الشعب الفلسطيني حمل فلسطين بأشجارها وجبالها ومدنها وتاريخها وتراثها بقلبه ووجدانه وروحه"، هذا ما قالته د. نجلاء الخضراء في الفعالية التي أقامها البيت الوطني لإحياء التراث الفلسطيني لمواجهة محاولات إسرائيل سرقة التراث الفلسطيني وإلغاء هويته، من خلال ندوة أكدت على التمسّك بالتراث وحق العودة، (سرقة التراث وسبل تعزيز الثقافة التراثية) بمشاركة د. فضيل حلمي عبد الله، ود. نجلاء الخضراء، ومحمد علي فارس، في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة)، إضافة إلى معرض احتفى بالثوب الفلسطيني الشامل الذي يتصدّر العالم، مع فقرات موسيقية غنائية بمشاركة فرقة همسة وطن من السويداء.
عملية التثقيف التراثي
بدأ فضيل حلمي عبد الله حديثه من محاولات إسرائيل سرقة التراث الفلسطيني بكل السبل، ولم ينجح لأن التراث الفلسطيني اتخذ الطابع الوطني من خلال كلمات الأغنيات والكوفية التي تميّز الفدائي داخل القرى والبلدات الفلسطينية. ورأى أنه علينا مواجهة سرقة التراث بأدوات فكرية من خلال عملية التثقيف التراثي وبالوعي الثقافي كون التراث يرتبط بهوية الشعب وثقافته، فشعب بلا تراث لاهوية له، واقتراح تدريس التراث في المناهج التعليمية، لزيادة التوعية والتمسّك بالانتماء والوحدة الوطنية، والتأكيد على حق العودة. كما تطرق إلى العلاقة التواشجية بين فلسطين وسورية التي جعلت من القضية الفلسطينية قضية قومية ومركزية، ويستمر النضال مع سورية ومحور المقاومة لإزالة الكيان الصهيوني من المنطقة العربية.
تجريف المدن
د. نجلاء الخضراء ركزت على حفظ التراث الفلسطيني بالتوثيق كونه أهم بند لتخليد الحضارات وإعطاء المدن مظهرها الحضاري، ولاسيما أنه يربط الشعب بأرضه وبطبيعته وبجغرافيته. ثم انتقلت إلى تعريف التراث الشعبي، وهو كلّ ما يتناقله الأحفاد عن الأجداد من آداب وفنون وممارسات وأطعمة وطقوس تمارس بالمناسبات الاجتماعية، إضافة إلى كلّ ما هو ملموس بالتراث المادي من أوابد وآثار وجوامع وكنائس ومعالم وغيرها. وأشارت إلى محاولة احتلال العدو الصهيوني التاريخ قبل احتلال الأرض، وعمله على سرقة التراث ونسبه إليه، فقام بتجريف المدن الذي أدى لتهديم الكثير من الآثار والمساجد والكنائس، وبنى المستوطنات لإبعاد أبناء الشعب الفلسطيني عن أرضه، ومنع السكان من ترميم منازلهم، وقام بتزييف النقوش، ومن جهة أخرى عمل على سرقة الحكاية واللهجة والمأكولات والورود مثل شقائق النعمان ونسبها له.
لتصل إلى أن التمسّك بالتراث يعطي هوية وميزة للشعب ويستطيع من خلاله التأثير بالشعوب المجاورة، فالذاكرة الشعبية تعدّ سلاحاً في وجه العدو، وتسجيل التطريز الفلسطيني على قائمة اليونسكو يعدّ انتصاراً لفلسطين وقد حدّ من محاولات السرقة.
روح الأجداد
محمد علي فارس مدير البيت الوطني لإحياء التراث الفلسطيني عبّر بدموعه عن الارتباط العميق بين سورية وفلسطين، فبدأ حديثه بأبيات شعر تغنّت بهذه المحبة:
يا شام شوارعك شراييني والمرجة قلبي الذي يحييني
ثم انتقل إلى أهمية التراث بحمل رسالة النضال والمقاومة، فكان مفتاح البيت الفلسطيني موروثاً تتناقله الأجيال للتعبير عن حق العودة إلى فلسطين. وتابع عن مقتنيات البيت الوطني لإحياء التراث الفلسطيني التي تصل إلى قرابة أربعة آلاف قطعة من تراث بلاد الشام سورية وفلسطين، وبأن أغلب هذه المقتنيات موجودة في باب شرقي، إلا أن ما يميّزها في البيت الوطني هو روح الأجداد ورائحة فلسطين والحنين إلى الأرض والبيت، ومن يدخل إليه يشعر بأن دماء الشهداء، ستبقى منارة تضيء طريق النصر والعودة، وستبقى فلسطين جنوب سورية وستبقى مع سورية شعباً واحداً وأرضاً واحدة.
وبعد الندوة شارك الأديب رضوان فلاحة بكلمة تؤكد على تفعيل الإبداع كحالة تطويرية بالتراث، الذي يعدّ أحد أدوات سلاحنا ضد الكيان الصهيوني.
البزق والطبلة
أما اللوحة الفنية الغنائية الموسيقية فمثلت حالة امتداد ووحدة بين سورية وفلسطين بمشاركة فرقة همسة وطن القادمة من السويداء، همسة وسماح الشيباني ومحمود عبد الله بإشراف جاسم عيسى عازف البزق، فقدّمت مقتطفات من أغنيات تراثية، منها "أرضك يا جبل خصبة ووفية، وياظريف الطول ومواويل" بمرافقة البزق والطبلة، وختمت الطفلة بيان بالكلام المحكي "مين فيكم يقدر يداوي جروحي لما انقتل أبوي وأمي".
مصبات القهوة
وعلى وقع الموسيقا والأغنية الفلسطينية عجّ المعرض بالزائرين، فحفل بمجموعة من الحرف اليدوية السورية والفلسطينية، وشغلت الأثواب الفلسطينية المطرزة بخيوط وألوان مختلفة جدران صالة المعارض في المركز، إضافة إلى مشغولات يدوية نقشت عليها رسومات بالتطريز الفلسطيني، وفنّ التدوير.
أما الركن الخاص بالبيت الوطني لإحياء التراث الفلسطيني فلفت انتباه الزائرين إلى موجوداته ومقتنياته التراثية مثل المكواة ومصبات القهوة والحصائر والأدوات النحاسية والحديدية ومستلزمات المطبخ وموقد الكاز وبعض الكتب عن بلدات وقرى فلسطين ومجموعة منوعة لعلم فلسطين.
عيدان الذرة
ومن المشاركات منى أبو الخير التي استعاضت عن قساطل القمح لصعوبة الحصول عليها بعيدان الرافية المستخرجة من عيدان الذرة وصنعت مجموعة من القشيات صغيرة الحجم ومطوّرة، وقدمت سماح حسون مجموعة من الحقائب المطرزة بالقطبة الفلسطينية على قماش الخام، ومن الجولان شاركت هدى بيدون بمجموعة من الدمى المصنوعة من القماش والجزادين المزدانة برسومات التطريز الفلسطيني، وصباح الراعي صنعت حقائب متعدّدة من فنّ التدوير.
وعقبت د. نجلاء الخضراء المشرفة على المعرض" بأن المعرض نتاج مشترك لتراث بلاد الشام، ركز على تطوير التراث بشكل مرن، إذ تمّ استخدام الأفكار ذاتها والخامات ذاتها لكن بشكل مطوّر تتناسب مع مستلزماتنا اليومية، وتابعت عن عرض الثوب الفلسطيني الشامل لخارطة فلسطين.
وخلال الفعالية كرّم البيت الوطني لإحياء التراث الفلسطيني والمشاركون الأستاذة نعيمة سليمان مديرة ثقافة دمشق تقديراً لجهودها المكثفة الثقافية والمجتمعية، كما كرّموا المصور حسن عرسان.