قصة بدأت بفوج الكرمل

بقلم: علي بدوان

سيارات الجيش العراقي.png
  • بقلم علي بدوان ... عضو اتحاد الكتاب العرب

دخلت القوات العراقية الى إمارة شرقي الأردن للولوج نحو فلسطين أواخر العام 1947. بقواتٍ ضخمة، كان عتادها متطوراً آنذاك، وقد فاق عديدها أربعين الفاً، بقيادة الفريق نور الدين محمود. فضلاً عن عدة اسراب من طائرات القوة الجوية العراقية من طراز (هوكر هنتر) التي هبطت في مطار المفرق الأردني (مطار دايتسون)... لكن من ولج الى فلسطين من تلك القوات لم يتعدى الخمسة آلاف، بينما بقيت قوات الجيش العراقي بغالبيتها شرقي النهر (أي في إمارة شرقي الأردن).

القوات العراقية التي دخلت الى فلسطين، وعديدها نحو خمسة آلاف كما أشرنا أعلاه، كانت بقيادة اللواء عمر علي بيرقدار ـــــــ وقد تعرّفت عليه قبل وفاته عام 2000 م في بغداد، وسمعت منه الكثير عن حرب فلسطين ــــــــ واستبسلت وقاتلت بكل طاقتها تحت قيادة اللواء عمر علي، وسطَّرت أسفاراً مجيدة في تاريخ الجيش العراقي ودوره القومي، عندما سيطرت القوات العراقية على مناطق واسعة نسبياً من فلسطين، في قرى مثلث الكرمل، ومجموع البلدات الواقعة جنوب وغرب مدينة حيفا، اضافة لمدينة جنين وريفها، ولمنطقة المثلث بكاملها تقريباً. وأذاقت عصابات الهاجناه الطعم الزؤام في معارك اللد ويافا التي كان يقودها اسحق رابين، ولنا أن نعود لمذكرات اسحق رابين الصادرة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت تحت عنوان "يوميات مقاتل"، وفيها ماكتبه عن دور الجيش العراقي وما الحقهم بهم من خسائر باهظة في معارك اللد ويافا.

بسالة الجيش العراقي على أرض فلسطين، وشهدائه الأبرار مزروعة حتى الآن من خلال مثوى شهداء الجيش العراقي في نابلس والمثوى الثاني في جنين، حيث يرقد تحت تراب فلسطين نحو 250 شهيداً من الشهداء البررة من قوات الجيش العراقي. الذين لم ينساهم شعبنا، من خلال اهتمامه بمثوى شهداء الجيش العراقي في نابلس والمثوى الأخر في جنين، حيث الإهتمام الدائم بتلك المقبرتين، وزيارة قبور الشهداء في العيدين : عيد الفطر، وعيد الأضحى، والمناسبات الوطنية الفلسطينية والعراقية، ووضع اكاليل الورود.

الطامة الكبرى كانت في اتضاح المؤامرة التي حاكتها بريطانيا مع عدد من دول المنطقة وحكوماتها، ومنها حكومة نوري السعيد في العراق، وبانت الأمور جلية من خلال :

أولاً، احجام حكومة نوري السعيد في العراق عن زج باقي القوات العراقية نحو فلسطين، بل تركتها في مكانها في شرقي النهر (أي في الأردن)، ونأت عن استخدام اسراب القوة الجوية العراقية، والتي بقيت مرابطة في مطار دايتسون في صحراء المفرق في الأردن.

ثانياً، انسحاب القوات العراقية المفاجىء من فلسطين، رغم الإنتصارات الكبرى التي حققتها في دحر مجموعات وعصابات الهاغناه، وادعاء نوري السعيد بأن "قوات الجيش العراقي دخلت الى فلسطين لتنفيذ قرار التقسيم 181 فقط".

ثالثاً، قيام القوات العراقية وبأوامر من حكومة نوري السعيد، بإجلاء مواطني قرى مثلث الكرمل (جبع الساحل + عين غزال + إجزم) والقرى المحيطة بواقع خمسة آلاف مواطن فلسطيني تقريباً، ونقلهم بسيارات الجيش العراقي عبر الصحراء الأردنية والعراقية (كما في الصورة المرفقة) الى العراق، وصولاً الى معسكر الشعيبة على شط العرب قرب مدينة البصرة، وعلى مسافة نحو 3000 كيلومتر من قرى حيفا، تحت إدعاء أن رجال تلك القرى وشبانها تطوعوا في الجيش العراقي تحت مُسمى تشكيل (فوج الكرمل الفلسطيني). وهكذا ساهمت حكومة نوري السعيد بواقعة الترانسفير، فتم بأوامرها النكراء الإساءة للعراق ولبطولات وتضحيات الجيش العراقي، الذي خانه نوري السعيد فنال جزائه من شعب العراق البطل بعد فترة من نكبة فلسطين.

رابعاً، رفض حكومة نوري السعيد، وجود وكالة الأونروا في العراق لخدمة لاجئي فلسطين وفق قرار قيامها بقرارٍ دولي من الأمم المتحدة بعد النكبة عام 1949، وإدعائه (أي نوري السعيد) أن الفلسطينيين في العراق الذين قام الجيش العراقي بنقلهم من فلسطين الى البصرة، في "ضيافة الشعب العراقي وليسوا بحاجة لخدمات الأونروا"، متجاوزاً معى قيام وكالة الأونروا باعتباره الشاهد التاريخي والأممي لنكبة فلسطين، وهي الجهة الدولية الوحيدة التي تحتفظ وتُحدّث يومياً سجلات اللاجئين الفلسطينيين ونفوسهم في أقاليم عملها (لبنان + سورية + الأردن + قطاع غزة + الضفة الغربية والقدس الشرقية).

(ملاحظة أولى : تبقى بطولات الجيش العراقي وشعب العراق راسخة بشأن القضايا القومية والوطنية، واستذكر كتابات مدونة على جدار حائط "استراحة بلاد الشام" بعد قطع الحدود السورية نحو بغداد، ومنها التالي : إسألوا فلسطين والجولان عنَّا ... كم شهيداً فيها منّا).

(ملاحظة ثانية : لاننسى على الإطلاق دور شباب العراق ورجالاته في الثورة الفلسطينية المعاصرة، التي كانت ومازالت تضم في صفوفها خيرة المناضلين من العراق).

شهداء الجيش العراقي نابلس.jfif

 

شهداء العراق فلسطين.jfif

 

شهداء الجيش العراقي جنين.jfif


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت