- بقلم الكاتب والمحلل السياسي عماد عمر
المتابع للشأن الفلسطيني وسيرورة الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل يُلاحظ أن الصراع مر بمراحل عدة وصولًا لتوقيع اتفاق السلام الذي عُرف باتفاق "أوسلو" والذي نص حينها على إقامة حكم ذاتي للفلسطينيين على غزة وأريحا وانشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، وخلال الخمس سنوات التالية يتم التوافق على قضايا الحل النهائي وصولا لإعلان الدولة الفلسطينية في العام 1999، ولكن المتغيرات التي جاءت خلال تلك الفترة من اغتيال لرئيس الوزراء الإسرائيلي حينها "إسحاق رابين" الذي رأى فيه الفلسطينيون شخصية سلام ووصول حزب الليكود للسلطة في إسرائيل أدى إلى عرقلة مراحل الاتفاق الذي وصل الحال بالطرفين إلى طريق مسدود والعودة إلى الانتفاضة في العام 2000 والتي اختلفت عن سابقتها حيث عُرفت بانتفاضة الحجارة وكان عنوان هذه انتفاضة السلاح الذي بوجهة نظري غيّر مسار الصراع بين الجانبين.
ومع دخول الانتفاضة سنواتها الأولى وعودة التيارات الإسلامية من جديد للعمل على الساحة الفلسطينية غير في شكل وجوهر الصراع الذي أدى إلى تراجع دور الحركات الوطنية التابعة لمنظمة التحرير امام التيارات الإسلامية، وذلك لعدة نتائج أهمها تجربة حركة فتح في السلطة وما لحقها من تبعيات إلى جانب العاطفة الدينية التي هي بطبيعتها في النسيج الاجتماعي الفلسطيني إلى جانب ان التيارات الإسلامية لم يسبق لها تجربة العمل السياسي داخل النظام السياسي الفلسطيني.
وبوفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات وقدوم محمود عباس رئيسا للسلطة ومن ثم الانتخابات التشريعية وفوز حركة حماس بمقاعد المجلس التشريعي ومن ثم الاقتتال الداخلي وسيطرة حركة حماس على مقاليد الحكم في قطاع غزة، لأصبح الفلسطينيون أمام نظام سياسي منقسم برأسين وحكومتين ورئيس واحد، كل هذا أمام تراجع في العملية السياسية والمفاوضات مع إسرائيل وتعطل مسار المفاوضات التي كانت تسير برعاية دولية وضغط امريكي ودولي في الوقت الذي تستمر فيه إسرائيل في بناء المستوطنات والتمدد على الأرض لفرض واقع جديد ينهي ما تم الاتفاق عليه في أوسلو أو ربما ينهي أوسلو برمتها ضمنيًا دون الإعلان عن إلغائها رسميا، كون إسرائيل تتمسك بالجوانب الأمنية المتعلقة بالتعاون والتنسيق الأمني بين الجانب الفلسطيني وإسرائيل كونه يخدم مصالحها الجوهرية ويوفر الامن للمستوطنات وللمجتمع الإسرائيلي.
وأمام كل هذه المعطيات وفي ظل حالة الترهل بالحالة الفلسطينية والانقسام الذي فتت الحالة الوطنية والجغرافية للنظام السياسي الفلسطيني والذي امتد ليصل إلى انقسام في بُنية الفصائل الفلسطينية والتي يُنظر اليها المواطن الفلسطيني انها أساس لأي اتفاق سياسي ربما يتم التوافق عليه بين الفلسطينيين وإسرائيل، وأمام كل هذه الحالة تحولت عملية مواجهة الصراع لدى الفلسطينيين إلى إدارة للصراع وخاصة بعد تعطل مسارات السلام والمفاوضات وانشغال المجتمع الدولي بقضايا اخرى كالحرب على داعش والحرب في اليمن والصراعات الجارية في سوريا والعراق وليبيا، وما وقع مؤخرا من حرب روسية اوكرانية وما تبعها من أزمات في الطاقة والغذاء وغيرها.
وهنا أصبحت اتفاقيات السلام التي وقعت بين إسرائيل والفلسطينيين غير قائمة كون الضفة الغربية أصبحت غير صالحة لأي كيان فلسطيني متعلق بالدولة الفلسطينية، وان المستوطنات أصبحت تُفتت عملية التواصل بين المناطق الفلسطينية وخاصة بين مدن الضفة والقدس، وان إسرائيل تتنصل من أي استحقاق مبني على أساس اتفاق أوسلو، وان الحكومات المتعاقبة على الكنيست الإسرائيلية هي حكومات ضعيفة كون الأحزاب المُنضوية بها لم تتمكن من حسم معركة الانتخابات بحصولها على مقاعد تُؤهلها لتشكيل الحكومة بمفردها، واصبح الفلسطينيين نقف عاجزين أمام كيانين شبه منفصلين احداهما في الضفة الغربية تقوده فتح ومنظمة التحرير والثاني في غزة وتقوده حركة حماس.
وأمام هذا الواقع أصبحت إسرائيل صاحبة التأثير الأكبر في الواقع الفلسطيني عبر المجال الاقتصادي من خلال اعداد العمال التي تتدفق للعمل في إسرائيل من محافظات الضفة الغربية، وما جرى مؤخرًا من خلال السماح لعدد قرابة خمسة عشر ألفًا من سكان قطاع غزة للعمل داخل إسرائيل لإفساح المجال لتحسين الحياة المعيشية للمواطن الفلسطيني والمحافظة على الأمن والهدوء في اطار ما يعرف بالسلام الاقتصادي والذي يرفضه الفلسطينيون ويصرون على عدم التعاطي معه إعلاميًا، ولكن واقعيًا هذا ما يجري تنفيذه على أرض الواقع وكأننا امام واقع جديد تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين بأن "الهدوء مقابل الاقتصاد" وهو ما يعرف ضمنيًا "بالسلام الاقتصادي" والذي ترى فيه إسرائيل وجهة جديدة للمحافظة على امنها وهدوئها واستقرارها المرحلي في إدارة الصراع بينها وبين الفلسطينيين.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت