- د. أسامه الفرا
جاء إنتخاب الدكتور أحمد الريسوني رئيساً للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين خلفاً للشيخ يوسف القرضاوي على هامش المؤتمر السنوي للاتحاد في اسطنبول عام ١٩١٨ والذي التئم تحت عنوان "الإصلاح والمصالحة"، وهدف المؤتمر حينها إلى مناقشة السبل لإصلاح حال الأمة، من وجهة نظر الاخوان ومن لف لفيفهم، المتعلقة بالجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، فيما الشق الآخر المتعلق بالمصالحة تناول ضرورة العمل على تحقيق المصالحة بين الأنظمة العربية وشعوبها وبين الأنظمة العربية المتخاصمة وبين الأنظمة العربية والقيادات الفكرية والثقافية والمجتمعية، أي أن المجتمعين وضعوا الأنظمة العربية في خصومة مع محيطها الرسمي والشعبي وأبقوا الحديث في قالبه العام، ولا يختلف إثنان حول ضرورة اجراء مصالحات جادة وحقيقية داخل الأمة العربية تنهي حالة التشرذم والضعف التي تعاني منها كي تستعيد قوتها وعافيتها سيما في وضع عالمي لا يحترم الضعيف.
يبدو أن الدكتور الريسوني فهم مقاصد مؤتمر إسطنبول حول المصالحات بطريقته الخاصة سيما وأنه الضليع بمقاصد الشريعة أو لربما أنسته السياسة ذلك، حيث أدلى بتصريح تم بثه على منصة "يوتيوب" قال فيه " ان وجود موريتانيا غلط من الأساس وأن المغرب ينبغي أن يعود إلى ما كان عليه قبل الغزو الأوروبي لما كانت موريتانيا جزءاً منه، ثم تحدث عن ما سماه الزحف نحو تندوف "الولاية الجزائرية" لاسترجاع الأراضي المغربية"، فجر حديث الريسوني موجة عارمة من الانتقادات لم تقتصر على الأحزاب والتيارات المدنية بل اضطرت الحركات الإسلامية أن تشاركهم الرأي تحت ضغط الرأي الشعبي الذي إعتبر تصريحاته تلك بمثابة سكب البنزين على النار في المغرب العربي، ولم تتوقف ردود الأفعال وبخاصة في الجزائر وموريتانيا عند حدود الإدانة والاستنكار بل وصفها البعض بالمشينة التي من شأنها أن تشعل بذور الفتنة قي المنطقة، خاصة وأنها تأتي في الوقت الذي تشهد العلاقات المغربية الجزائرية توتراً بجانب الأزمة المتعلقة بالصحراء الغربية وتداعيتها على الدول المحيطة بها.
لا يمكن فهم تصريح الريسوني في إطار الرأي الشخصي حتى وإن صدر عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ما يفيد بذلك، فمن الواضح أن الاتحاد إضطر أن يفعل ذلك تحت ضغط ردود الفعل الغاضبة عما قاله، سيما وأنها حركت النوازع الوطنية حتى لدى الحركات الإسلامية المشاركة في الاتحاد كما فعلت جمعية "علماء المسلمين الجزائريين" بتجميد عضويتها في الاتحاد لحين إعتذار الريسوني أو إقالته، المهم أن الريسوني إضطر الى تقديم استقالته من رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والأهم أنه برر إستقالته بأنها تأتي في إطار تمسكه بمواقفه وآرائه الثابتة الراسخة التي لا تقبل المساومة وحرصاً منه على ممارسة حريته في التعبير دون شروط أو ضغوط، وما يستشف من ذلك تعرضه لضغوط من جهة نافذة خيرته بين الإعتذار أو الإستقالة فإختار الثانية، ويبقى السؤال من هي الجهة النافذة على الإتحاد التي تضبط له مواقفه وتحدد له قوالب فتاويه؟.
الدكتور الريسوني المتبحر في مقاصد الشريعة والذي يوصف بأنه من قادة التنوير غابت عنه السياسة أو أنه يجهل أدبياتها فدخل من نافذتها ليعلق في شباكها، فهو يريد أن تعود موريتانيا إلى المغرب وقد يبادره البعض بالقول لماذا لا تعود المغرب إلى موريتانيا كما كان عليه الحال زمن دولة المرابطين التي نشأت في موريتانيا وخضعت لها بعض دول الجوار بما فيها المغرب ودانت لها الأندلس؟، وفيما يتعلق ببيعة الريسوني للملك والتي قال أن صلاحيتها تمتد ليوم القيامة وهذا شأنه وهي حريته الشخصية التي لا يمكن لأحد أن يحجرها عليه، لكن يبقي السؤال ألا يلحق بهذه البيعة الكثير من العوار في ظل تطبيع المغرب مع دولة الاحتلال؟، وإن كان من حقه أن يبايع الملك بيعة أبدية فلماذا ينكر الاتحاد على المواطنين في دول أخرى بيعتهم لرئيسهم أو زعيمهم، وكيف يمكن لنا أن نفهم فتوى الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين على لسان رئيسه السابق الشيخ يوسف قرضاوي الذي أباح فيها دم القذافي وأفتى بقتله؟.
الإنحراف بالفتوى الدينية خلف الموقف السياسي أعطت القائد شيئاً من القدسية التي لا يجوز معها مساءلته أو محاسبته، وهي بذلك وفرت له البيئة الحاضنة للفساد والتفرد فأفسدت معها السياسة، وألحقت في الوقت ذاته بالغ الضرر بالدين وشككت في نزاهة ومصداقية علماء الأمة، وما تنادي به الأحزاب المدنية من فصل الدين عن السياسة لا يختلف عما تنادي به قيادات وازنة داخل الحركات الإسلامية ذاتها من فصل العمل الدعوي لها عن العمل السياسي، فليس ثمة ضرر يلحق بالدين أكثر مما تفعله الفتاوي المسيسة البعيدة عن الشريعة ومقاصدها القريبة من السياسة ومتطلباتها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت