الاعتقال الإداري...تاريخ كولنيالي بنكهة صهيونية

بقلم: الأسير منذر خلف مفلح

الأسير منذر خلف مفلح.jpeg
  • بقلم الأسير/ منذر خلف مفلح

تطوف العالم اليوم نداءات استغاثة من قبل الأسرى الإداريين الفلسطينيين لمساندتهم أمام جريمة الاعتقال الإداري، باعتبارها جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب، ولوقف ممارسات الكيان الصهيوني "المتحضر، والعصري، والديمقراطي..." الإجرامية.

إن إقامة مشروع الكيان الصهيوني، هي ممارسة استعمارية أولاً، وضمن التجارب الكولنيالية الاستعمارية الغربية، وتمارس جريمة احتلال لأرضٍ وشعبٍ ومجتمعٍ آخر، مُستندةً في ممارساتها لمنظومة استعمارية تقوم على أجهزة الأمن والجيش والمخابرات الصهيونية، والقضاء والمحاكم العسكرية، وجهاز الشرطة، التي تخضع للقانون الصهيوني، أي تأتمر بمستوى سياسي يمارس هذه الممارسات الإجرامية باسم مجتمع الكيان الصهيوني الاستعماري.

قَدمّت التجارب الاستعمارية ذاتها باعتبارها مشروعاً حضارياً، لتحضير أو استيطان وتمدين الشعوب الأخرى، أو تمدين الأراضي واستصلاحها، مستندةً لشعارات من قبيل المجاهل الشرقية أو الأراضي المجهولة، أو الشعوب البربرية وهو ما اشتقته الحركة الصهيونية على لسان "إسرائيل زنغويل" ( أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، ومع ذلك فالكيان ومن منطلق فكري وأيديولوجي هو استمرار للكونيالية الاستعمارية، كما أنها لجأت أيضاً لذات الممارسات في مواجهة الحركات المقاومة والمناهضة للاستعمار من قبل الشعوب المضهدة والمستَعمرة التي استخدمت المقاومة بكافة أشكالها في مواجهة ومقاومة الاستعمار وممارساته الإجرامية.

وعلى ذلك استخدمت الصهيونية أساليب القتل، والتطهير العرقي، والترانسفير بابشع الصور، والتي يكشف عنها الأرشيف الصهيوني ذاته، والذي يؤكد الرواية الفلسطينية لوجه الاستعمار الصهيوني العنيف في الإعدام 1948 احتلال فلسطين، وممارسات الحكم العسكري حتى العام 1966، ثم انتقال هذا الحكم العسكري إلى أراضي 1967 بعد تجربة الاحتلال بما تبقى من فلسطين، وهو الحكم الذي قام على العنف والقتل والترحيل من أجل ترسيخ حالة العنف لاستثمارها لاحقاً في إطار العنف غير المباشر أو الملجوم والمعُبّر عنه بالقمع والاضطهاد، والاعتقال والتقييد في الحريات والحركة، مع تضمين إمكانية تَحوّل العنف الملجوم المباشر كتهديد على حياة البشر، تحت مبررات اعتبارهم خطراً أمنياً مباشراً على أفراد ومجتمع الكيان الصهيوني، أو "دولته"...الخ. باعتبار أن هذا العنف أو الاعتبار الأمني، هو المدخل للمعالجة المباشرة لمقاومة الشعوب المستعمرة.

وبهذا المعنى فقد باشر الاستعمار الصهيوني بترسيخ مفهوم الخطر الأمني، والتهديد الأمني عبر أمننة المجتمع والفلسطينيين جميعاً securitizing ، في سبيل تنميط سياسة تعامل أمثل معهم تقوم على المدخل الأمني، مقابل سياسات الاستعمار القديم التي قامت على اعتبار الشعوب المستعَمرة مُدانة دائماً بذنبٍ ما وذلك للطبيعة التي اقترحها المستِعمر للمستعمرين كونه دنئ وشاذ، وكاذب... لذا عليه أن يكون مقصياً عن الاندماج بالمستِعمرين، وذلك للحفاظ على *نقائهم العرقي.

استندت الصهيونية للإرث الاستعماري، وطورت عليه الخطر الأمني الوجودي كي يكون بمقدورهم دوماً معالجة الفلسطيني بالاقصاء والقتل المعنوي والفعلي المادي "الاعتقال" إن لم يتوفر شرط القتل عبر  العنف المتفجر.

قامت التجارب الاستعمارية القديمة على شكلين من الاقصاء باعتبار الاستعمار استعمار استغلالي وليس احلالياً كما الصهيوني، أي "الباتوستونات والفصل"، ومعسكرات الاعتقال التي نشأت مع بدايات مرحلة تفكيك الاستعمار أو أثناء الحرب العالمية الثانية.

أما الفصل العنصري فليس هناك مجال نقاشه، أما معسكرات الاعتقال فقد نشأت أساساً مع مدّ سكك الحديد في جنوب أفريقيا، وإقامة محطات خدمة لهذه السكك مما قسم الأرض لمعازل وتم إحاطتها بالأسلاك الشائكة، والتي أسهمت في إيجاد معسكرات الاعتقال أثناء حرب البوير بين المستعِمرين والسكان المحليين في جنوب أفريقيا.

لاحظ مثلاً أنه في العام 1933 استخدم الاستعمار البريطاني معسكرات الاعتقال في مدينة الخليل أو حلحول تحديداً بعد اشتداد المقاومة هنالك، وهو ما يُسمى في الموروث الشعبي الفلسطيني " عام التيل". لتصبح معسكرات الاعتقال منظومة استعمارية لمجابهة المقاومة الشعبية في مواجهة الاستعمار، وخاصةً في فلسطين حيث اجترحت منظومة الاستعمار البريطاني ما يُسمى بقانون الطوارئ 1945، ولاحقاً قانون الطوارئ الأردني، والذي أبقى الاستعمار الصهيوني عليه حتى اللحظة، كقانون دائم مضاف له 800 أمر عسكري، ويستند إليها في "الاعتقال الإداري" والذي يعني احتجاز الفرد في معسكرات الاعتقال دون تهمة أو محاكمة، وهو ما أشارت إليه "حنا ارندنت" في تعريفها لمعسكرات الاعتقال أو لقاطنيها تحديداً، مشيرةً " أن مؤسسات ومعسكرات الاعتقال ليست جزائية، وأن نزلائها لم يتهموا بأي جريمة، بل تم التقرير بالتعامل معهم كأشخاص غير مرغوب فيهم".

ويعتبر التعريف السابق تلخيصاً لسياسة الاعتقال الإداري المتبعة من قبل الصهاينة، فالفلسطينيون جميعاً غير مرغوب فيهم عدا عن كونهم خطراً أمنياً بحسب الرؤية الصهيونية.

وقد مارس الكيان الصهيوني سياسة معسكرات الاعتقال مستنداً للارث الاستعماري البريطاني "قانون الطوارئ"، وجلبت معها تجربة معسكرات الاعتقال النازية لمعالجة العرب الفلسطينيين باعتبارهم خطراً أمنياً دائماً، وهذا تعريف يشمل الجميع، حيث يسود قانون الطوارئ ضبابيةً وضعفاً في التوصيفات القانونية، ولا يتطابق مع القانون الدولي، هذا وقد قَدمّت التجربة الصهيونية نكهتها فيما يتعلق بهذا القانون باعتباره مستنداً لممارسة سياسة الاعتقال الإداري بإصدار 800 أمراً عسكرياً من قائد الحكم العسكري وضباط الاحتلال، حيث يسود هذه القوانين الضبابية والتناقض، وعدم اليقين ومفهوم الهشاشة والقلق الوجودي وهو ما يعتري كل الأسرى الإداريين، وتعتبر الإضافة الصهيونية بتعزيز هذا القانون اللاإنساني ببعض الممارسات الخاصة به من قبيل سياسة استخدام القانون، حيث يستغل القضاة والضباط العسكريون ضبابية القانون من أجل ممارسته بشكلٍ متناقض بهدفية تحطيم الشخصية الفلسطينية وتحويلها لشخصية مدانة تتوافق مع إقصائها، كما تلجأ لممارسة ما يُسمى التقريرية، بمعنى أن قرار الضابط العسكري نافذاً، لتحويله لمرجعية للحياة بالنسبة للفلسطيني بشكلٍ عام حيث يخضع تطبيق القانون الصهيوني لسياسة أخرى،هي سياسة اللاتفريق، حيث يعمد لاستخدام ذات التعريف والتوصيف للفلسطينيين جميعاً بدون تفريق بين من يقاوم وغير المقاوم، لاعتبارهم مادة لتطبيق القانون الاستعماري، أو كمصدر دائم ومحتمل للخطر وهو ما يعني أمننة المجتمع Securitizing، والتي تقوم عليها منظومة أمنية ومعرفية.

إن الاعتقال الإداري والذي هو احتجاز خارج القانون بدون تهمة أو محاكمة بهذا المعنى الواسع يصبح مجالاً يخضع له المجتمع الفلسطيني بعموميته دون تفريق؛ فالمناضل أو الثائر يتعرض للاعتقال الإداري، وكذلك السياسي، فأعضاء التشريعي الفلسطيني تعرضوا تقريباً جميعاً للاعتقال، والقيادات السياسية كذلك، والعديد من مدراء المؤسسات الأهلية كمؤسسة بيسان والحق، ومديرة العمل الصحي، ولجان المرأة، كما يخضع للاعتقال الإداري الرجال والنساء والأطفال والشيوخ وكبار السن والمرضى والطلبة...الخ؛ فالكل المدان، ومصدر دائم للخطر والقلق، وهو مبرر لإصدار القانون الصهيوني للاعتقال الإداري، منهم بلا تهمة؛ بل تم التقرير بشأن احتجازهم.

•عضو اللجنة المركزية العامة في الجبهة الشعبية، مسؤول لجنتها الإعلامية في فرع السجون.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت