أعلنت لجنة 1922 في حزب المحافظين ، يوم الاثنين، أن ريشي سوناك سيكون زعيم الحزب الجديد، ليصبح في طريقه لأن يكون رئيس الوزراء المقبل في بريطانيا.
وتضع اللجنة قواعد اختيار وتغيير زعيم الحزب.
وقال سوناك في أول تصريح له كزعيم لحزب المحافظين: "انتهى وقت السجالات الداخلية في الحزب".
ويذلك، يدخل ريشي سوناك التاريخ من أوسع أبوابه، كونه أول رئيس وزراء بريطاني من أصول مهاجرة في تاريخ البلاد، كما أنه أول رئيس وزراء غير أبيض يبلغ هذا المنصب.
ولم يكن طريق سوناك لرئاسة الوزراء مفروشا بالورود، بعد فشله في المنافسة أمام رئيسة الوزراء المستقيلة ليز تراس لخلافة رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون، رغم حصوله على تأييد واسع من نواب حزب المحافظين إلا أنه لم يقنع على ما يبدو الكتلة الناخبة للحزب (130 ألف عضو).
ومثلما كان باراك أوباما أول رئيس أميركي أسمر ومن أصول أفريقية، فإن ريشي سوناك حقق هذا الإنجاز في بريطانيا؛ فهو من أصول هندية، ويرى مراقبون أن التاريخ أنصفه في وقت قصير، بعد أن تبيّن أن تحذيراته من خطة ليز تراس الاقتصادية سوف تجر على البلاد خسائر كبيرة، وذلك ما كان بالفعل.
مهاجر من أصول هندية
يعدّ ريشي سوناك حديث عهد بتقلد المناصب الكبيرة في بلاده، فهو لم يصبح برلمانيا عن حزب المحافظين إلا في عام 2010، وتقلد مناصب حكومية صغيرة في حكومة تيريزا ماي، قبل أن يصبح وزيرا للخزانة سنة 2020 في حكومة بوريس جونسون.
ولد سوناك لأبوين من أصول هندية، قدما إلى بريطانيا، فاشتغل الوالد في الطب والوالدة كانت تمتلك صيدلية، مما منحه وضعا ماديا مريحا، أهّله لدخول جامعة أكسفورد العريقة. وعلى مدى سنوات، ظل ريشي سوناك بعيدا عن السياسة، حيث انشغل بمجال المال والأعمال، وعمل مستشارا لأكبر المؤسسات البنكية في العالم.
ويُعرّف سوناك غالبا على أنه من أغنى السياسيين في البلاد، وهذا راجع لثروة زوجته (أكشاتا مورثي) التي تعد من أغنى نساء المملكة المتحدة، وحول ثروتها أثير كثير من الجدل بعد الكشف عن استفادة شركاتها من الملاذات الضريبية بعيدا عن بريطانيا.
وفي الظروف العادية، كان سوناك الرجل المناسب لخلافة بوريس جونسون وقيادة البلاد وهي في أسوأ ظروفها الاقتصادية، حيث التضخم هو الأعلى منذ 40 سنة، عوضا عن الركود الاقتصادي، إذ إنه أظهر حنكة في التعامل مع وباء كورونا، وأدار دفة خزينة المملكة المتحدة بشكل جيد.
لكن قاعدة حزب المحافظين كانت لها حسابات وأسئلة أخرى، وفضلت ليز تراس على ريشي سوناك الذي انسحب حينئذ بهدوء وظل مصمما على موقفه بأن وعود ليز تراس لن تكلّل بالنجاح.
مصادفات التاريخ
لعبت المصادفات التاريخية دورا مهما في صعود نجم ريشي سوناك، بدءا بتوليه منصب وزير الخزانة في ظروف صعبة، تمثلت في فترة جائحة كورونا، حينئذ قام سوناك بتدبير الأزمة باحترافية عالية أسهمت في عدم فقدان مئات الآلاف لوظائفهم، وتقديم مساعدات للفئات المحتاجة، وقروض ميسرة للشركات المتضررة من الإغلاق. بعد ذلك سيكون سوناك، القشة التي قصمت ظهر بوريس جونسون، عندما أعلن سوناك تقديم استقالته من هذه الحكومة واتهام جونسون بأنه لا يخدم مصلحة البلاد، بعد تورط رئيس الحكومة في العديد من الفضائح التي خرق فيها قواعد العمل الحكومي، وشكلت استقالة سوناك ضربة قوية لجونسون أجبرته على الاستقالة من منصبه.
وعندما خسر السباق لرئاسة الوزراء أمام ليز تراس، اعتقد الجميع أن المسار السياسي لريشي سوناك قد توقف إلى حين، خصوصا بعد أن ظهر أن قواعد حزب المحافظين غير مهيئة لقبول زعيم لها من أصول مهاجرة.
وأنصفت الأيام ريشي سوناك، فقد كان يردد أن خطط ليز تراس الاقتصادية غير واقعية وسوف تفاقم أزمات البلاد، وبالفعل صدقت توقعات سوناك، وهو ما زاد من رفع أسهمه في صفوف المحافظين، حتى تشكلت قناعة لدى نواب حزب المحافظين أن سوناك هو رجل المرحلة خصوصا بخلفيته الاقتصادية القادرة على فهم مشاكل البلاد والعمل على حلها.
ويعلم سوناك أنها فرصته التاريخية رغم الظروف الصعبة التي تواجهها البلاد، إلا أن عاملا مهما سيلعب لمصلحته هو ضمان تأييد الكتلة البرلمانية لحزب المحافظين، فكلهم يعلمون أن هذه فرصتهم الأخيرة، وعليهم الالتفاف حول زعيمهم الجديد، وفي حال فشله فالخيار سيكون انتخابات مبكرة، وكل استطلاعات الرأي تشير إلى أن أي انتخابات سابقة لوقتها ستحمل حزب العمال إلى الحكم.
متشدد مع المهاجرين
بالعودة لتاريخ تصويت ريشي سوناك على قوانين الهجرة واللاجئين، فإن هذا السياسي ذي الأصول الهندية كان دائما من مؤيدي أي قانون يقلص أعداد المهاجرين للبلاد، وكذلك يتشدد في موضوع استقبال اللاجئين.
وخلال قيادته لوزارة الخزانة التي تعدّ ثاني أهم وزارة بعد رئاسة الوزراء، منح كثيرا من التمويل لكل الجهود المبذولة لمنع وصول اللاجئين عبر القناة البحرية.
ولم يصدر عن سوناك أي موقف معارض للقوانين المثيرة للجدل الخاصة بالهجرة، مثل قانون الجنسية والحدود، الذي يمهد لسحب الجنسية من أي شخص حتى من دون إخباره بالأمر، أو مشروع ترحيل المهاجرين إلى رواندا وهو المشروع الذي ما زال مجمدا في انتظار قرار المحكمة العليا البريطانية.
ومن المتوقع أن يواصل سوناك سياسية حزبه المتشددة في موضوع الهجرة كسبا للكتلة الناخبة المحافظة واليمينية، إلا أنها قد لا تكون أولوية حكومته حيث ستبقى الأولوية للملفات الاقتصادية.