-
فاضل المناصفة
أصبح الحديث عن استخدام النووي وعواقبه دارجا خلال الفترة الأخيرة خاصة بعد التهديدات التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإمكانية استخدام بلاده للسلاح النووي، في حين أن الرئيس الأميركي جو بايدن ذهب بعيدا في تصوراته من خلال إشارته لسيناريو “نهاية العالم” وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول إمكانية نشوب حرب نووية بين الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
تحركات مريبة
تحركات مريبة زادت من حدة مخاوف استعمال السلاح النووي خاصة مع تحريك روسيا القطار النووي في اتجاه الحدود الأوكرانية، واختفاء غواصة “يوم القيامة” التي تعتبر أكبر غواصة نووية في العالم. في المقابل طلبت بولندا من الإدارة الأميركية أن تنشر صواريخها النووية على الأراضي البولندية، لتصبح بذلك على مرمى حجر من روسيا، فلا يفصل بين روسيا وبولندا سوى أوكرانيا.
تسبب الغواصة النووية الروسية المسيرة “بوسيدون” في قلق عالمي وسط مخاوف من أن تستخدمها روسيا لإحداث تسونامي مشع، بعد أن اختفت غواصة بيلغورود التي تطلق بوسيدون من قاعدتها الرئيسية في القطب الشمالي.
يأتي ذلك بعد أن لوحت روسيا مراراً بأنها قد تستخدم الأسلحة النووية في الحرب الأوكرانية، حيث أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه لا يمزح في هذا الأمر، بينما قال رئيس مجلس الأمن القومي والرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف إن بلاده من حقها استخدام الأسلحة النووية للدفاع عن المقاطعات الأوكرانية الأربع التي ضمتها مؤخراً، فيما دعا رمضان قديروف، رئيس الشيشان، إلى الرد على الانتصارات الأوكرانية باستخدام أسلحة نووية تكتيكية.
تهديدات جدية
وخلال الفترة الأخيرة تبادلت روسيا والولايات المتحدة الأمريكة التهديدات ففي كلمة ألقاها الأسبوع الماضي وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلامه للشعب الروسي، قائلا: “أود أن أذكركم بأن بلادنا لديها أيضا وسائل تدمير مختلفة، وبعض المكونات أكثر حداثة من تلك الموجودة في دول الناتو”. وأضاف “إذا تعرضت وحدة أراضينا للتهديد، سنستخدم كل الوسائل المتاحة لحماية روسيا وشعبنا، هذا ليس خداعا. أولئك الذين يحاولون ابتزازنا بالأسلحة النووية يتعين أن يعرفوا أن الرياح يمكن أن تتحول ضدهم”.
البروفيسور مايكل ماكفول، الأكاديمي والسفير الأميركي السابق في روسيا، قال في تغريدة له على تويتر، إن الهدف من التهديد الروسي المتكرر باستخدام الأسلحة النووية، هو وضع قيود على المساعدات الأميركية المقدمة إلى أوكرانيا، “فعند وقوع الحرب النووية، لن تنفع الطائرات ولا الصواريخ ولا الدبابات”!
من جهة اخرى أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن في حفل لجمع تبرعات للحزب الديمقراطي مساء الخميس، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “لا يمزح بشأن الأسلحة النووية التكتيكية”.
وأضاف بايدن متحدثا عن التهديد النووي: “للمرة الأولى منذ أزمة الصواريخ الكوبية… لدينا تهديد بسلاح نووي إذا استمرت الأمور في الواقع على المسار الذي تسير فيه”.
وقال إنه قضى الكثير من الوقت في محاولة الحفاظ على تماسك الناتو، مشيرا إلى أن “هناك الكثير من التغييرات التي تحدث”، من دون أن يكشف عن ماهية تلك التغيرات.
وأكد بايدن أنه “يعرف بوتين جيدا إلى حد ما.. إنه لا يمزح عندما يتحدث عن الاستخدام المحتمل لأسلحة نووية تكتيكية أو أسلحة بيولوجية أو كيميائية، وتابع قائلا: “لا أعتقد أن هناك أي شيء مثل القدرة على (استخدام) سلاح نووي تكتيكي بسهولة وعدم انتهاء المطاف بهرمجدون”.
قال أمين عام حلف شمال الأطلس “ناتو”، ينس ستولتنبرغ، اليوم الأربعاء، إن روسيا ستواجه عواقب وخيمة إذا استخدمت أسلحة نووية مشددا على أن النصر مستحيل في أي حرب نووية.
وقال إن الحلف مستعد لحرب طويلة في أوكرانيا مشيرا إلى أن تزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي أولوية قصوى للحلفاء.
في حين قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، إن الحلف الذي يضم 30 دولة سيجري تدريبات مخطط لها منذ فترة طويلة، الأسبوع المقبل لاختبار حالة استعداد قدراته النووية.
ويتضمن التدريب السنوي، طائرات قادرة على حمل رؤوس حربية نووية، كما تشارك الطائرات التقليدية وطائرات الاستطلاع والتزود بالوقود بشكل روتيني في المناورات.
واعتبر ستولتنبرغ أن الخسائر في الأرواح التي خلفتها الهجمات الصاروخية “مروعة”، مشيرا إلى أن قصف المدن والبنية التحتية أمر غير مقبول على الإطلاق، لاسيما البنية التحتية الخاصة بالطاقة بينما فصل الشتاء على الأبواب، قائلا “هذا أمر خطير للغاية ويذكرنا بوحشية هذه الحرب غير القانونية التي انتهكت من خلالها روسيا القانون الدولي عبر غزو دولة مستقلة ذات سيادة، ولابد أن يكون ردنا بمواصلة دعم أوكرانيا وحقها في الدفاع عن نفسها”، منوها إلى أن الحلف ليس جزءا من الصراع لكنه له الحق في مساعدة دولة تدافع عن نفسها.
ترسانة نووية
التهديدات باستخدام النووي من طرف روسيا والولايات المتحدة لم تأتي من فراغ فوراء هذه التهديدات ترسانة نووية عملاقة فبحسب البيانات المعلنة للتسلح النووي العالمي، ومنها تلك التي نشرتها منظمة “آيكان”، الحائزة على جائزة نوبل للسلام لعام 2017، اعترافا بفاعلية حملتها التحذيرية من خطر السلاح النووي، فإن روسيا تمتلك أكبر ترسانة نووية في العالم، إذ يبلغ عدد الرؤوس النووية الحربية لديها 6255 رأسا نوويا، منها 1588 جاهزة للإطلاق، ويعتبر هذا الرقم أقل كثيرا مما كان بحوزة الاتحاد السوفياتي الذي احتفظ بترسانة نووية بحجم 45 ألف رأس نووي، حتى عام 1986.
وتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثانية، إذ تمتلك 5550 رأسا نوويا، منها 1644 معدة للإطلاق، يفوق قليلا ما لدى روسيا. بينما تأتي الصين في المرتبة الثالثة، إذ يوجد لديها 350 رأسا نوويا، وفرنسا في المرتبة الرابعة، بـ290 رأسا نوويا، وبريطانيا في المرتبة الخامسة بـ225 رأسا نوويا، وفي السادسة باكستان بـ165 رأسا نوويا، ثم الهند التي لديها 156 رأسا نوويا، ثم إسرائيل التي لديها 90 رأسا نوويا، وأخيرا كوريا الشمالية التي يُعتَقد بأن لديها ما بين 40-50 رأسا نوويا.
لهذا قد تستخدم روسيا النووي
التحذيرات التي اطلقها السياسيون الروس وعلى رأسهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تطرح سؤال جوهري حول إمكانية شن روسيا هجمات بالسلاح النووي وفي رده على هذا السؤال ، أشار الكولونيل المتقاعد في الجيش الألماني فولفجانج ريختر إلى أنه منذ بداية الحرب، “سمعنا بشكل متكرر مثل هذه التحذيرات التي يمكن تفسيرها على أنها تهديد باستخدام الأسلحة النووية”. وفي مقابلة مع DW، قال ريختر بأن “الهدف من وراء هذه التهديدات بعث رسالة إلى الدول الغربية مفادها: إذا تدخلتم في الحرب أو هاجمتم أراض روسية، فمن المرجح كثيرا شن هجوم نووي“.
وأضاف ريختر، الباحث البارز في شؤون الأمن الدولي في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن العقيدة الروسية تشير إلى حالتين فقط تجيزان استخدام السلاح النووي، قائلا: “الحالة الأولى تتمثل في تعرض روسيا نفسها لهجوم بالأسلحة النووية أو بأسلحة دمار شامل أخرى، أما في الحالة الثانية فيجوز استخدام هذا السلاح عندما يكون وجود الدولة الروسية وبقائها على المحك”. وقال الباحث إنه لا يوجد أساس في القانون الدولي يؤكد الزعم بأن الدفاع عن روسيا يشمل نشر أسلحة نووية للدفاع عن الأراضي التي تقول موسكو أنها تحتلها داخل أوكرانيا.
غرهارد مانغوت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إنسبروك النمساوية أن “القيادة الروسية ترغب في بعث رسالة لأوكرانيا و للحكومات الغربية مفادها أن روسيا قادرة بل وربما مستعدة لاستخدام الأسلحة النووية. ويعد هذا في الوقت الحالي بمثابة رسالة ردع لدفع أوكرانيا إلى الكف عن هجماتها ولدفع الغرب إلى عدم مواصلة تسليح كييف“.
لكن مانغوت حذر من أنه إذا فشلت التهديدات الروسية في وقف الهجمات التي تشنها القوات الأوكرانية، فإن بوتين قد ينتقل إلى المرحلة التالية المتمثلة في “إجراء اختبار سلاح نووي تكتيكي فوق البحر الأسود أو في شبه جزيرة كامتشاتكا.”
وحذر أيضا من أنه في حالة عدم نجاح هذا السيناريو، فإن روسيا قد تنتقل إلى السيناريو الأخطر وهو استخدام سلاح نووي تكتيكي، مضيفا “لن يُستخدم هذا السلاح في الخطوط الأمامية أو خط المواجهة وإنما في أماكن بعيدة عن المناطق الأوكرانية الحضرية المأهولة بالسكان“.
بدوره، يعتقد رالف تيله، الخبير العسكري والكولونيل السابق في الجيش الألماني، أنه إذا فشل سيناريو استخدام روسيا للسلاح النووي في استهداف مناطق غير مأهولة، فإن موسكو قد تقدم على محاولة “مهاجمة أهداف سياسية واقتصادية في أوكرانيا.”
وفي ذلك، أوضح “قد يكون ذلك عبارة عن انفجار ينجم عنه نبضة كهرومغناطيسية من القوة بما يكفي لتدمير كل شيء يعمل بالكهرباء في منطقة تبلغ مساحتها مئات الكيلومترات المربعة: السيارات، التلفزيونات، الأقمار الصناعية، أجهزة الكمبيوتر ومحطات الكهرباء… قد يكون هذا خياراً“.
الناتو لا يستطيع استخدام النووي
بحسب العديد من المحللين السياسيين فإنه من الصعب على الناتو، أخلاقيا وسياسيا وعسكريا، أن يقابل أي هجوم نووي روسي بالمثل، لأنه سيفقد الشرعية الأخلاقية التي يحارب روسيا بها، بينما ستتضرر الحكومات الغربية سياسيا إذا هي تصرفت كما يتصرف بوتين، الذي تصفه بشتى الأوصاف السيئة، والأهم من ذلك، هو أن الأضرار المترتبة على الرد النووي ستكون هائلة، وقد تعود الإشعاعات على الدول الأعضاء في الحلف، أو الصديقة له، أو غير المعنية بالصراع، إذ لا يمكن التحكم بأبعاد السلاح النووي أو مدى انتشار إشعاعاته، وروسيا تعرف هذه الحقيقة وتستغلها.
وفي كتاب للمؤلف المؤلف Fred Kaplan في كتابه الصادر عام 2020 وعنوانه «القنبلة»، والذي طرح فيه خياران للرد الأميركي على سيناريو متصوَّر تحتل فيه روسيا بلداً من بلدان دول البلطيق، وتستخدم أسلحة نووية تكتيكية:
أولاً: الرد النووي المباشر على بوتين؛ لأن أي خيار آخر سيُظهر عجز الإدارة الأميركية ويُفقدها ثقة الحلفاء وتنهار مصداقيتها؛ هذا الخيار، بالمقابل، قد يدفع بوتين لمضاعفة الرد. ولتجنب ذلك استقر الرأي على أن تضرب أميركا نووياً دولة بيلاروسيا الحليفة لموسكو.
ثانياً: الرد نووياً خطأ كبير؛ لأنه يُفقد أميركا علوها الأخلاقي، والأفضل الرد بأسلحة تقليدية تدمر القوات الروسية، والعمل على تأليب الرأي العام الدولي ضدها، واتهامها بأنها كسرت المحرَّم (التابو) النووي.
وتتجلى أهمية السيناريوهات في أن الخيار الثاني والذي يعبر عن رأي Colin Kahl الذي يشغل حالياً منصب وكيل وزارة في وزارة الدفاع للشؤون السياسية في إدارة الرئيس بايدن؛ ووجوده الآن يرجح اعتماد الإدارة الأميركية رأيه؛ وما يجعل هذا الخيار مرجحا هو تطابقه مع تصريح رئيس المخابرات السابق الجنرال الأميركي ديفيد باتريوس مؤخراً بأن الولايات المتحدة وحلفاءها سيردّون على استخدام بوتين أسلحة نووية تكتيكية «بتدمير كل قوة عسكرية تقليدية روسية موجودة في أوكرانيا، وفي جزيرة القرم وكل سفينة عسكرية في البحر الأسود».
ورأى خبراء أيضاً أن حلف الناتو قد يفرض حظر طيران فوق أوكرانيا، وهذا سيضع الروس في موقف صعب جداً؛ لأن استخدامهم ثانية للسلاح النووي سيجعلهم في موقع صعب جداً أمام حلفائهم الصينيين والهنود الذين يؤمنون بنظرية «negative nuclear assurances» بمعنى عدم استخدام الأسلحة النووية ضد أية دولة غير نووية، وكذلك رفض الضربة الاستباقية النووية؛ وأوكرانيا دولة غير نووية، واستهدافها بالنووي ليس مقبولاً لدى الصين أو الهند،
وعليه فإن استخدام النووي يبقى رهن التطورات الميدانية التي يصعب تكهن مستجداتها خاصة في ظل التغيرات التي تطرأ بين عليها بين اللحظة والأخرى.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت