تتابع أمهات فلسطينيات يوميا عبر مجموعة خاصة أنشأنها في مواقع التواصل الاجتماعي أخبار اقتحامات الجيش الإسرائيلي المتكررة لمدينة جنين ومخيمها، بعدما كانت وسيلتهن لمتابعة دراسة أبنائهن في إحدى مدارس المدينة الواقعة في شمال الضفة الغربية.
وتنتاب الأمهات الفلسطينيات في المدينة حالة من القلق الشديد من احتمالية تعرض أبنائهن للخطر أثناء ذهابهم أو عودتهم من المدرسة في ظل تناقل الأخبار عن اقتحامات للجيش الإسرائيلي وما يتبع ذلك من مواجهات تسفر في الغالب عن سقوط قتلى.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أمس (الخميس) استشهاد الفتى عدي صلاح البالغ من العمر (17 عاما) برصاص الجيش الإسرائيلي خلال مواجهات اندلعت في قرية كفردان غرب جنين.
واندلعت المواجهات بعدما اقتحمت قوة كبيرة من الجيش الإسرائيلي القرية وداهمت منزلي منفذي عملية إطلاق النار قرب حاجز "الجملة" العسكري شمال جنين والتي أدت إلى استشهادهما ومقتل ضابط إسرائيلي أول أمس (الأربعاء).
وبلغ إجمالي عدد الشهداء الفلسطينيين في الضفة الغربية 98 منذ بداية هذا العام، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، وهو الرقم الأكبر منذ عام 2015 عندما استشهد 99 فلسطينيا.
وأظهرت إحصائيات فلسطينية رسمية أن 34 شخصا من إجمالي الشهداء الفلسطينيين هذا العام قضوا في جنين، التي تشهد عمليات اقتحام ومداهمة شبه يومية من الجيش الإسرائيلي.
وبسبب ما تشهده مدينة جنين من أحداث يوميا، تعيش الفلسطينية أم جولان ساعات عصيبة طيلة النهار خوفا على حياة ابنتها، التي تتوجه إلى المدرسة صباح كل يوم لتدرس في الصف الثاني الابتدائي.
وتقول أم جولان التي لا تتوقف عن مراقبة هاتفها أو شرفة منزلها لمتابعة الأحداث الميدانية لوكالة أنباء "شينخوا"، إن مصدر قلقها يعود إلى إصابة والدتها أثناء عودتها من المدرسة برصاص الجيش الإسرائيلي في أحداث سابقة جرت في جنين.
ويوميا تستفيق أم جولان من نومها لتبدأ بمراقبة الأخبار أو انتظار رسالة من مدرسة ابنتها حول الدوام المدرسي، الذي يتعطل أحيانا أو يشهد تأخيرا لعدة ساعات بسبب أحداث ميدانية في المدينة.
وعادة ما تقوم القوات الإسرائيلية بعمليات اقتحام متكررة في أوقات مختلفة في جنين بهدف اعتقال مطلوبين لديها أو تنفيذ عمليات هدم لمنازل فلسطينيين تتهمهم بالضلوع في عمليات إطلاق نار أدت لمقتل إسرائيليين.
وعلى إثر ذلك تندلع مواجهات عنيفة مع الشبان الفلسطينيين الذين يلقون حجارة وزجاجات حارقة وعبوات ناسفة محلية الصنع على القوات الإسرائيلية، بينما يقوم نشطاء ملثمون بإطلاق النار.
وتقول الفلسطينية أم محمد من جنين لـ"شينخوا"، إن شعور الخوف والقلق بات يخيم على العائلة التي تستفيق باكرا لتقوم بالبحث عن اخر المستجدات والأحداث الميدانية في المدينة بدلا من تحضير أبنائها للذهاب إلى المدرسة.
وأضافت أم محمد أن حالة الخوف والقلق على أبنائها في المرحلة الابتدائية تضعها في حالة من الحيرة ما بين إرسالهم إلى المدرسة والبقاء في قلق عليهم أو إبقائهم في البيت ويتأثر مستواهم العلمي ومستقبلهم.
وتابعت أن "هذه الحالة ارتفعت منذ بداية العام، حيث تشهد مدينة ومخيم جنين وبعض المناطق الريفية اقتحامات شبه يومية يرافقها إطلاق نار فإما يتم تأجيل الدوام المدرسي أو إلغاؤه بسبب الإضراب على أرواح الشبان الذين يسقطون شهداء".
ويروي الفلسطيني أيهم عويس (45 عاما) صعوبة الحياة اليومية في مدينة جنين ومخيمها بسبب عمليات الجيش الإسرائيلي التي ينفذها عدة في ساعات الفجر الأولى وتمتد إلى الصباح وتتخللها مواجهات دامية.
وقال عويس لـ"شينخوا"، إن المدينة ومخيمها "لا يوجد بهما أمل في الحياة ... السكان هنا تنام وتستيقظ على صوت مواجهات واشتباكات مسلحة، وهذا يخيفنا ويقلقنا".
ومضى يقول إن القوات الإسرائيلية عادة ما تبدأ عملياتها في المدينة وقت خروج الأطفال إلى المدارس، وهو ما يجعلهم عرضة للخطر وبينهم من يصاب بحالات اختناق جراء إطلاق الغاز المسيل للدموع.
وغالبا ما يتم تأجيل الدوام المدرسي لعدة ساعات إلى حين خروج القوات الإسرائيلية بشكل كامل من المدينة والتأكد من سلامة الطلاب أثناء ذهابهم للمدارس.
وقال الفلسطيني رياض أبو الرب، وهو معلم رياضيات في مدرسة جنين الثانوية الحكومية لـ"شينخوا"، إن إدارة المدرسة تؤجل الدوام المدرسي فور علمها بوجود اقتحام للمدينة من قبل القوات الإسرائيلية لحين خروجها حفاظا على سلامة الطلبة.
وأضاف أبو الرب أن الطلبة من الأماكن البعيدة، التي تشكل الطرق خطرا عليهم نقوم بتعطيلهم وعمل جدول لتعويض ما فاتهم من الدروس، لكن إذا استمر الاقتحام لفترة طويلة يتم تعطيل المدارس بشكل كامل في الأماكن التي تشهد اقتحاما.
وأغلقت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية أمس الخميس مدارس قرية كفردان غرب جنين بسبب الاقتحام الذي شهدته القرية وقتل على إثره الفتى صلاح (17 عاما) برصاص الجيش الإسرائيلي.
وقالت مديرة تربية جنين سلام الطاهر لـ"شينخوا"، إن الهجمة الإسرائيلية الشرسة على المدينة تعقد سير العملية التعليمية، من جهة حياة الطلبة وكذلك عمليات إغلاق المدارس التي قد تستمر ساعات أو أيام.
ومع تكرار الإضرابات في جنين وتعطيل المدارس، أشارت الطاهر إلى اتفاق ما بين المديرية والمحافظة والفصائل الفلسطينية على الحفاظ على دوام المدارس في حالة عدم وجود خطر على الطلبة.
وأوضحت الطاهر أن "الاعتداءات" الإسرائيلية أصبحت شبه يومية في المدينة، وبالتالي يجب تجنيب التعليم تداعيات هذا الأمر لأنه إذا ما استمر التعطيل فقد تغلق المدارس بشكل شبه يومي.
وفي الصدد قال الناطق باسم وزارة التربية والتعليم في السلطة الفلسطينية صادق الخضور، ل"شينخوا"، إن الاقتحامات الإسرائيلية الفجائية للمناطق الفلسطينية تدفع مدراء المدارس إلى تعليق الدوام حرصا على حياة الطلبة.
وأضاف الخضور أن اقتحامات الجيش الإسرائيلي تسبب حالة من "الإرباك" للأسرة التعليمية سواء بتعليق الدوام لعدة ساعات أو إغلاق المدارس ليوم أو يومين، ما يعود بالسلب على الطلبة كونهم لا يتلقون التعليم بشكل منتظم.
وتابع أن الوزارة تتابع ما يجري من اقتحامات إسرائيلية للمناطق الفلسطينية وتأثيرها على سير المسيرة التعليمية بمخاطبة الجهات الدولية لمطالبتها بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني وطلبته.
وأشار الخضور إلى أن الوزارة رصدت عديد الممارسات التي طالت العملية العام الماضي، ما تسبب باشتشهاد 16 طالبا في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بالإضافة إلى وجود 121 معتقلا في السجون الإسرائيلية.
وتشهد الضفة الغربية مواجهات شبه يومية بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي الذي ينفذ مداهمات لاعتقال "مطلوبين" في إطار حملة "كاسر الأمواج" التي أطلقها الجيش لمواجهة موجة العمليات التي أدت إلى مقتل 18 إسرائيليا على يد فلسطينيين داخل مدن إسرائيلية منذ مارس الماضي.
وأكد الجيش الإسرائيلي الليلة الماضية أن العمليات الأمنية في الضفة الغربية ستستمر وبقوة أكبر، مشيرا إلى أن العمليات ستتركز في المناطق الشمالية جنين ونابلس.
ونقلت الإذاعة العبرية العامة عن متحدث عسكري قوله إن القرار جاء على خلفية التصعيد في الضفة وخوفا من مزيد من التدهور قبيل الأعياد اليهودية.
وتعليقا على ذلك، قال محافظ جنين في السلطة الفلسطينية اللواء أكرم الرجوب، في تصريح صحفي إن الحكومة الإسرائيلية لديها خطة وبرنامج معد مسبقا لإيصال جنين إلى نقطة ومربع من "العنف والتصعيد".
وأضاف أن الحكومة الإسرائيلية تعمل على دفع الشعب الفلسطيني ثمن سياساتها الداخلية والسباق المحموم على انتخابات الكنيست المقررة في نوفمبر المقبل.
واتهم الرجوب الحكومة الإسرائيلية بمحاولة تصعيد الأوضاع في المنطقة، مشيرا إلى أن ما يجري في جنين والضفة الغربية يتعلق بالدعاية الانتخابية، محذرا من إمكانية إقدام الجيش الإسرائيلي على أعمال مفاجئة الأيام القادمة.