- بقلم: حمزة حماد
- مسؤول التجمع الإعلامي الديمقراطي
هكذا بدأ الأسير عضو القيادة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين «راجح قبلاوي» الذي أفرج عنه الاحتلال قبل أيام من سجن النقب، حديثه خلال كلمة له في احتفال نظمته الجبهة في مدينة جنين: «جئت هنا اليوم وأقف أمامكم، جئت من سجن النقب الصحراوي محملًا عدة رسائل من الأسرى الأبطال .. وأولها إنهاء الانقسام الأسود واستعادة الوحدة الوطنية من أجل التمكن من مواجهة الاحتلال الإسرائيلي».
ففي هذه الأيام التي يجري فيها الاستعداد لإجراء حوار المصالحة بالجزائر، يتعرض شعبنا الفلسطيني لعدوانًا همجيًا متواصلًا من قبل الاحتلال بشتى الأساليب والتجمعات الفلسطينية، لا سيما في الضفة والقدس العاصمة الأبدية وما تشهده من عمليات قتل، واغتيال، واعتقال، وهدم للمنازل، واقتحام متكرر للأقصى، إضافة للتوسع الاستيطاني الذي يهدف إلى إنهاء الوجود الفلسطيني وتشريع وجود الاحتلال على أرض فلسطين.
لم تكن قضية الأسرى بمعزل عن القضايا التي تهم شعبنا، وإن لم تكن في القلب منها أصلًا، حيث يعاني الأسرى المعتقلين من سياسة إسرائيلية إرهابية مُخالفة للقانون الدولي في محاولة لكسر إرادتهم، كما تقوم هذه السياسة على الإهمال الطبي، ومواصلة الاعتقال الإداري، وأساليب التعذيب، والحرمان من حق العلاج، والعزل الانفرادي، والمنع من الزيارة وغيرها.
ما يجري في المعتقلات الإسرائيلية بحق الأسرى هو امعان واضح، وسياسة قتل مُتعمدة تحت حجج وذرائع واهية، لا يمكن للأسرى النجاة منها إلا من خلال تفعيل قضيتهم على كافة المستويات، وتنشيط الدور الحقوقي والإنساني دوليًا من أجل نيل حريتهم الكاملة وذلك وفقًا لقرارات الشرعية الدولية التي تضربها «إسرائيل» بعرض الحائط أمام المطالبات الدولية بوقف هذه السياسة التي تعكس الوجه الإجرامي لها، والتي منحت شعبنا الحق في النضال من أجل حقوقه الثابتة في الحرية والاستقلال وتقرير المصير.
نستذكر عند الحديث عن هذه القضية، عملية «عملية نفق الحرية» التي وقعت صباح يوم 6 سبتمبر 2021م، أي في مثل هذه الأيام من العام الماضي، والتي احتفل بها شعبنا حين تمكن ستة أسرى فلسطينيون من انتزاع حريتهم من سجن جلبوع، من خلال حفر نفق في زنزانة السجن، والذي يُعد الأكثر تحصينًا سواء من الناحية الأمنية أو البنيوية. لقد أكد هذا الفعل البطولي والشجاع أن سياسات الاحتلال لم تُقهر المعتقلين، ولم تحقق هدفها في كسر إرادتهم الفولاذية رغم كل إجراءاته العنصرية، إضافة لحرمانهم من أدنى مقومات الحياة الآدمية التي تُعد منافية تمامًا لكل قوانين الأرض، بل قدم هؤلاء الأبطال نموذجًا في تحطيم المنظومة الأمنية الإسرائيلية أمام العالم، بل وذكروه بفعلهم هذا أنهم مستمرون في نضالهم المشروع حتى يروا شمس الحرية عما قريب.
والملاحظ أن الاحتلال يواصل انتقامه بعمليات القتل والاعتقال التي يشنها في مناطق الضفة والقدس، مُعتقدًا أنه بهذا الفعل يقيد شعبنا ويوقف دوره النضالي في الدفاع عن حقوقه، حيث يشير تقرير لهيئة شؤون الأسرى والمحررين أنه يوجد في سجون الاحتلال نحو (4650) أسيرًا موزعين على قرابة (23)سجنًا ومعتقلًا ومركز توقيف، بينهم (180 ) طفلًا و(32) من النساء و(743) معتقلًا إداريًا، وأكثر من (600) أسير يعانون أمراض مختلفة بينهم (23) أسيرًا مصابون بالسرطان وهذا ما أكده الأسير قبلاوي، إضافة لوجود (551) من بين الأسرى صدرت بحقهم أحكام بالسجن المؤبد مدى الحياة لمرة واحدة أو لعدة مرات.
ورصد التقرير أن أكثر من (135) ألف حالة اعتقال منذ توقيع اتفاقية أوسلو في سبتمبر/ أيلول 1993 من بينها قرابة (20) ألف طفل و(2500) من النساء، كما تنصل الاحتلال من الاتفاقيات السياسية الموقعة فيما يخص قضية الأسرى والمعتقلين (أي الإفراج عن المعتقلين منذ ما قبل اتفاقية أوسلو) الذين يعرفون «الدفعة الرابعة»، وما زالت تحتجزهم في سجونها وعددهم (25) أسيرًا فلسطينيًا، إضافة إلى ارتفاع قائمة شهداء الحركة الأسيرة إلى (231) شهيدًا وما زال الاحتلال يحتجز جثامين (9) شهداء من بينهم: أنيس دولة المحتجز جثمانه منذ العام 1980م. ومنذ مطلع العام الجاري (2022) سُجل نحو ((4847 حالة اعتقال من بينهم (585) طفلًا، و92)) سيدة، و(1365) أمر اعتقال إداري، أي أن هذه الأرقام الكبيرة تعكس الجريمة المتواصلة بحق الأسرى في السجون الإسرائيلية.
وتتواصل النداءات والمطالبات الدولية في إعلاء صوتها بضرورة وقف سلسلة الجرائم والانتهاكات التي تمارس بحق الأسرى والالتزام المبدئي بالنصوص القانونية التي تجرم الاعتداء بحقهم ومن أبرزها: اتفاقية جنيف الثالثة التي تشمل المادتين (13– 16) التي تنص: (على الدولة معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية دون أي تمييز ضار وأنه يجب تلبية الاحتياجات الطبية) .. أما الاتفاقية الرابعة تشمل المادة (32) وتنص: (تحظر الأطراف السامية المتعاقدة صراحة جميع التدابير التي من شأنها أن تسبب معاناة بدنية أو إبادة للأشخاص المحميين الموجودين تحت سلطتها)، والمادة (2) من اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها إسرائيل عام 1991م تنص: (عدم تبرير التعذيب)، والمادة (50) من نظام لاهاي تنص: (لا ينبغي إصدار أية عقوبة جماعية, مالية أو غيرها, ضد السكان بسبب أعمال ارتكبها أفراد لا يمكن أن يكون هؤلاء السكان مسئولين بصفة جماعية)، والمادة (5) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على أنه (لا يجوز إخضاعُ أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية)، والمادة (29) تنص: (التدابير الصحية الضرورية لتأمين نظافة المعسكرات وملاءمتها للصحة والوقاية من الأوبئة)، إضافة للمادة (30) التي تكفل الرعاية الطبية الكاملة.
لقد بات مطلوب فلسطينيًا، الاستجابة الفورية لنداء الأسرى في السجون وتعزيز نضالهم من خلال استعادة الوحدة الوطنية وإنهاء كل أشكال الانقسام، والانصياع إلى تطبيق قرارات الإجماع الوطني الصادرة عن مجلسي الوطني والمركزي، وتوفير الإرادة السياسية لإنجاح حوارات الجزائر المُقبلة، إضافة إلى وقف الرهان على السياسات الانتظارية الفاشلة التي أوصلت شعبنا كله لحد الموت، وتعزيز صوت الأسرى يتم عبر التحركات الشعبية والرسمية في إطار خطة استراتيجية كفاحية، تضمن تفعيل دور السفارات والجاليات أيضًا، بما يحقق مخاطبة المؤسسات الدولية وتحشيد تحركاتها لصالح هذه القضية الإنسانية التي تستحق منا الكثير.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت