- م. ضياء حامد الجدع القواسمي
ملحمة الاستنزاف الكبرى التي يراها العام ويشهدها في هذه الآونة، هذا الاستنزاف الذي تجاوز الحدود الجغرافية وبات يهدد خريطة العالم جغرافيا وسياسيا، وهذه الجهود التي يتم بذلها على مستويات عالمية هدفها الوحيد هو "إبقاء الحضور الفعلي لهذه الدولة أو تلك على مسرح الدول الباقية في مسرح الأحداث الدولية، وهذا قد أفرز أمامنا نمطاً جديداً من القيادة السياسية وإدارة الأزمات الدولية تلجأ لها كل الدول الحية على مستوى العالم، وهذا الأمر ليس له إلا تفسير واحد ويتيم ، وهو أن العالم اليوم أمام مرحلة التغيير الشامل القادمة.
وبالحديث عن التغيير، علينا أن ندرك جيداً أن الظروف الجيوسياسية والظروف الاقتصادية وطبيعة الحروب المباشرة وغير المباشرة التي تدور في مساحات العالم تدعونا للتفكير بجدية في مستقبلنا القريب، وقدرتنا على تجاوز المرحلة بأقل الخسائر الممكنة فنحن في هذه الظروف الراهنة نعيش التحدي بكل عنفوانه، التحدي الذي يتصل بقدرتنا على التأقلم مع الواقع والتأقلم الإجباري مع متغيرات الظروف الدولية الاقتصادية والمعرفية وظروف التغيير المستقبلي.
القراءات السياسية المتغيرة والمتقلّبة تغطي مساحات التفكير الاقتصادي بطبيعة الحال، فلا يمكن الفصل بين هذه وتلك، ومن الجهل والسذاجة أن يتم التلاعب اللفظي بحجم وشكل الكارثة التي يعيشها المجتمع العربي اليوم متأثراً بالواقع العالمي، وهذا في وقت لا نجد فيه قراءات اقتصادية عميقة وواقعية يمكن لها أن تشكل مخرجاً للفرد والمؤسسة والمجتمع بشكل عام في صناعة النجاح بالحياة والتأقلم والتغيير المطلوب للنجاح في قادم الأيام.
وحتى نمتلك القدرة على الحياة في قابل الأيام، فنحن بحاجة إلى ثورة صناعية وزراعية شاملة تعفينا من أزمة الوقود والطاقة والأزمات الزراعية التي تطل برأسها، ناهيك عن الطاقة المتجددة، التي هي الملاذ الآمن من الأزمات الخانقة في الطاقة الحالية، فطالما تجاهلنا ملفات الطاقة البديلة، وملف الثورة الزراعية فنحن نلقي بأنفسنا في محرقة الضياع الشامل، حيث ستكون دول بأكملها تحت طائل التفكك وحالة الضياع الفعلي، فكل دولة لا يمكنها التحدي بتحديث واقعها والالتفات للقضايا المركزية كالتكنولوجيا العصرية وتوطين الصناعات الأساسية واستجلاب المشروعات الإنتاجية التي تحد من أزمات الواقع.
إن تحصين المجتمع في قادم الأيام يتطلب وعياً حقيقياً لا نظرياً، فأوروبا اليوم ليست مستقرة في سياساتها الاقتصادية، وعلاقات العالم ببعضه قد اختلفت، والتحالفات قد أثرت على الاقتصاد العالمي، وهذا معناه التغيير في كل شيء، فهل من المنطق أن نبقى على طريقة تفكيرنا السابقة؟
وهل من المنطق أن نتعامل مع واقع اليوم كما تعودنا أن نتعامل معه بالأمس؟
التغيير الحاصل في العالم اليوم شامل ويصيب كل مناحي الحياة الفردية والحكومية على حد سواء، وهذا معناه أن النخب الاقتصادية مسؤولة عن صناعة توجهات اقتصادية متعددة ومنتجة، وأن تتوجه نحو توطين الصناعات الأساسية، وتنويع مصادر الموارد الخام، وتعزيز الطبقة المتوسطة في المجتمع لكونها صمام الأمان في الأزمات، وهذا يتطلب التكامل بين القطاعات الأكاديمية والحكومية والقطاع الخاص ورجال الأعمال، ليتحقق التغيير النوعي الذي يحصّن المجتمع من الأزمات ولو بالحد الأدنى، حتى لا نجد أنفسنا فريسة لعواصف التغيير القادمة لاجتثاث كل ما هو تقليدي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت