً لتصدير الغاز الطبيعي ومن شأن اتفاقيات في مجال التزويد بالغاز ونقله وتوفير حلول لأوروبا في هذه المجالات الحيوية.

أزمة الغذاء: يمكن استغلال الخبرة التي جمعتها إسرائيل في مجال البروتين البديل للحوم، كما يمكن إيجاد بدائل للقمح في دول أفريقيا، ومن بينها السودان، من خلال استغلال المعرفة والتكنولوجيا الإسرائيلية والإماراتية والمغربية.

التدوير وتحلية المياه: تستطيع إسرائيل بصفتها رائدة عالمياً في مجال تكنولوجيا إعادة التدوير وتحلية الماء وتكنولوجيا استخراج الماء من الهواء الرطب، أن تقدم حلولاً عملية وسريعة لأزمة نقص المياه وتحديات إدارة سوق المياه في دول "اتفاقيات أبراهام"، وطبعاً دول أوروبا وأفريقيا.

الصحة والطب الرقمي: أظهر وباء كورونا أهمية تبادل المعلومات والتعاون بين الدول في مبادرات إنقاذ الحياة وأثبتت إسرائيل ذاتها كقوة عظمى في مجال الصحة العامة، كما في التكنولوجيا الطبية. وتدفع تحديات الصحة العامة، وبضمنها الخطر من أوبئة قادمة، والفرص التي أُتيحت في مجال الذكاء الاصطناعي، باتجاه التعاون وتعميق العلاقات على جميع الأصعدة، بين منظومات الصحة الحكومية والمستشفيات والعيادات ومراكز الأبحاث وشركات البيوتكنولوجيا، وهذا من شأنه أن يساعد في مشاريع ومبادرات لإنقاذ الحياة، وتطوير الرفاه الاجتماعي ومنع أزمات دولية في مجال الصحة.

التعليم والثقافة: ورغم إحجام الشعوب العربية عن التطبيع، وربما بسبب ذلك، يقترح الباحثان الإسرائيليان تطوير وتوسيع المبادرات في مجالي التعليم والثقافة بهدف تقوية الاتجاهات الساعية لدعم السلام وإضعاف المواقف والأفكار الإسلامية المتطرّفة. ومن المهم تعليم قيم التسامح، وحرية العبادة، والتعايش في جميع المجالات: الفن، الرياضة، السينما وغيرها. هذه هي قاعدة السلام بين الشعوب، وليس فقط بين الدول والحكومات. الحكومات تتغير، لكن الشعوب تبقى. لذلك، من المهم بناء دعم شعبي للتطبيع مع إسرائيل في كل دولة من الدول المشاركة في "اتفاقيات أبراهام"، وبضمنها مأسسة الشرعية الدينية- الشعبية للعلاقات مع الدولة اليهودية. والدولة التي سيكون من الطبيعي البدء فيها (وللدقة: الاستمرار) هي المغرب، بسبب النهج التقليدي للملك بكل ما يتعلق بالثقافة اليهودية والجالية اليهودية. ومن المهم أن يشعر العرب- المسلمون من دول "الاتفاق" بالترحيب في إسرائيل، ويستمتعون بما يوفره المجتمع المنفتح والعلاقات بين الأديان فيها.

تقوية دائرة السلام وتوسيعها: من المهم دعوة السودان وتشاد (التي غابت عن "اتفاقيات أبراهام" من دون حق)، للقيام بدور في كل ملتقى وورشة عمل في إطار "اتفاقيات أبراهام". ومن المهم أن تستفيد الدولتان من ثمار السلام ومن قراراهما بالتطبيع مع إسرائيل، وإن لم يتم هذا فمن الممكن أن يؤدي إلى أجواء سلبية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى العلاقة مع كوسوفو، وهي دولة أوروبية ذات أغلبية مسلمة، أقامت علاقات رسمية مع إسرائيل وفتحت سفارة في القدس. وبرأيهما يجب القيام بخطوات جدية بهدف تقوية العلاقات، وضمان عدم انسحاب دول من الاتفاقيات، عبر ضمان أن تضمن كل دولة من دول "اتفاقيات أبراهام" الربح والاستفادة من استثمارها، وهو ما سيقوّي الاتفاقيات ويشجّع دولاً أُخرى على الانضمام إلى قطار السلام.

وإذا تتبعنا سلوك الدول التي وقعت اتفاقيات التطبيع، وخصوصاً الإمارات والبحرين، يعطي دلالة واضحة  على أن على أن هناك حالة كبيرة من الرفض الشعبي العربي. وعلامات الفتور والتعثر ومؤشرات الفشل في دول التطبيع أصبحت واضحة. وهناك وبعد عامين من توقيع اتفاقيات التطبيع حالة من الفتور والفشل؟ وباتت المنطقة منقسمة إلى محورين، وتعيش حالة  صراع وانقسام ، بين محور مدعوم من أنظمة اصطفت إلى جانب مشروع "إسرائيل" في المنطقة، ومحاولاتها مستمرة من أجل المُضِيّ قُدُماً في نهج التطبيع ودعم بيئته، وبين محور تَرئِسه إيران ودول محور المقاومة، رافض بشدة لمسار التطبيع.

التطبيع ما زال مرفوضاً على المستوى الشعبي العربي، حتى داخل الدول التي طبّعت مع "إسرائيل". وعلى الرغم من احتفاء أنظمة التطبيع باتفاقياتها، فإن وزارة الشؤون الاستراتيجية في حكومة الاحتلال الإسرائيلي قالت، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إن معظم الخطاب العربي في مواقع التواصل الاجتماعي (90 في المئة) رافض، بشدة، لاتفاقيات التطبيع مع الإمارات والبحرين ودول أخرى. وهذا، في حدّ ذاته، يعكس توجُّهات هذه الشعوب تجاه اتفاقيات التطبيع، أو قبول "إسرائيل" تحت عنوان التعايش في المنطقة.

المشروع الإسرائيلي أصبح ينحسر خلف الجدران، مع غياب واضح لحالة التبجّح الإسرائيلي، إذ لم يعد قادة "إسرائيل" يتحدّثون عن مشروع "إسرائيل" الكبرى كالسابق أمام تصاعد قوة  الوعي العربي ، و- سقوط المعادلات التاريخية العسكرية الإسرائيلية، التي فرضتها "إسرائيل" منذ احتلالها الأرض الفلسطينية. والشواهد التاريخية تقول إن "إسرائيل" ما خاضت حروباً مع دول عربية إلاّ في أرض هذه الدول. مصر نموذجاً. والمتغير الأهم أن المقاومة نجحت في فرض معادلة التوازن الاستراتيجي، ونقل المواجهة الى قلب الكيان الإسرائيلي.

- لم تعد الرواية الإسرائيلية، التي كانت قائمة على المظلومية، مصدَّقة أو وحيدة، أمام حالة المزاحمة التي سجلت نجاحاً في دعم حقوق الشعب الفلسطيني، ورفض كل مشاريع التطبيع مع "إسرائيل".  النتيجة الحتمية أمام الدول العربية التي طبّعت مع "إسرائيل"، والتي ستصل إليها قريباً، أنها خسرت الكثير، وأن أي دولة ستلحق برَكْب التطبيع ستخسر أكثر، في إقدامها على مثل هذه الخطوة، وأن مسار التطبيع، الذي انساقت إليه أنظمة خليجية وعربية، ما هو إلاّ خديعة إسرائيلية كبيرة ستتّضح معالمها في المستقبل القريب، عندما ستجد تلك الدول أن أطماع "إسرائيل" كبيرة جداً، وأن أثمان التطبيع وفاتورته أكبر كثيراً مما كانت ترجوه، وأن "إسرائيل" لا يمكن أن تكون حليفةً أو صديقةً في يوم من الأيام.

وبعد التوصيات التي  خلص اليها الباحثان الإسرائيليان إنه ليس من السهل إقامة السلام، فالتوقيع على الاتفاقيات كان احتفالاً يرفع المعنويات ويملأ الأجواء بالفرح، والتفاؤل لكن كما في الزواج، الاحتفال هو البداية والمهمة الأساسية تبقى في الأيام والسنوات المقبلة فبناء الحياة المشتركة يشترط عدم التعامل معها في إطار المفهوم ضمناً. ويؤكدان أن المطلوب الان هو الاستثمار، والمبادرة، والإبداع والتجدد الدائم لأن كل نجاح يقوي الثقة والتعاون مصحوباً بالإيمان بالطريق الصواب، فالمتعة المشتركة تضيف شعوراً بالطاقة الجديدة للمسار. ويزعمان أنه رغم التقلبات والصراعات السياسية لا تزال "اتفاقيات أبراهام" موضع إجماع وهذا ليس بسبب الفوائد في مجالات الأمن، والاقتصاد والتكنولوجيا فقط، بل أيضاً لأنها تحمل رؤية وتعبر عن الأمل بسلام حقيقي ومستقبل أفضل".

 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت