قفز الدولار يوم الأربعاء لأعلى مستوى له في عقدين، إذ هزت تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن التعبئة العسكرية واتهاماته للغرب الأسواق قبل رفع مرجح حاد في أسعار الفائدة من المركزي الأميركي.
وأمر بوتين يوم الأربعاء بأول تعبئة للجيش في بلاده منذ الحرب العالمية الثانية، وأنذر الغرب من أنه إذا واصل ما وصفه بأنه "ابتزاز نووي" فإن موسكو سترد بقوة كل ترسانتها الضخمة.
وقدمت تلك الأنباء لمؤشر الدولار دفعة قوية، وهو المؤشر الذي يقيس أداء العملة الأميركية مقابل سلة من كبرى العملات المنافسة، إذ ارتفع بأكثر من 0.5% إلى 110.87 وهو أعلى مستوى منذ 2002.
ووقع عبء البيع بسبب تلك الأنباء على العملات الأوروبية إذ فاقمت تصريحات بوتين من المخاوف المتعلقة بآفاق الاقتصاد بالنسبة لمنطقة تعاني بالفعل من تبعات تقليص روسيا لإمدادات الغاز.
وتراجع اليورو لأدنى مستوى في أسبوعين مسجلا 0.9885 دولار على مقربة من أدنى مستوى في عقدين الذي وصل له في وقت سابق هذا الشهر، وهبط اليورو في أحدث تداولات بنسبة 0.6% مسجلا 0.9912 دولار.
ونزل الإسترليني 0.4% مسجلا مستوى منخفضا جديدا هو الأدنى في 37 عاما عند 1.1304 دولار حتى قبل تصريحات بوتين.
وارتفع مؤشر الدولار حتى الآن هذا العام 16% وفي طريقه لتسجيل أكبر زيادة سنوية منذ عام 1981. ويقول محللون إن أجواء الغموض الجيوسياسي المتنامي تزيد من قوة الدولار.
ووصل الدولاران الأسترالي والنيوزيلندي أيضا الأربعاء لأدنى مستوياتهما في سنوات. وسجل الدولار الأسترالي 0.6655 دولار، وهو أدنى مستوى منذ يونيو حزيران 2020، بينما هبط الدولار النيوزيلندي إلى 0.5877 دولار وهو أقل مستوى منذ أبريل نيسان 2020.
ويعني قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استدعاء مئات آلاف الروس للقتال في أوكرانيا ، محذرا الغرب من أن موسكو "ستستخدم كل الوسائل" المتاحة لها للدفاع عن نفسها.
وأكد بوتين أن "الأمر ليس خدعة" متهما الدول الغربية بمحاولة "تدمير" روسيا واللجوء إلى "الابتزاز النووي" حيالها، ملمحًا بذلك إلى أنه مستعد لاستخدام السلاح النووي.
وأمام هجوم مضاد وخاطف للقوات الأوكرانية، اختار بوتين التعويل على تصعيد النزاع مع إجراء يفتح الباب أمام إرسال مزيد من الجنود الروس إلى أوكرانيا.
وبعد الاعلان الثلاثاء عن إجراء استفتاءات في أربع مناطق يحتلها الروس في شرق أوكرانيا وجنوبها اعتبارا من الجمعة بشأن ضمها لروسيا، يشكل قرار بوتين منعطفا في النزاع.
وأكد بوتين في كلمة متلفزة مسجلة مسبقا صباح الأربعاء "أعتبر أنه من الضروري دعم اقتراح (وزارة الدفاع) بالتعبئة الجزئية للمواطنين في الاحتياط، والذين سبق أن خدموا... ولديهم الخبرة المناسبة".
وشدد بوتين "نحن نتحدث فقط عن تعبئة جزئية" في حين سرت شائعات في الساعات الأخيرة عن إعلان تعبئة عامة أثارت قلق الكثير من الروس.
وأوضح وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن روسيا ستستدعي 300 ألف جندي احتياط "أي 1,1 % من القدرات التي يمكن استدعاؤها".
وأوضح بوتين أن "مرسوم التعبئة الجزئية وقع" وسيدخل حيز التنفيذ "اليوم" الأربعاء.
وقالت سفيرة الولايات المتحدة في أوكرانيا بريدجت برينك الأربعاء أن التعبئة الجزئية تشكل "مؤشر ضعف". وكتبت في تغريدة "الاستفتاءات الزائفة والتعبئة هي مؤشرات ضعف وفشل روسي" مؤكدة أن بلادها ستستمر في "دعم أوكرانيا طالما اقتضت الضرورة".
تعاني روسيا من نقص في عديد قواتها في أوكرانيا التي دخل النزاع فيها شهره الثامن.
ورأى وزير الدفاع البريطاني بن والاس أن اعلان موسكو يشكل "اعترافا بالفشل".
وأضاف أن تراجع الرئيس الروسي عن "تعهد شخصي بعدم استدعاء جزء من السكان يشكل اعترافا بالفشل" مشيرا إلى أن "أي تهديد أو دعاية لا يمكن أن يخفي حقيقة أن أوكرانيا بصدد كسب الحرب ... و أن روسيا بصدد أن تصبح منبوذة على الساحة الدولية".
وقالت ألمانيا من جانبها إن هذا القرار "خطأ" ووصفته بأنه "خطير".
- "ليست خدعة" -
حمل بوتين مجددا على الدول الغربية بقوة متهما إياها ب"تجاوز كل الحدود في سياستها العدوانية" ومؤكدا أن "هدف الغرب هو اضعافنا وشق صفوفنا وتدمير روسيا".
ومضى الرئيس الروسي يقول "يتم اللجوء أيضا إلى الابتزاز النووي ... أود تذكير الذين يقومون بتصريحات كهذه بأن بلادنا تملك أيضا وسائل دمار مختلفة بينها وسائل أكثر تطورا من تلك التي تملكها دول حلف شمال الأطلسي".
وقال وزير الدفاع الروسي إن روسيا "تحارب الغرب أكثر منه أوكرانيا".
ويشكل تنظيم استفتاءات في مناطق خاضعة للسيطرة الروسية في أوكرانيا والإعلان عن تعبئة جزئية في روسيا منعطفا في الغزو الروسي الذي بدأ في 24 شباط/فبراير.
ويكتسي إجراء الاستفتاءات لضم هذه الأراضي إلى روسيا أهمية مضاعفة كون العقيدة العسكرية الروسية تنص على إمكان اللجوء إلى ضربات نووية في حال مهاجمة أراض تعتبرها موسكو روسية.
ويرى مراقبون أن موسكو استخفت بقدرات الأوكرانيين على المقاومة خصوصا أن كييف تتلقى أسلحة من الدول الغربية.
وأتى خطاب بوتين بعدما تكبد الجيش الروسي خسائر في إطار الهجومات المضادة التي تشنها القوات الأوكرانية في منطقتي خيرسون في جنوب البلاد وخاركيف في شمالها الشرقي حيث اضطرت موسكو إلى تنفيذ عمليات انسحاب.
وقال شويغو الأربعاء إن الجيش الروسي خسر 5937 جنديا منذ بدء الغزو، وهي حصيلة أقل بكثير من التقديرات الأوكرانية والغربية التي تشير إلى مقتل عشرات آلاف الروس.
- "استفتاءات زائفة" -
على الأرض، تتواصل المعارك وعمليات القصف. واتهمت السلطات الأوكرانية روسيا بقصف موقع محطة زابوريجيا النووية الأكبر في أوروبا مجددا.
وعشية خطاب بوتين، أعلنت سلطات المناطق الانفصالية أو الخاضعة للاحتلال الروسي في أوكرانيا عن إجراء "استفتاءات" لضمها إلى روسيا بين 23 أيلول/سبتمبر و27 منه.
وستجرى هذه الاقتراعات في دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين في منطقة دونباس في شرق أوكرانيا فضلا عن منطقتي خيرسون وزابوريجيا المحتلتين في الجنوب.
وقد تعرض هذا الاعلان سريعا لانتقادات من أوكرانيا حيث خفف الرئيس فولودومير زيلينسكي من أهمية هذه "الاستفتاءات الزائفة".
وانتقدت الدول الغربية هذا التدبير واعتبرت برلين الاستفتاءات "وهمية" وواشنطن بأنها "زائفة".
ويجرى الاعداد لهذه الاستفتاءات التي ستكون على شكل تلك التي أضفت طابعا رسميا على ضم شبه جزيرة القرم (جنوب) إلى روسيا في 2014.
وقد تم تسريع الجدول الزمني مع الهجوم الأوكراني المضاد. وكان مسؤولون روس يتحدثون حتى الآن عن موعد الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر تزامنا مع يوم الوحدة الوطنية الروسية.