عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) جلسة نقاش مسودة ورقة بعنوان: (الحوكمة في إدارة ملف الغاز)، بحضور ممثلين عن صندوق الاستثمار، ووزارة الخارجية الفلسطينية، وحركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليها (BDS)، وعدد من مؤسسات المجتمع المدني.
افتتح الجلسة الباحث الرئيسي في ائتلاف أمان، السيد جهاد حرب، والذي أوضح أن هدف الورقة هو تقديم توصيات عملية لصناع القرار من شأنها تحسين إدارة ملف الغاز من خلال تشخيص حوكمته، كونه ملفاً وطنياً بامتياز، كذلك فحص مدى توفر سياسة وطنية معتمدة لإدارته، ومدى وجود حوكمة في إدارة الملف، وصولا إلى عوائد الفائدة العامة باستثمار الغاز باعتباره مورداً طبيعياً.
ضرورة حماية موارد الدولة وإدارتها بالشكل الأمثل
فيما استعرضت الباحثة رزان البرغوثي الورقة، مبتدئة بما يشكله الغاز الطبيعي المكتشف من مورد هام للفلسطينيين، في ظل شح الموارد والثروات الطبيعية في فلسطين، حيث شكل اكتشاف (حقل غاز مارين) أملاً واعداً لتحسين الإيرادات العامة؛ إذ يشـمل الحقل على احتياطـي يقـدر بـ1 تريليـون قـدم مكعـب مـن الغـاز الطبيعـي، أي حوالـي 31 مليـار متـر مكعـب، وقد تـم اكتشـافه فـي عـام 1999 مـن قبـل شـركة بريتيـش غاز (BG) ، ويعتبـر تطويـر "غـزة ماريـن" دعامـة مركزيـة لأمـن الطاقـة فـي فلسـطين، ويسـاهم فـي تحقيـق الاكتفاء الذاتـي فـي توليـد الطاقـة واستخداماتها المختلفة (قطاع الكهرباء القطاع الصناعي، قطاع النقل، وغيره)، وتقليـل الاعتماد علـى مصـادر الطاقـة المسـتوردة، وتقـدر تكاليـف تطويـر "غـزة ماريـن" بحوالـي 1 مليـار دولار، الأمر الذي يستوجب ضرورة حماية مقدرات الدولة ومواردها، وإدارتها واستغلالها بالشكل الأمثل.
التحديات التي تعصف بإدارة ملف الغاز
ما زالت مسألة استغلال وتشغيل واستخراج الغاز معطلة عملياً، حيث تواجه دولة فلسطين عدة إشكاليات وتحديات على عدة أصعدة منها؛ ما زالت تعاني من سياسات الاحتلال المجحفة بحق الشعب الفلسطيني في استغلال موارده وثرواته الطبيعية وتعطيل استخراج الغاز الطبيعي من الحقل في المياه الإقليمية الفلسطينية ووضع اشتراطات تمنع استفادة الفلسطينيين من هذا المورد الهام والحيوي، إضافة إلى عدم وضوح السياسة العامة التي بنيت عليها إدارة الموارد الطبيعية وتحديدًا الغاز منها؛ والقصور القانوني الذي يعتري عملية تنظيم إدارة ملف الغاز بما فيه تنظيم عقود الامتياز التي تمنح للقطاع الخاص، وكذلك ضعف الشفافية المتعلقة ببنود الاتفاقيات والقرارات ذات العلاقة.
ضعف الشفافية يثير تساؤلات مجتمعية حول طبيعة إدارة ملف الغاز
خلصت الورقة إلى أن الجهود التي تم بذلها داخليا في سبيل تحقيق التنمية والارتقاء بحياة الفلسطينيين من خلال الاتفاقيات التي تم توقيعها بشأن الغاز، والانضمام إلى منتدى غاز شرق المتوسط وغيرها من الإجراءات لم تحقق الهدف المرجو في استثمار فلسطيني للغاز الطبيعي المكتشف منذ أكثر من عشرين عاماً. كما أظهرت الورقة ضعف في الشفافية في إدارة ملف الغاز، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات لدى أطراف مجتمعية مختلفة حول طبيعة إدارة هذا الملف في المنظومة الفلسطينية.
الانتخابات مدخل لتعزيز التشاركية وضمان الرقابة البرلمانية على إدارة الموارد الطبيعية
أوصى ائتلاف أمان بضرورة إجراء الانتخابات العامة لإعادة الاعتبار للسلطة التشريعية وتعزيز الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة، بما يتيح المجال لمشاركة واسعة للمواطنين فيها وإشراكهم في اتخاذ القرارات التي تعبر عن سيادة الشعب الفلسطيني على أرضه، وإعادة دراسة الموقف الفلسطيني من الانضمام إلى منتدى غاز شرق المتوسط، إضافة إلى تبني الحكومة لسياسة وطنية وإطار استراتيجي واضح ومحدد ومعلن تقوم عليه إدارة ملف الغاز، وتحديد دور وصلاحيات المؤسسات ذات العلاقة بإدارة موارد الطاقة في فلسطين، بحيث يتم تفعيل مبدأ العمل المؤسساتي التشاركي بين هذه المؤسسات من خلال توضيح وتحديد مهامها وصلاحياتها وآليات التعاون فيما بينها. كذلك إصدار قانون يحدد الإجراءات والمعايير والقواعد التي يتم من خلالها تنظيم إدارة الموارد والمصادر الطبيعية، ومنح عقود الامتياز الخاصة بها.
التشاركية تبدأ بالشفافية ونشر الاتفاقيات لتفعيل الرقابة الشعبية
إن سياسة عدم نشر المعلومات المتعلقة بالاتفاقيات بما فيها الانضمام الى منتدى غاز شرق المتوسط التي تم عقدها ساهم في تغييب الدور المجتمعي والشعبي في الرقابة على أعمال القائمين على إدارة هذا الملف ومساءلتهم. وعليه، أوصت الورقة بإصدار قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، ونشر الاتفاقيات والمذكرات والمواثيق التي تم إبرامها في إدارة ملف الغاز للجمهور الفلسطيني، وإعداد ونشر التقارير الدورية التي تتضمن البيانات المالية والإدارية وأداء الجهات المسؤولة عن إدارة هذا الملف للجمهور للاطلاع عليها؛ بما يضمن تحقيق سبل الرقابة المؤسساتية والشعبية على عملية إدارة هذا الملف وعن أعمال الجهات المسؤولة عنه.
صندوق الاستثمار: الصندوق لم يوقع على أية اتفاقية والحكومة الفلسطينية صاحبة الاختصاص
أوضح السيد عوض دعيبس، مدير الاتصال والعلاقات العامة في صندوق الاستثمار، أن الحكومة الفلسطينية صاحبة الصلاحية في إدارة ملف الغاز سواء في المصادقة على منح الامتياز لتطوير حقل الغاز، أو الانضمام إلى منتدى غاز شرق المتوسط والمصادقة على ميثاقه. في حين أكد دعيبس أن الصندوق لم يوقع أية اتفاقية؛ إنما وقعت الشركة المطورة مذكرة نوايا مع شركة مصرية لفتح نقاش وحوار حول إمكانية دخول شركة مصرية كطرف ثالث، علماً أنَّ الموضوع مشروط بمصادقة مجلس الوزراء، موضحاً أنَّ دور الصندوق يحكمه اتفاقية امتياز، وأن الصندوق ليس طرفاً وحيداً في هذه العلاقة، وإنما هناك لجنة تضم أطرافاً حكومية أخرى على رأسها سلطة الطاقة.
الشعيبي: حالة من الفوضى تكتنف إدارة ملف الغاز
فيما أشار الدكتور عزمي الشعيبي، مستشار مجلس إدارة ائتلاف أمان لشؤون مكافحة الفساد إلى حالة الفوضى التي تكتنف إدارة ملف الغاز، والتي تتيح فرصاً لحدوث تضارب مصالح بين الأطراف التي تدير ملف الغاز والمطورين له. ونوّه الشعيبي بدوره الى أن شركة الغاز التي أصدرت الحكومة قراراً بإنشائها منذ عام لم تنشأ بعد، وهي غير مسجلة في وزارة الاقتصاد، مشيرا في الوقت ذاته أنه لم يصدر حتى اللحظة قانون عام لمنح الامتياز.
الخارجية الفلسطينية: نعمل على ترسيم حدودنا البحرية وفق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار
وأكد السفير عمار حجازي، مساعد وزير الخارجية الفلسطيني للعلاقات متعددة الأطراف أن انضمام فلسطين لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار مهم كونه يمنحنا إمكانية ترسيم حدودنا البحرية وفق مرجعية القانون الدولي لحماية حقوقنا المائية والموارد الطبيعية وفق خرائط بحرية يتم ايداعها في الأمم المتحدة، ما يعطيها صفة قانونية، كون قانون البحار أصبح عرفا بمفهوم القانون الدولي، أي ملزما، حتى ولو لم تكن اسرائيل طرفا في الاتفاقية، خاصة أن اسرائيل تمعن في سرقة ونهب مواردنا الفلسطينية الطبيعية، إضافة إلى عمل وزارة الخارجية على التحذير العلني لكل الشركات الأوروبية التي تتقدم بعطاءات، كونها ترتكب بذلك جريمة بمفهوم القانون الدولي. وأكمل حجازي أنه جاري العمل في الخارجية الفلسطينية على تبويب رقمي للموارد الطبيعية الكترونيا لنتمكن من تحديد حجم النهب الاسرائيلي والسرقة للموارد بالأرقام من أجل استخدامها في المطالبات الفلسطينية مستقبلا.
BDS: يجب تحذير الأوروبيين من مغبة التورط في شراء غاز مسروق من قبل الاحتلال الاسرائيلي
أشار المنسق العام لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوباتBDS، السيد محمود نواجعة إلى أنه بعد فحص اتفاقية "منظمة غاز شرق المتوسط"، التي تشارك فيها دولة فلسطين، تبين خلوّها تماماً من أي ذكر لحقوق الشعب الفلسطيني السيادية في الغاز (والنفط) الخاص به، بالذات حقول الغاز قبالة شواطئ قطاع غزة. وأكد نواجعة أن الاتفاقية تقنية بحتة ولا تتحدث عن الحقوق، متسائلا عن أهمية الانتساب بدون وجود حدود بحرية مرسمة، خاصة وأن "اسرائيل" تفرض خارطة بحرية، مستثنية ثلثي المنطقة البحرية، وموضحا بذلك أن اسرائيل تكسب شرعية وجودها في المنتدى، وأنه يجب العمل المتواصل في حراك دولي، وتحذير الأوروبيين من مغبة التورط في شراء غاز مسروق من قبل الاحتلال الاسرائيلي.
وأصى المشاركون بتشكيل فريق وطني مع الأطراف الشريكة والمؤسسات الوطنية والأهلية والشعبية لحوكمة إدارة الموارد الطبيعية؛ بما فيها الغاز، وقيادة حملة وطنية تستهدف الضغط على الأطراف الحكومية لنشر الوثائق الخاصة بإدارة هذا الملف كميثاق منتدى غاز شرق المتوسط، وتوضيح طبيعة ودور دولة فلسطين فيه، والحقوق الفلسطينية من الغاز المستخرج، ومعرفة طبيعة الشراكات والاتفاقيات مع الأطراف المختلفة بما فيها طبيعة الامتياز والمفاوضات مع الشركات المحلية والأجنبية حول استخراج الغاز وحقوق الملكية لكل منها، ودور صندوق الاستثمار في ذلك. فيما اتفق المشاركون مع اقتراح الدكتور ممدوح العكر لمأسسة اللقاءات حول إدارة ملف الغاز مع كافة الجهات التخصصية التي تديره، وضرورة الحوار المجتمعي مع كافة المكونات لتفعيل الرقابة الشعبية في ظل غياب المجلس التشريعي.