الفلسطينيون أيضا ضحايا النازية

بقلم: علي ابوحبله

علي ابوحبله.webp
  • المحامي علي ابوحبله

ساهمت النازية الألمانية، في دفع هجرة اليهود إلى فلسطين. فقد تناولت اتفاقية "هعفراه" التي أبرمت بين الصهيونية والنازيين عشية صعود هتلر إلى الحكم دعم الهجرة اليهودية إلى فلسطين (رَ: النازية والصهيونية). وتضمنت مقدمة قوانين نورمبرغ العنصرية الصادرة في 15/9/1935 فقرة حول الصهيونية اليهودية وتبريرها النازي جاء فيها: "لو كان لليهود دولة خاصة بهم يقيم فيها غالبية الشعب اليهودي لأمكن اعتبار المسألة اليهودية منتهية اليوم حتى بالنسبة إلى اليهود أنفسهم، فقد كان الصهيونيون أللرين أقل الناس تشدداً في معارضة الأفكار الأساسية لقوانين نورمبغ لأنهم يعلمون أن هذه القوانين هي الحل السليم الوحيد للشعب اليهودي". وكانت المذابح النازية لليهود من العوامل الهامة التي دفعت اليهود للهجرة خارج أوروبا، وبالتالي للاستقرار في فلسطين في بحثهم عن ملجأ.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتوقيع اتفاقية وكالة التعويضات للدول المتحالفة، بدأت الصهيونية، ثم (إسرائيل) بعد قيامها، تطالب ألمانيا بالتعويضات عن ضحايا الحرب من منطلق قومي تعد به نفسها ممثلة للشعب اليهودي كله مسئولة عن اليهود من ضحايا النازية. وفي 10/9/1952 تم توقيع ثلاث اتفاقيات دولية هامة، اثنتان منها في اللكسمبرغ، الأولى بين ألمانيا الاتحادية (وإسرائيل)، والثانية بين ألمانيا الاتحادية ومؤتمر المطالب المادية اليهودية الذي كان يمثل ثلاثاً وعشرين منظمة يهودية خارج (إسرائيل)، وتدفع جمهورية ألمانيا الاتحادية بموجبها 450 مليون مارك ألماني (لإسرائيل) لصالح المؤتمر المذكور. أما الاتفاقية الثالثة فكانت بين مؤتمر المطالب المادية اليهودية(إسرائيل)، ووقعت في نيويورك وأصبح المؤتمر بموجبها خاضعاً (لإسرائيل )

وقد بلغت قيمة التعويضات بموجب الاتفاقية الأولى 820 مليون دولار. وأسهمت اتفاقية التعويضات – بمختلف جوانبها – وقد قدمت نقداً أو سلفاً أو على شكل مشاريع في تطوير (دولة إسرائيل). فقد وسع الألمان بهذه المساعدات مرفأ حيفا، ومدوا خط السكة الحديدية إلى بئر السبع، وشيدوا خمس محطات لتوليد الطاقة وغير ذلك. وفي الوقت الذي قدمت فيه المساعدات على مدى 12 عاماً للاجئين اليهود أعلن أديناور – مستشار ألمانيا آنذاك – "أنه ليس للجمهورية الاتحادية الحق ولا المسؤولية لاتخاذ موقف حول مسألة اللاجئين الفلسطينيين".

وفي عام 1964، ويضغط من الولايات المتحدة الأمريكية، قدمت ألمانيا (لإسرائيل) صفقة دبابات بقيمة 250 مليون مارك ألماني. وقد توقف 30% من الصفقة حين اكتشف أمرها وثارت حولها ضجة عربية. وفي 7/3/1965 أعلنت ألمانيا رسمياً إقامة علاقات دبلوماسية مع (إسرائيل) رداً على زيارة أولبرخت -زعيم ألمانيا الشرقية – للقاهرة في أوائل عام 1965. وفي 12/5/1965 أعلن عن إنشاء علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين إثر تبادل كتابين بين ايرهارد المستشار الألماني وأشكول رئيس الوزراء الإسرائيلي نشرت نصوصها في كل من بون والقدس المحتلة، وقد ترتب على ذلك أن قطعت الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع ألمانيا الغربية، باستثناء ليبيا وتونس والمغرب.

قبيل حرب حزيران 1967 أخذت ألمانيا الاتحادية موقفاً منحازاً (لإسرائيل) حين قال المستشار فيللي براندت في 31/5/1967: "لسنا مع الحلول من جانب واحد بل مع الحلول التعاقدية، ولسنا مع استخدام القوة بل مع نبذ القوة، لهذا السبب تتخذ الجمهورية الاتحادية الموقف بوجوب صيانة مبدأ حرية البحار. وإن مصالح أسرة الأمم تنتهك عندما تقاطع أو تدمر الإنجازات السلمية في بناء الدولة" وترتب على ذلك أن أغلقت مصر (الجمهورية العربية المتحدة) قنصليتها في فرانكفورت في اليوم نفسه.

وفي 3/6/1967 تم تسليم الإسرائيليين صفقة أقنعة غاز ألمانية واستمرت ألمانيا الاتحادية تقدم مساعدة اقتصادية (لإسرائيل) في السنوات التالية تراوح بين 35 و40 مليون دولار سنوياً

وكان أول تغير في المواقف الألمانية اشتراكها في التوقيع على وثيقة دول السوق الست التي عرفت بوثيقة شومان، وذلك في 12/5/1971. وقد تحدثت الوثيقة عن انسحاب كامل من الأراضي المحتلة مع تعديلات طفيفة في الحدود وإنهاء حالة الحرب، وتكوين مناطق منزوعة السلاح، وتدويل القدس، وحل قضية اللاجئين حسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 (رَ: العودة، حق)، لكن ألمانيا أخذت تتهرب من الاعتراف بالوثيقة فأعلن وزير خارجيتها أن بون تعتبر قرار مجلس الأمن 242* في نصه الإنكليزي أساساً للمفاوضات، وأن ألمانيا الاتحادية تعتبر تفسير واشنطن ولندن لنص هذا القرار تفسيراً صحيحاً ولا ضرورة للتعهد بانسحاب سابق، وأن ما يسمى بوثيقة الدول الست مجرد وثيقة عمل اسم يوافق عليها كاملة بعد (رَ: الجماعة الاقتصادية الأوروبية )

وفيما بين حربي حزيران 1967* وتشرين الأول 1973* اتسع نطاق تأييد حقوق الشعب الفلسطيني في الأوساط الطلابية والأوساط اليسارية الألمانية.

وفي عام 1972، وبعد عملية ميونيخ* في القرية الأولمبية صيف 1972، اتخذت ألمانيا الاتحادية موقفاً معادياً للفلسطينيين حين أعلنت حل فرعي اتحادي الطلبة والعمال الفلسطينيين، وأبعدت نحو 200 فلسطيني مدعية الاشتباه في أن سلوكهم السياسي خطر على أمن ألمانيا الاتحادية.

في الموقف من حرب تشرين الأول 1973 صرح وزير الخارجية والتر شيل بقوله: "نحن نسير وراء سياسة التوازن في علاقاتنا تجاه بلدان الشرق الأوسط، وهي لا تقبل التحيز لأي طرف في النزاع بالشرق الأوسط، فعلى أساس سياسة عدم الانحياز التي نسير عليها حيال الشرق الأوسط، ونظراً لعودة علاقاتنا الدبلوماسية فإننا نستطيع أن نراعي في المستقبل اتصالات ودية مع جميع بلدان هذه المنطقة". وأطلق المستشار براندت في العاشر من تشرين الأول نداء لوقف القتال أتبعه بالقول: "غن حياة الباقين على قيد الحياة في إسرائيل مهددة بالخطر". وأعلنت حكومة ألمانيا الاتحادية احتجاجها على خرق الولايات المتحدة للمعاهدة الألمانية – الأميركية المعدلة في 23/10/1954 التي لا تعطي الولايات المتحدة حق استخدام الأراضي الألمانية لتزويد مناطق الصدامات المسلحة بالأسلحة، وذلك بعد انكشاف أمر تزويد أمريكا (إسرائيل) بالسلاح انطلاقاً من المطارات والمرافئ الألمانية.

وفي الوقت نفسه استمرت سياسة "الحياد والحذر"، قياساً على السابق، تطبع سياسة التحالف الحاكم الجديد بين الحزب الديمقراطي الاشتراكي والحزب الليبرالي الديمقراطي، إذ اشتركت ألمانيا في إصدار وثيقة 6/11/ 1973 لدول السوق الأوروبية الوثيقة التي تحدثت لأول مرة عن أن السلام في المنطقة مرهون بتلبية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وامتنعت عن التصويت على القرار 3210 في الدورة التاسعة والعشرين للجمعية العامة عام 1974 بدعوة منظمة التحرير الفلسطينية للاشتراك في المداولات (رَ: منظمة التحرير الفلسطينية في الأمم المتحدة)، وامتنعت عن التصويت على القرار 3236 (1974) حول الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني*، لكنها صوتت ضد القرار 3237 الذي يمنح المنظمة مركز مراقب، وضد قرار تشكيل لجنة الأمم المتحدة المعينة بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه الثابتة*، وضد قرار إدانة الصهيونية وقرتها بالعنصرية (رَ: العنصرية والصهيونية)، ونعت المتدرب الألماني هذا القرار بأنه إهانة للإنسانية.

ظلت ألمانيا تؤكد في بياناتها الرسمية الفردية وبياناتها الثنائية مع عدد من الدول الفقرة الخاصة بالشعب الفلسطيني التي جاءت في وثيقة 6/11/1973 لدول السوق، ثم تطور موقف دول السوق في بيان وزراء خارجية الدول التسع في روما 30/10/1975 الذي أعلن أنه "لا بد من الاعتراف الدائم بحق الشعب الفلسطيني في التعبير عن شخصيته الوطنية". وفي خطاب وزير الخارجية غينشر في الدورة 31 للأمم المتحدة في 28/9/1976 قال: "لقد عبرت ألمانيا الاتحادية عن رأيها في ذلك من فوق هذا المنبر في عام 1974، وأكدت أنه لا بد من الأخذ بالاعتبار، خلال التسوية السلمية، وعند انتهاء احتلال الأراضي، حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير الذي يتضمن في النهاية حقه في إقامة سلطته القومية، وكذلك حق إسرائيل في العيش ضمن حدود آمنة ومعترف بها".

وفي 29/6/1977 أصدرت دول السوق التسع وثيقة جديدة طورت فيها مواقفها السابقة، وتحدثت عن أن السلام ليس ممكنا إلا إذا ترجم الحق المشروع للشعب الفلسطيني في إعطاء تعبير فعال لهويته الوطنية إلى واقع يأخذ في الاعتبار الحاجة إلى إقامة وطن قومي للشعب الفلسطيني، وأن من الضروري اشتراك ممثلي الشعب الفلسطيني في أية مفاوضات. وقد أكد ممثل ألمانيا الاتحادية في الجمعية العامة في الدورة 32 (1977) أن موقف بلاده معبر عنه في وثيقة حزيران.

وفي 21/6/1978 ألقى المستشار هيلموت شميدت خطاباً بمناسبة استقباله ولي العهد السعودي قال فيه: "إن حق تقرير المصير الذي طالبنا به للشعب الألماني يجب ألا تحرم الشعوب الأخرى منه. لذلك، وبناء عليه، فقد طالبت حكومة ألمانيا الاتحادية دائماً وعلناً بوجوب تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ويبدو لي ضرورة تركيز المناقشات الدولية حول إمكانية الأخذ بعين الاعتبار قضية التوقعات الإقليمية للعرب المشتركين في الأزمة، وحق تشكيل دولة للفلسطينيين، وذلك بنفس مقدار مناقشة المصالح الأمية لدولة إسرائيل".

وفي حزيران من عام 1980 صدر بيان البندقية لدول السوق الأوروبية الذي سجل أن اتفاقات كامب ديفيد* زادت التوتر في المنطقة، لكنه – أي البيان – تجاهل حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وتجاهل الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وأكد تمسك المجموعة الأوروبية بالقرار 242 وتبني اتفاقيتي كامب ديفيد نهجاً ومضموناً، خصوصاً ما يتعلق بتطبيع العلاقات.

وفي 24/11/1980 ألقى شميدت البيان الوزاري للحكومة الائتلافية الجديدة من الحزبين الاشتراكي الديمقراطي والديمقراطي الحر أمام البرلمان وجاء فيه:

"إننا نريد في الشرق الأوسط، بالاشتراك مع شركائنا في المجموعة الأوروبية وبالاعتماد على بيان البندقية، المساعدة في تحقيق حل سلمي شامل وعادل ودائم".

وبعد زيارة شميدت للسعودية في نيسان 1981 قال في مقابلة تلفزيونية عند عودته إلى بلاده: "إن المرء لا يستطيع في الأزمة الفلسطينية إعطاء جانب واحد كل الحق وإدارة ظهره للجانب الأخر. إنني أتمنى لليهود من صميم قلبي أن يبقى كيان دولتهم هذا وألا يتعرض للخطر نتيجة لسياسة لا تنظر بعيداً بما فيه الكفاية".وقد أثارت تصريحات شميدت هذه ردة فعل عنيفة لدى أوساط الحكم الإسرائيلي، خاصة لدى رئيس الوزراء مناحيم بيغن.

لقد ارتكب المستشار الألماني اولاف شولتز خطيئة كبرى في تماهيه مع المواقف الداعمة للكيان الإسرائيلي  ، عندما قام بشكل غير لائق وأبعد ما يكون عن الديبلوماسيه، وأقرب  للاستفزاز بالرد على ما أشار له الرئيس محمود عباس، حول سياسية دولة الكيان الصهيوني  وممارستها سياسة  التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني  ، رد شولتز  منكرا الحقائق وداعم لمواقف إسرائيل

سلوك المستشار الألماني خلال المؤتمر الصحفي، شجع بعض الصحافيين الذهاب الى محاولة استفزاز الرئيس عباس بالطلب منه ادانة عملية ميونيخ سبتمبر 1972، بشكل غير لائق ووقح، ما أدى الى ذهاب الرئيس عباس بكسر كل "بروتوكوله الخاص"، والحديث بحدة وغضب عما ارتكب من مجازر وجرائم حرب نفذتها عصابات صهيونية ثم دولة الكيان بحق الشعب الفلسطيني ...وكان رد لم يتوقعه  المستشار الألماني والحضور ، ومضمون تصريحات الرئيس محمود عباس  لم يكن الفلسطينيون ضحايا بصورة مباشرة في معسكرات إبادة، ولكنهم تحوّلوا إلى ضحايا للضحايا، فشُردوا عن وطنهم، وقتل منهم عشرات الآلاف، وهدمت قراهم، بينما حظي الصهاينة وغير الصهاينة من اليهود بتعاطف دولي هائل كونهم ضحايا الإبادة، هذا التعاطف تُرجم إلى حماس دولي لإقامة كيان مستقل لليهود في فلسطين، دون اهتمام لمصير الشعب العربي الفلسطيني، سوى ببعض الكلمات الإنشائية، وما زال الشعب الفلسطيني يعاني حتى يومنا هذا، دون أن يجد إجابة على نكبته المستمرة.

بعد المحرقة فتحت أبواب الهجرة إلى فلسطين على مصراعيها، فمن نظر من خارج منطقة الشرق الأوسط، رأى منطقة عربية مساحتها حوالي 14 مليون كيلو متر مربع، بينما يطمح الشعب اليهودي المطارد لإقامة ملجأ له هربا من الموت على مساحة بضعة آلاف من الكيلومترات، وذلك دون الأخذ بعين الاعتبار أن على هذه المساحة يعيش شعب في وطنه جيلا بعد جيل منذ عشرات القرون، فهدمت القوات الصهيونية قراه وشردت حوالي 900 ألف منه، ولاحقتهم بعد تشردهم بالمجازر، وقتلت كل من حاول العودة، ثم احتلت ما تبقى من وطنهم حتى يومنا هذا، والآن يطالبون بيهودية الدولة وضم ما تبقى إلى دولتهم، في تنكر تام لأبناء الوطن الأصليين.

لاحق الألمان شعور بالذنب فدفعوا التعويضات لإسرائيل بالمال والمصانع والسلاح وحتى الغواصات القادرة على حمل الرؤوس النووية والتعاون المخابراتي والدعم الدائم في المحافل الدولية، حتى يومنا.

في المحصلة فإن الفلسطينيين ضحايا للنازية، وضحايا دول أخرى تعاطفت مع الصهاينة على حساب العرب، وما زال الفلسطينيون يدفعون ثمن جرائم ارتكبها غيرهم بحق اليهود، ومن حقهم أن يطلبوا تعويضات من ألمانيا أولا مثلما حصل اليهود على تعويضات، وكذلك على تعويضات من كل الدول الداعمة لإسرائيل العدوانية على حساب وجودهم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت