عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) جلسة نقاش مسودة تقرير بعنوان "سياسة إدارة الأملاك الوقفية في فلسطين وحوكمتها"، بحضور ممثلين عن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وعدد من المؤسسات الرسمية والوزارات والبلديات والهيئات ذات العلاقة، إضافة الى ممثلين من مؤسسات رقابية، وعدد من المهتمين القانونيين والإعلاميين.
افتتح الجلسة الأستاذ جهاد حرب، الباحث الرئيسي في ائتلاف أمان، مشيرا الى الهدف الأساسي الكامن وراء إعداد التقرير وهو تقديم توصيات عملية لصناع القرار لتعزيز فاعلية منظومة المساءلة والحوكمة في إدارة الأملاك الوقفية والاستثمارات المتعلقة بها وتحصينها ضد الفساد، إضافة إلى فحص طبيعة الإطار التشريعي والمؤسسي المعتمد لإدارة واستثمار الأملاك الوقفية، لأهميتها في الصمود على الأرض.
قصور تعريف الوقف
استعرض التقرير الدكتور عبد الرحمن ريحان، والذي ابتدأ بتعريفه الوقف، كونه "حبس العين عن تمليكها لأحد من العباد والتصدق بالمنفعة على الفقراء ولو في الجملة أو على وجه من وجوه البر"، ونوّه ريحان الى أن التعريف قاصر عن مواكبة المستجدات حيث اشترط أن يكون الوقف مالاً غير منقول، الأمر الذي يحتاج الى إعادة النظر أكثر إنسجاما مع مقاصد الوقف، موضحا معاملة الوقف كمؤسسة اقتصادية واجتماعية دائمة، تدر نفعا ماديا وتحدث أثراً اجتماعياً ايجابياً إذا تم التعامل معها بالشكل السليم تشريعياً وإدارياً.
لم تسلَم أراضي الأوقاف من قرصنة الاحتلال
مرّت الأوقاف في فلسطين بظروف استثنائية بفعل الحالة السياسية المرتبكة، بسبب التقلبات التي حدثت على الأنظمة والتشريعات والمؤسسات التي أدارت الأوقاف، منذ العهد العثماني، الى الانتداب البريطاني، والإدارة الأردنية وصولا الى السلطة الفلسطينية، علما أن الاحتلال قد تدخل مرارا للاستيلاء على أراضي الأوقاف من خلال سن قوانين جائرة لشرعنة اعتداءاته على الأراضي الوقفيةـ مثل قانون أملاك الغائبين، الذي يعمل على حسر الأوقاف ومصادرتها والذي يلعب دورا حاسما في تحويل الأوقاف الاسلامية إلى أملاك يهودية.
لا توجد قاعدة بيانات دقيقة وشاملة للممتلكات الوقفية
وضح التقرير في متنه إلى عدم إنتهاء أعمال التسوية في الضفة الغربية بالرغم من محاولات توثيقها، حيث لا توجد قاعدة بيانات دقيقة وشاملة للممتلكات الوقفية، علما أن الأملاك الوقفية تشمل بالاضافة إلى الأراضي، مبانٍ ومحلات تجارية وكثير منها لم تسجل لدى الدوائر الرسمية كدائرة الطابو ودائرة المالية حتى الآن. وهناك لجنة مشكلة منذ عام 2013 لهذا الغرض، لكنها لم تنه عملها حتى اللحظة لأسباب عدة منها قلة الإمكانات المالية المتوفرة والمتاحة ووجود جزء من هذه العقارات والأراضي في المناطق المصنفة جيم، وتقاعس بعض هيئات الحكم المحلي عن دفع الرسوم والمستحقات المالية لإتمام عملية الحصر والتسجيل.
وزارة الأوقاف: تسوية الأراضي مشروع وطني والوزارة استحضرت كافة بياناتها تمهيدا لتسجيل الأراضي وحصرها
وفي هذا الإطار، أكد المهندس محمود حمد، مديرة عام دائرة الأملاك الوقفية في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على التوصية التي جاءت في متن التقرير، والتي أوصت بضرورة حصر الأملاك، وأن تقوم وزارة الأوقاف بتوثيق وتسجيل كافة الحجج لممتلكات الأوقاف داخل فلسطين أو تلك التي سجلت ووثقت من خارج فلسطين والعمل على حصر الأوقاف الضائعة منذ الاحتلال الصهيوني عام 1948، حيث أشار الى ضرورة توثيق الأراضي الوقفية كون لا يوجد هناك حصر للأراضي الوقفية المتفاوتة حسب عدد من الاحصائيات، إذ شدد حمد على إيلاء أهمية كبيرة لتسوية الأراضي الوقفية كونها مشروع وطني استراتيجي لتبيان حدود الأراضي الوقفية، مشيرا الى قيام الوزارة باستحضار كافة البيانات من المديريات، تمهيدا للتسوية. وأشار حمد في مجمل حديثه الى صعوبة في حصر الأراضي الوقفية، كون جزء كبير منها يعتبر مشاعاً أو واقعاً في منطقة جيم، وجزء آخر معتدى عليه أو يعتبر بنية تحتية أثرية، أو مناطق جبلية وعرة من الصعب الاستفادة منه.
إشكالية عدم رفد الإيرادات الوقفية للخزينة العامة
أظهر التقرير خصوصية وزارة الاوقاف من حيث إلايرادات المستجلبة من الوقف، حيث لا يتم رفد الإيرادات الى الخزينة العامة ولا يخضع هذا الحساب لرقابة وزارة المالية.
وقد أعزى أكرم عطاونة، مدير عام الشؤون القانونية في وزارة الأوقاف، عدم إحالة ايرادات الأوقاف الى الخزينة العامة، الى استقلالية وزارة الأوقاف ماليا وإداريا، ولسهولة رفد الايرادات للعائلات المعوزة والفقراء وأصحاب الحاجة بشكل مباشر.
ديوان الرقابة المالية والإدارية: الإعتداءات على الأملاك الوقفية غير محصورة
تنوعت الإعتداءات على الأملاك الوقفية، ما بين الاعتداءات الشخصية من قبل المواطنين إلى تعديات من قبل هيئات الحكم المحلي، ناهيك عن تعديات الاحتلال المستمرة. وبحسب ما جاء في التقرير السنوي لديوان الرقابة المالية والإدارية لعام 2019، فإنه لايوجد توثيق وحصر للاعتداءات.
وزارة الأوقاف: هناك 5 الى 6 ملايين دينار أردني ايجارات مستحقة على المؤسسات الحكومية
فيما عقّب حمد أن وزارة الأوقاف تعمل على تنظيم العلاقة مع الجهات التي تستأجر الأملاك الوقفية سواء هيئات محلية أو نواد أو مؤسسات أو مدارس، من خلال إبرام عقد موجب بينها وبين الوزارة. فيما أشار الى أن هناك أكثر من 120 مدرسة مقامة على أراضٍ وقفية بموجب عقد بين وزارة الأوقاف ووزارة التربية والتعليم مقابل أجرة رمزية، كون ذلك ينسجم مع رؤية وزارة الأوقاف في تسخير الأملاك الوقفية لصالح المجتمع المحلي، منوها في الوقت ذاته أن هناك نحو 5 الى 6 مليون دينار أردني ايجارات مستحقة على المؤسسات الحكومية.
وفي جانب آخر، أشار حمد الى أن وزارة الأوقاف قد فتحت المجال للقطاع الخاص لعمل مشاريع استثمارية ضمن المخطط الهيكلي للمدن في المناطق المركزية بموجب عطاءات مضبوطة وفق نظام الشراء العام مع القطاع الخاص، لتحقيق دخل سنوي للأوقاف منها، معددا بعض الأمثلة المعمول بها مثل مشروع طاقة شمسية مع صندوق الاستثمار وجوال في منطقة طولكرم، ومشاريع أخرى في منطقة بيرزيت، والخليل.
بلورة سياسة وطنية لإدارة الأملاك الوقفية وإصدار قانون موحد لإدارة لأملاك ينطبق على الضفة الغربية وقطاع غزة
أوصى التقرير بضرورة النهوض بقطاع الاوقاف ولاسيما إدارة الاملاك الوقفية، من خلال ضرورة بلورة سياسة وطنية عامة مكتوبة ومعلنة تشترك في وضعها والإشراف عليها كافة الأطراف ذات العلاقة، تحدد من خلالها علاقة مؤسسة الوقف بمؤسسات الدولة وآليات إدارتها للأملاك الوقفية والإطار القانوني الفلسطيني الناظم لعملها، إضافة الى ضرورة إصدار قانون موحد لإدارة الأملاك الوقفية ينطبق على الأراضي الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة، وإصدار ما يلزم من لوائح تنفيذية وأنظمة وتعليمات تلبي حاجة وخصوصية الحالة الفلسطينية وتواكب التطورات والإجتهادات الحديثة، ولاسيما في طرق الإستثمار وأنواع الأموال الصالحة للوقف، وتطوير واستبدال قانون المالكين والمستأجرين، كذلك سن وإصدار قوانين وانظمة فلسطينية لتنظيم العلاقة بين المحاكم الشرعية وديوان قاضي القضاة وإدارة الاملاك الوقفية.
وزارة الأوقاف: ننتظر مصادقة الرئيس على قانون الأوقاف المعدل لاحقا للتعديلات التي أوردتها اللجنة المشكلة لدراسته
وفي هذا الصدد، عقب عطاونة، مدير عام الشؤون القانونية في وزارة الأوقاف أنه جرى مؤخرا تشكيل لجنة لإعادة النظر في القانون المعدل للشؤون الدينية رقم 66 بالشراكة بين وزارة الأوقاف وهيئة الفتوى والتشريع ورئاسة الوزراء، وأجري عليه 12 تعديلاً ضرورياً لمواكبة العمل، وتمت إحالته للسيد الرئيس للمصادقة عليه، مشيرا الى أهمية استصدار العديد من الأنظمة اللاحقة للقانون.
الشعيبي: فلسطنة القوانين ضرورة ترتبط بوجود مجلس تشريعي منتخب يناقشها ويراقب عليها
فيما أشار الدكتور عزمي الشعيبي، مستشار مجلس إدارة ائتلاف أمان لشؤون مكافحة الفساد الى ضرورة وجود قانون فلسطيني لوزارة الأوقاف، يمكَن البنية المؤسساتية بأن تكون منسجمة مع بعضها البعض، مشيرا الى وجود إرادة لدى المشرّع في الوصول لذلك، الا أن ذلك غير متأت في غياب مجلس تشريعي منتخب من إرادة الناس. كما أشار الى أهمية تكوين إرادة سياسية والإستفادة من تجارب الدول العربية الناجحة في إدارة الوقف وإسقاطها على الواقع في فلسطين، كالتجربة الأردنية، والسودانية والكويتية التي أشركت المجتمع المدني بشكل فاعل في إداره الوقف.
عدد من التوصيات المقدمة لحوكمة إدارة الأملاك الوقفية
إضافة إلى ما سبق ذكره من توصيات تتعلق ببلورة سياسة وطنية لادارة الاملاك الوقفية وغيرها، قدّم التقرير عددا من التوصيات أهمها إصدار وزير الأوقاف تعليمات واضحة ومعلنة لمنع حالات تضارب المصالح سواء للجنة بدل المثل أو لجنة الإشراف على تأجير استثمار الأملاك الوقفية وكل من له صلة بالأمر، والالتزام بقرار مجلس الوزراء في هذا الخصوص، وأن تقوم وزارة الأوقاف بتدريب العاملين في دائره الأملاك الوقفية على مدونة سلوك العاملين في الوظيفة العامة، بالإضافة إلى تدريب العاملين في إدارة الأملاك الوقفية، وتوعيتهم حول النصوص القانونية الواردة في قانون الخدمة المدينة وقانون العقوبات وقانون مكافحة الفساد والمتعلقة بسوء استخدام المنصب العام، وأن تقوم وزارة الأوقاف بوضع نظام أو إجراءات تنظم عملية تلقي الهدايا في إدارة الأملاك الوقفية، وأن تلتزم بقرار مجلس الوزراء بالخصوص، وأن تقوم وزارة الأوقاف بوضع تعليمات واّليات للإبلاغ عن حالات فساد في عملية تأجير أو استثمار الأملاك الوقفية وتشجيع هذا البلاغ.
إضافة الى ذلك، فقد أشار التقرير الى أهمية إشراك ديوان الرقابة المالية والإدارية كعضو مراقب، حيث يلزم في لجان الإدارة العامة للأملاك الوقفية. وفي هذا الخصوص، أشار السيد عمار غزال من ديوان الرقابة المالية والإدارية أنه جاري العمل حاليا على رقابة الأداء أكثر من رقابة الامتثال على إدارة الأعمال الوقفية، موضحا أهمية تفسير كيف تساهم الخطة الاستثمارية في حماية الأرض.
كما تطرق التقرير أيضا في مجمله الى أهمية إعمال مبدأ الشفافية، إذ يتوجب على وزارة الأوقاف أن تلتزم بنشر تقارير دورية مالية وإدارية تحتوي على معلومات موثوقة عن الأملاك الوقفية، وأن تلتزم وزارة الأوقاف بإتاحة الفرصة للجمهور في الاطلاع على البيانات المتعلقة بالأملاك الوقفية وإستثماراتها وميزانياتها وذلك عن طريق نشرها على الموقع الالكتروني.