أصدرت جمعية "جيشا-مسلك" الحقوقية الإسرائيلية ورقة موقف جديدة بخصوص السياسة الإسرائيلية المتعلقة بتشغيل فلسطينيين من قطاع غزة في إسرائيل.
وتوضّح ورقة الموقف الجديدة لـ"جيشا-مسلك" بعنوان "بكل ثمن"، السياسة الإسرائيلية المتعلقة بمغادرة عمال قطاع غزة لكسب الرزق في إسرائيل، في الماضي واليوم. وهي تشدّد على المسائل الناجمة عن هذه السياسة والتي تتطلب تعاطيًا فوريًا من قبل الدولة. في حين يتباهى مسؤولون إسرائيليون كبار بتوسيع حجم التصاريح المخصصة لسكان غزة ويعلنون على نحو مستمر عن مساهمة إسرائيل في تحسين الوضع الاقتصادي في القطاع، فإن نظام التصاريح المعقد الذي تديره، والإغلاق الذي تفرضه على القطاع منذ ما يزيد عن 15 عامًا، يستمران في تدهور ظروف الحياة هناك ومنع الأداء السليم للاقتصاد فيه. تستند الوثيقة، أيضًا، على سلسلة من المقابلات المعمقة مع سكان من غزة يعملون لكسب رزقهم في إسرائيل.
في أواخر 2021، بالتزامن مع الإلغاء التدريجي لـ "إغلاق الكورونا" الذي فرضته إسرائيل على معبر إيرز ابتداء من آذار 2020، (ومنعت في أثنائه بتاتًا مغادرة غزة للعمل وكسب الرزق) أضافت السلطات معيار مغادرة غزة "لأغراض اقتصادية"، وبدأت بالتعامل على نحو علني مع حقيقة أن معظم حائزي هذا النوع من التصاريح يعملون في أعمال يدوية. في آذار 2022 اتُّخذ قرار الحكومة الذي ينص على أن العدد المخصص لهذه التصاريح سوف يرتفع تدريجيًا إلى 20,050 تصريحًا. إصدار هذا العدد من التصاريح لم يطبق حتى اليوم بشكل كامل: فعدد التصاريح سارية المفعول حتى مطلع أيلول هو 12,464تصريحًا.
أعلن منسق نشاطات الحكومة في المناطق في 15 تموز 2022 أنه ابتداء من 1 آب سيتم إصدار تصاريح عمل وان حامليها سيتلقون قسيمة راتب. وفقًا لإعلانه، من أجل مواصلة العمل في إسرائيل يجب على العامل العثور على مشغّل يقدّم باسمه طلبًا لتصريح عمل إلى سلطة السكان والهجرة. هذا تغيير جديّ في شروط تشغيل عمال من قطاع غزة، لم تكن شؤونهم منظمة حتى الآن. إن تطبيق السياسة الجديدة ومنظومة تلقي التصاريح مثلما هي عليه اليوم، تلزم إسرائيل بالتوقف عند المسائل التي تؤثر مباشرة على ظروف تشغيل فلسطينيين من غزة، ومنها:
- إنفاذ قوانين العمل: في غياب إنفاذ متواصل للقانون ضد الانتهاكات من قبل مشغّلين في إسرائيل، فإن الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية الذين يكسبون رزقهم في نطاقها معرضون للاستغلال.
- سمسرة ومقاولة فرعية: ليست هناك منظومة تتيح لسكان غزة البحث عن مشغّلين في إسرائيل. أصحاب المصالح الغريبة يستغلون هذا كي يجبوا من عمال فلسطينيين "رسوم سمسرة" مقابل العثور على مشغّلين لهم.
- تبعيّة للمشغّل: تحت طائلة السياسة الجديدة التي تطبقها إسرائيل، فإن تلقي تصريح عمل متعلق بالاتصال مع مشغّل مسجّل، مما يمس بإمكانية تغيير العامل لمكان عمله خشية من فقدان تصريحه.
- مدفوعات: لا تسمح البنوك في إسرائيل اليوم بإجراء تحويلات بنكية إلى غزة، ويدفع المشغلون الإسرائيليون للعمال من غزة أجرهم نقدًا، مما يزيد خطر التأخير في دفع أجورهم.
- فروع التشغيل: يخصص قرار الحكومة للعمال من غزة حصصًا محددة لقطاعي البناء والزراعة فقط. إن لم يتم تخصيص حصص لقطاعات أخرى، فنحو ربع سكان غزة الذين يتم تشغيلهم اليوم في اسرائيل في قطاعات الصناعة، التجارة والخدمات سيضطرون للعثور على مكان عمل إما في قطاع البناء أو الزراعة أو العثور على مشغّل وهمي (مع دفع "رسوم سمسرة").
في تموز 2022 سُجّلت في معبر إيرز 35,319 مغادرة من غزة لأغراض كسب الرزق، صحيح أن هذا هو عدد المغادرات الأعلى الذي سُجّل منذ فرض الإغلاق، لكنه يشكل حوالي 7% فقط من 500,000 مغادرة مسجلة شهريًا لعمال تم تسجيلهم في معبر إيرز عام 2000، قبل الانتفاضة الثانية. صحيح أن توسيع عدد التصاريح المخصص لسكان غزة منذ أواخر 2021 يتيح أكثر من السابق التوجه لكسب الرزق خارج غزة، لكنه بعيد عن تلبية احتياجات السكان في القطاع، حيث يصل معدل البطالة إلى نحو 44% والأجر المتوسط 710 شواقل. حتى أواخر تموز الماضي، سُجل في وزارة العمل الفلسطينية في غزة ما يفوق 100,000 من السكان المتعطشين لتلقي تصاريح "لأغراض اقتصادية".
بعد عقود من القمع الاقتصادي والإضرار المتعمد بالاقتصاد الفلسطيني من قبل إسرائيل وإخضاعه لمصالح إسرائيلية، ليس بمقدور سوق العمل في قطاع غزة توفير أماكن عمل لكل من يبحث عنها. إسرائيل تواصل حتى الآن تقييد حركة وتنقل الناس والبضائع إلى غزة ومنها، وتتسبب بخسائر عميقة لاقتصاد القطاع، فيما يتناقض مع التزاماتها كقوة محتلة، ومن خلال المساس القاسي بحقوق الفلسطينيين في القطاع وبظروف حياتهم الأساسية. إن التصاريح التي تسمح بالتوجه لكسب الرزق في إسرائيل لا يمكنها التعويض عن أضرار الاحتلال الإسرائيلي، ولن تكفي طالما أنه يتواصل.
لقراءة ورقة المعلومات "بكل ثمن" الرجاء الضغط هنا