التعليم على مقاعد تحترق

بقلم: رمزي عودة

رمزي عودة.jpg
  • د. رمزي عودة

لم تتمالك نفسها حينما رسبت في إمتحان القضية الفلسطينية، نسفت دموعها كبرياءها، وبرّرت لي قائلةً " كيف لي أن أدرس المساق وقد هدم الإسرائيليون بيتنا البارحة للمرة الثالثة في سلوان!" . حينها فقط أدركت مدى عجزنا في الجامعات، وتساءلت في نفسي عن أي تعليم نتحدث في ظل الاحتلال؟. ماذا تقدم الجامعات لهؤلاء الثكلي؟ يدربوننا على كيفية التعامل مع الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة، ولكنهم أبدا لم يدربوننا على كيفية تعليم هؤلاء الطلبة الذّين دمرت بيوتهم أو  الذّين إستشهد رفاقهم أو الذّين تعرضوا للتنكيل من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين.

هذه الحالة تتكرر وتذكرنا في كل مرة بالحسرة والعجز، فما زالت صورة الطفل أحمد مناصرة الذي تعرض ومازال، للتعذيب أثناء الاعتقال ماثلةً أمامنا؛ وهو يقول للمحقق بأنه لا يتذكر شيئا! مسحوا ذاكرته وحبسوه منفرداً، ولم يعد يدرك شيئاً مما يدور حوله. هل ننسى دموع الطفل من عائلة الرجبي وهو يشاهد قوات الاحتلال تهدم منزله في القدس! هل ننسى  الطفلة يارا الرجبي وهي تعلن متحديةً صولجان الاحتلال بأنها لن تخاف منه حتى لو هدم منزلها! هل ننسى الطفل في مسافر يطا وهو يتجول حافي القدمين باكياً يبحث عن ألعابه وحقيبته المدرسية في حطام منزله أو سقيفته التي هدمها الاحتلال! هل ننسى خوف الطفلين الذين إحتجزهما الاحتلال مع ذويهم في قرية كيسان لساعات طويلة دون أن يقترفا شيئا! هل ننسى أطفالنا في البلدة القديمة في الخليل وهم يتعرضون للتفتيش القسري أثناء ذهابهم الى مدارسهم! هل ننسى أطفال غزة وهم يحترقون ويقتلون من جراء العدوان الإسرائيلي المتكرر على بيوتهم ومدارسهم! ما زال شاخصاً في أذهاننا ذلك الطفل الذي لحق بجنازة والده الشهيد وهو يودع جثمانه قائلاً "الله يساهل عليك يابا". لن ننسى ذلك الطفل الذي أصيب بشظايا الصاروخ الإسرائيلي في غزة،  وألحق به آلاماً لا تُحتمل،  حينما قال لأحد الصحفيين "نفسي أطلع بره علشان أتعالج وأطلع ألعب مع أصحابي زي قبل". ها هو حال أطفال فلسطين وطلابها يا سادتي... غالبيتهم يتعلمون في المدارس والجامعات ولكنهم يتعلمون على مقاعد تحترق!

في اليوم العالمي لحماية التعليم من الهجمات والذي صادف التاسع من أيلول الجاري، رصدت التقاريرالفلسطينية الرسمية وغير الرسمية حالةً يرثى لها عن إنتهكات الاحتلال ضد التعليم في فلسطين في العام 2021، حيث ترتب على هذه الانتهاكات إستشهاد 16 طالباً، منهم شهيدان في القدس، أحدهم من الكادر التعليمي والإداري ، كما إعتقل 121 طالباً  منهم 7  طلاب من القدس، ومنهم 31 من الكادر التعليمي والإداري، و جرح 3450  طالباً منهم 56 جريحاً في القدس، إضافة الى 70 جريحاً من الكادر التعليمي والاداري، و إحتجز 423 طالباً، منهم 7 طلاب من القدس، علاوةً على تأخير ومنع الوصول ل 6759  طالباً، من بينهم 44 طالباً مقدسياً، مع فرض الحبس المنزلي على طالبين، وتأخير ومنع الوصول للكادر التعليمي ل 983 حالة، ما نتج عنه هدر تعليمي بلغ  5781  حصةً منها 1057 حصة في القدس. ورافق ذلك جملةً من الاعتداءات على المدارس شملت إخطارات بالهدم 10 إخطارات، منها إخطاري هدم في القدس، وبلغت المدارس المعتدى عليها 66 منها 14 مدرسة في القدس. ليس هذا فحسب، فقد قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بإغلاق 6 مدارس فلسطينية في مدينة القدس الشرقية بحجة أن مناهجها تشتمل على  التحريض على الاحتلال وتمجيد مقاومة الشعب الفلسطيني. وبعد هذا الكم الهائل من جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد النظام التربوي الفلسطيني، يتم إتهامه من قبل الدوائر الإسرائيلية والغربية بالتحريض ضد الاحتلال!. وكأنما يعتبر التحريض ضد الاحتلال جريمة في الوقت الذي يتم التغافل عن الاحتلال نفسه وعن  جرائمه بحق الشعب الفلسطيني بشكل عام، وبحق المنظومة التعليمية بشكل خاص. بالمقابل، وفي ظل الصمت الدولي، تقوم قوات الاحتلال بتهويد النظام التعليمي في القدس الشرقيه، وتتضمن مناهجها المدنية والدينية شتى أنواع التحريض والتمييز ضد العرب!

لقد آن الأوان لتعزيز آليات الحماية الدولية للنظام التعليمي في فلسطين، وآن الأوان لقيام المجتمع الدولي بوقف الإجراءات الإسرائيلية بإغلاق المدراس العربية في القدس الشرقية بإعتبارها إجراءات تتنافي مع القانون الدولي. وآن الأوان لكي يعترف المجتمع الدولي بحقنا في تعليم أبنائئنا الطلبة روايتنا التاريخية والنضالية ضد الاحتلال، وآن الأوان أن يُساءل الاحتلال على جرائمه ضد طلابنا الفلسطينيين. وآن الأوان أن تضع وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي أنظمة للتمييز الإيجابي لصالح الطلبة الذين تعرضوا لجرائم ضد الإنسانية من قبل قوات الاحتلال والمستوطنيين. وفي النتيجة، فإن التعليم في فلسطين مستهدف من قبل قوات الاحتلال، ونحن بالمقابل لن نستطيع مقاومة هذا الاحتلال الا بتحسين وتطوير المنظومة التعليمية. وفي السياق، صحيح أن أبنائنا يتعلمون على مقاعد تحترق، ولكنها  حتماً ستحترق في وجه الاحتلال.

 

 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت