- محمد سيف الدولة
- [email protected]
الرأسمالية، الاقتصاد الحر، اقتصاد السوق، ريادة القطاع الخاص، طمأنة رجال الاعمال، تشجيع الاستثمار، تسهيلات للمستثمرين.
هذه الاسطوانة المشروخة التى يتبناها ويرددها ويضغط من أجلها، صندوق النقد والبنك الدوليين، والشركات متعددة الجنسية، ومنظمة التجارة العالمية، وشبكات المصالح الأجنبية والعربية، ومؤسسات التصنيف الائتمانى، وغرفة التجارة الامريكية، ويرددها وراءهم صناع القرار والوزراء ورجال الأعمال والاعلام وكل المشاركين فى المؤتمر الاقتصادى.
هذه الاسطوانة أو النظرية أو السياسة أو التوجه أو الرؤية أو الانحياز أو المدرسة، سمها ما شئت، التى ابتلانا بها السادات منذ 1974، وتم ترسيخها منذ ذلك الحين تحت رعاية وقيادة الولايات المتحدة الامريكية وسوقها الدولى.
انه الانفتاح الاقتصادى إياه، الذى خرب بيوت المصريين وفتح الابواب لرؤوس الاموال الاجنبية لتخترق الاسواق المصرية وتضرب وتصفى القطاع العام وتدمر الصناعات الوطنية وتنهب مقدرات البلاد، وتغرق مصر فى الديون، وتصنع طبقة رأسمالية مصرية تابعة ووكيلة وشريكة، تحتكر مع رجال السلطة الثروة والنفوذ فى خدمة المصالح الاجنبية، وتزرع التبعية والمعاناة والفقر والبطالة والعشوائيات والمرض والجهل.
***
· فى السبعينات مع تسليم مصر من بابها للولايات المتحدة، وبعد الصلح مع (اسرائيل)، تم ضخ مليارات الدولارات والريالات والاستثمارات فى مصر، وكانت النتائج كارثية.
· ومع الانفتاح الاقتصادى تم منح سيل من الاعفاءات الضريبية والجمركية للمستثمرين، فماذا حصد المصريون؟
· وبعد حرب الخليج الثانية 1991 كوفئت مصر مبارك على قيامها بدور المُحَلل والمِحرِم للقوات الامريكية لاحتلال الخليج واختراق المنطقة تحت ذريعة تحرير الكويت، بإلغاء مليارات الدولارات من ديونها للأمريكان ودول الخليج ونادى باريس، ورغم ذلك استمر الخلل الاقتصادى والظلم الاجتماعى فى أبشع صوره.
· وفى الأربعين عاما الماضية، تم بيع وخصخصة القطاع العام بالمليارات، فأين ذهبت هذه الاموال؟
· ان قصص نهب المال العام وأراضي البلاد وثرواتها وقروض البنوك، فى ظل سياسات وتوجهات وريادات المستثمرين ورجال الاعمال والقطاع الخاص واقتصادهم الحر، أصبحت موثقة ومعروفة ومنشورة فى كل مكان، فهل نسينا ؟!
***
ان النظام الرأسمالى عموما وفى مصر على وجه التأكيد هو نظام طبقى مفترس ومفقر ومستغل ومصاص لدماء الشعوب، نظام ليس له قلب ولا وطن ولا دين ولا عقيدة ولا اخلاق ولا ضمير ولا رحمة. بل له اله واحد هو "الربح" والمكسب بأى وسيلة، وبرنامجه وأدواته فى ذلك معلومة ومحفوظة:
1) حرية السوق بلا ضوابط، وبلا استراتيجية للاستقلال والتنمية والاكتفاء الاقتصادى، مع تجاهل تام للاحتياجات الرئيسية للمجتمع او للمواطنين، وإطلاق حرية الربح والتربح بلا أى ضوابط أو أولويات وطنية أو اجتماعية او شعبية، فقط الربح ثم الربح.
2) فتح الأسواق للاستثمارات الأجنبية بلا حدود أو ضوابط، مع رفع القيود على تحويل الأموال الى الخارج، وتكوين طبقة واسعة من التابعين أصحاب التوكيلات لآلاف المنتجات الأجنبية ولو كانت تضرب الصناعات الوطنية المماثلة.
3) التطبيع والاستثمار والتجارة والبيزنس مع (اسرائيل) فى الكويز والبترول والغاز وغيرها، ولو كان ضد المصالح الوطنية والقومية.
4) تخفيض واضعاف العملة الوطنية (التعويم)، وفتح الاستيراد بلا ترشيد للأولويات أو للعملة الصعبة وبلا ترشيد للاستهلاك مع إلغاء أى حماية جمركية للصناعات الوطنية.
5) سلع بالغة الترف والغلو والرفاهية وسوق استهلاكي للاغنياء فقط مع فوضى المضاربة فى الأسعار والاراضى والعقارات وتأسيس المنتجعات والقرى السياحية والمشاريع الترفيهية.
6) الاقتراض من البنوك بأقل ضمانات لنخبة محددة ومحدودة من رجال الاعمال، مع الحق فى التصالح بدلا من المحاكمات فى اى جرائم مالية او فساد.
7) استئثار قلة قليلة بالدخول الهائلة وثروات وموارد البلاد بلا رقيب أو أسقف أو ضرائب إضافية وتصاعدية.
8) الاحتفاظ بسوق من العاطلين للتحكم فى الأجور، وخلق بطالة مقصودة ومنهجية، مع التعيين بلا عقود، والفصل بلا قيود.
9) الانحياز الكامل للقطاع الخاص، وتخريب وافساد ما تبقى من القطاع العام ليفقد القدرة على المنافسة تمهيدا لبيعه وتصفيته.
10) إغراق الدولة فى قروض وديون وفوائد لا تنتهى، واخضاعها الكامل لتعليمات الدائنين فى نادى باريس ولمؤسسات الاقراض الدولى، ولتعليماتهم وروشتاتهم التى تدمر الدول وتفقر الشعوب، والأمثلة لا تحصى.
وهكذا ..
***
والنتائج الكارثية لهذه السياسات والانحيازات أصبحت معلومة للجميع، من هيمنة اجنبية واستئثار بالثروة وزيادة نسبة البطالة والفقر والفقراء وارتفاع الاسعار وتراكم الديون وانهيار الجنيه ..الخ، وكلها حقائق مؤكدة وموثقة ومنشورة فى مئات التقارير المحلية والدولية، وقبل ذلك وبعده فى أحوال الناس وتدهور أحوالها المعيشية.
وليس صحيحا على أى وجه ما يتم الترويج له اليوم من ارتباط التدهور الاقتصادى والمالى فى مصر بالأزمة العالمية الحالية أو حتى بثورة يناير، فهو تدهور مزمن ومتأصل ومتصاعد منذ السبعينات والثمانينات.
***
لقد هَرِمَ مفكرو مصر وكتابها وقواها الوطنية وتياراتها السياسية على امتداد أكثر من 40 عاما، وهم يناضلون ضد هذه الانحيازات الاقتصادية والطبقية، وصدرت مئات الكتب والدراسات والبرامج والتصورات والرؤى والبدائل من مفكرين راحلين وباحثين معاصرين مرموقين، ضد هذه السياسات العقيمة المعادية لمصالح وحقوق واحتياجات غالبية المصريين. ولذلك جاء هدف العدالة الاجتماعية، على راس اهداف وأحلام ثورة يناير.
أما اليوم ومع انعقاد هذا المؤتمر الاقتصادي المعبر عن تحالف الدولة مع رؤوس الأموال، فانه قد غاب تماما عن المشهد، أى تيار يدافع عن مصالح وحقوق الغالبية العظمى من الشعب المصري من الطبقات المتوسطة والفقيرة ويمثلها ويطرح رؤيته الاقتصادية الوطنية البديلة.
*****
القاهرة فى 24 اكتوبر 2022
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت