ملاحظات حول الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة

بقلم: سنية الحسيني

بتسلئيل سموتريتش.jpg
  • د. سنية الحسيني

عاد بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الأطول عمراً في قيادة البلاد في إطار تاريخها القصير، لصدارة الحكم للمرة الثالثة، وذلك بعد غياب عنه لم يتجاوز العام ونصف العام. وكانت المرة الأولى التي وصل فيها نتنياهو إلى الحكم ما بين عامي ١٩٩٦ و١٩٩٩، بينما تميزت المرة الثانية بطول مدتها والتي جاءت ما بين عامي ٢٠٠٩ و٢٠٢١. وتعتبر هذه الانتخابات الخامسة في غضون أربع سنوات، عانت خلالها البلاد منذ العام ٢٠١٩ من عدم الاستقرار السياسي. ويعود الفضل في فوز نتنياهو هذه المرة في انتخابات "الكنيست" الأخيرة، إلى تحالفه مع أقصى اليمين الصهيوني، وبذلك جلب نتنياهو معه الى الحكم التحالف الأشد يمينية وتطرفاً في تاريخ إسرائيل. لا يستطيع نتنياهو تشكيل حكومته الآن الا بدعم التحالف اليميني الكاهاني المتطرف، الذي يعمل صراحة ضد الوجود والمستقبل الفلسطيني، والذي بات يشكل القوة الحزبية الثالثة في إسرائيل، والحزبين اليمينيين الدينيين، شاس ويهدوت هتوراه، اللذين يهدفان صراحة لتشكيل دولة دينية يهودية، أي ستتميز الحكومة القادمة بالتطرف الديني وضد الفلسطينيين على حد سواء.

 

يسعى التحالف الجديد لإضفاء الطابع الديني على دولة الاحتلال من جانب، ومحاربة الوجود الفلسطيني في أراضي العام ١٩٤٨ ورفض قيام دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧ من جانب آخر. ويتكون التحالف اليميني الصهيوني مع نتنياهو من حزب "الصهيونية الدينية" بقيادة بتسلئيل سموترتيش والذي يتحالف مع الحزب الكاهاني "القوة اليهودية" بقيادة ايتمار بن غفير. اتفق الطرفان حول ضرورة التعامل مع الفلسطينيين بقبضة حديدية، واستغلا التوتر في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، لحث اليمين في إسرائيل على دعمهما. ويدعو الأول صراحة للضم الصريح للأراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧، أي أراضي الضفة الغربية بما فيها القدس، ويطالب صراحة بإلغاء الإدارة المدنية للاحتلال في الضفة الغربية، وتحويل مهامها إلى الوزارات الإسرائيلية المعنية، في سبيل بسط السيادة على الأراضي المحتلة. ويدافع كذلك عن إرهاب المستوطنين ضد الفلسطينيين. كما يطالب بحصر الموافقة على خطط البناء الاستيطاني في الأراضي المحتلة بالمستوى السياسي فقط، وإلغاء دور وزارة الحرب "الدفاع" على ذلك، والتي تؤجل أحياناً اتخاذ مثل تلك القرارات لدواعٍ أمنية. كما يدعو إلى التمييز في المعاملة بين اليهود والفلسطينيين، داخل أراضي ١٩٤٨، فدعا لفصل اليهوديات عن الفلسطينيات في المستشفيات على سبيل المثال. وينادي سموتريتش بضرورة التشدد في حرمة يوم السبت، وإخضاع خدمات المؤسسات الحكومية والوزرات لتعاليم الدين اليهودي. كما يؤيد تمرير قوانين في الكنيست بهدف الحد من نفوذ المحكمة العليا في مهامها الدستورية، لتقليص صلاحياتها بمراقبة القوانين التي يصدرها الكنيست.

 

يعد بن غفير إرهابياً بامتياز، بدأ نشاطه المعادي للعرب في سن مبكرة، من خلال عضويته في حركة كاخ الإرهابية، برئاسة مائير كاهانا، والتي صنفت وحدها من بين المنظمات الإسرائيلية الأخرى كحركة إرهابية من قبل دولة الاحتلال وكذلك الولايات المتحدة لشدة اجرام ممارساتها ضد الفلسطينيين. وبرز من خلال نشاطه في مستوطنة كريات أربع المقامة على أراضي الخليل. أدين عام ٢٠٠٧ بممارسة أعمال عنصرية والتحريض عليها وكذلك دعم منظمة إرهابية. وارتبط اسمه بحادثة اغتيال رئيس الوزراء السابق اسحق رابين، وأُعفي من الخدمة العسكرية لسجله الجنائي. يعتبر من المعجبين بالإرهابي باروخ غولدشتاين، الذي قتل ٢٩ فلسطينياً أثناء صلاتهم في المسجد الإبراهيمي في الخليل عام ١٩٩٤، حيث علق صورته في منزله. يعمل محامياً وكرس جهوده في الدفاع عن قضايا المستوطنين. ويقود بن غفير حزب القوة اليهودية، والذي أسسه عدد من أتباع كاهانا عام ٢٠١٢. لم ينجح الحزب في الدخول للكنيست عامي ٢٠١٣ و٢٠١٥. في العام ٢٠٢١ دخل بن غفير في تحالف مع عدد من الأحزاب اليمينية المتطرفة، والتي رعى نتنياهو تحالفها، ودخل لأول مرة الكنيست.

 

عمل نتنياهو على استغلال كتلة انتخابية صاعدة في إسرائيل، وقام بتفعيلها لمصلحته، وهي كتلة الشباب الأرثوذكس "الحريديين"، والتي جاءت من مجتمع انتخابي مهيأ للنمو الديمغرافي، بسبب طبيعة المتدينة، بشكل مختلف عن جميع المجتمعات الإسرائيلية الأخرى. فقام نتنياهو بأكثر من زيارة انتخابية لتحفيز هذه الشريحة للمشاركة في الانتخابات، مستخدماً حجة حماية البلاد من حكومة يسارية. وساهم في تجميع حلفائه من اليمين المتطرف لخوض الانتخابات موحدين، لضمان عدم تشتت الأصوات. حصد تحالف الصهيونية الدينية والكاهانية حوالي نصف مليون صوت، معظمهم من الشباب، وحوالي ٢٠٪ من مجندي الجيش. كما ساهم في عدم تفكك الأحزاب اليمينية الدينية، فمنع انحلال حزب يهدوت هتوراه، لذات السبب. واعتمد نتنياهو أيضاً على دعم التحالف اليميني الديني الأرثوذكسي بشقيه اليهود الشرقيين ممثلاً بحزب "شاس" والغربي ممثلاً بحزب "يهدوت هتوراه". وتركز الأحزاب الأورثوذكسية "الحريدية" بشقيها الشرقي والغربي على زيادة المخصصات المالية لمؤسساتها الدينية والتعليمية والاجتماعية. اندثر اليسار الصهيوني في إسرائيل في هذه الانتخابات، فلم يحصد حزب العمل بتاريخه الذي أسس هذا الكيان على عدد مقاعد يكاد لا يجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، بينما اختفى حزب ميرتس عن المشهد السياسي تماماً.

 

يتكون معسكر نتنياهو اليوم من ٦٤ مقعداً في الكنيست، ويحتاج فقط لتحالف مكون من ٦١ مقعدًا لتشكيل الحكومة. وينقسم لأربعة أحزاب، الليكود برئاسته ويمتلك ٣٢ مقعداً، والصهيونية الدينية صاحبة الـ ١٤ مقعداً، وحزب شاس بـ ١١ مقعداً ويهدوت هتوراه بـ ٧ مقاعد. لقد رفع الحزبان الدينيان مجتمعَين عدد ناخبيهم ١٠٠ الف صوت عن الانتخابات الماضية، بينما نجح التحالف اليميني الصهيوني في رفع عدد ناخبيه في هذه الانتخابات مقارنة بالماضية بحوالي ٣٠٠ الف صوت جديد. أي أن هناك ٤٠٠ ألف صوت زيادة جاءت في هذه الانتخابات لصالح الكتلة اليمينية الدينية والمتطرفة. وكانت المشاركة الانتخابية قد تخطت عتبة الـ٧٠٪ في هذه الانتخابات، الأمر الذي اعتبر الأعلى منذ العام ٢٠١٥، وبزيادة حوالي ٤٠٠ الف ناخب عن الانتخابات السابقة.

 

يسعى نتنياهو بعد فوزه للتخلص من إمكانية محاكمته، بالتهم الثلاث بالفساد الموجهة اليه، وذلك من خلال سن قوانين تعفي رئيس الحكومة والوزراء والنواب من المحاكمة، أثناء الخدمة. كما يسعى نتنياهو من خلال قوة تحالفه في الكنيست، لسن قوانين تسمح للحكومة بالتدخل بالتركيبة القضائية في البلاد، وتحد من سطوة الجهاز القضائي والمحكمة العليا في التدخل بالقرارات الحكومية وتشريعات الكنيست. وكل تلك القضايا والتي يتفق معه فيها حلفاؤه من اليمينيين تساعد في إبطال مفعول قضايا الفساد، التي يسعى للتهرب منها. ويمكن للحكومة الجديدة بقيادة نتنياهو وتحالفه اليميني أن يسن قوانين جديدة أو يعدل أخرى سابقة وذلك بأغلبية ٥٠ + ١ أي بموافقة ٦١ صوتاً في الكنيست، وهو بالأمر الممكن.

 

تركز الحكومة القادمة بقيادة نتنياهو، الذي أوقف المفاوضات والاتصالات مع الفلسطينيين في حقبته الانتخابية الثانية، على ترسيخ دولة يهودية دينية، ومعادية صراحة للوجود الفلسطيني، رافضة التعامل معهم، في مسعى لاقتلاعهم وضم أراضيهم، وكذلك ستصعد من ممارساتها العدائية بحق إيران. وتتكون عناصر الحكومة الرئيسية من اشخاص متهمين بتهم فساد أو إرهاب، كما نتنياهو وبن غفير وكذلك درعي زعيم حزب شاس اليميني الديني، الذي عاد إلى السياسة بعد خروجه من السجن، والمتهم حالياً بالتهرب الضريبي وخيانة الأمانة. إن ذلك يفسر التسريبات التي جاءت من الإدارة الأميركية بعدم نيتها التعامل مع بن غفير في حال حصوله على حقيبة وزارية، وكان بن غفير قد طالب قبل الانتخابات بتولي وزارة الامن الداخلي. لا يمكن تخيل أن سياسة جو بايدن الرئيس الديمقراطي الحالي، يمكن أن تكون منتقدة لسياسة نتنياهو المستقبلية، خصوصاً وهو المؤيد والداعم لإسرائيل طوال حياته السياسية، ولن تصل بأي حال من الأحوال لما وصلت اليه علاقة باراك أوباما الرئيس الأميركي السابق بنتنياهو عندما كان في الحكم. الا أن صعود الجمهوريين المتوقع في الانتخابات التشريعية في الولايات المتحدة من شأنه أن يؤدي إلى استمرار العلاقات القوية بين إسرائيل والولايات المتحدة، والتي لم تتضرر يوماً، حتى وإن كان ذلك في ظل حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة، كالتي سيشكلها نتنياهو قريباً، والتي سيبدو فيها الأكثر اعتدالا من حلفائه والأكثر قبولاً منهم في التعامل مع العالم. ولا تزال إسرائيل من القضايا القليلة التي يتفق على دعمها الحزبان الأميركيان الديمقراطي والجمهوري، كما لازالت تحظى بتأييد غالبية الأميركيين، وإن قلت نسبة ذلك التأييد اليوم عن الماضي، كما يسجل مؤيدو الجمهوريين دعماً أكبر لإسرائيل مقارنة بالديمقراطيين. ومن المتوقع أو يعيد نتنياهو علاقات بلاده الإيجابية بروسيا ومع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما سيكون ذلك منسجماً مع صعود الجمهورين في الانتخابات التشريعية، الذين يريدون إعادة النظر في المساعدات الأميركية العسكرية لاوكرانيا، الأمر الذي يمكن أن يخفف من وطأة الحرب الروسية الأوكرانية التي يدعمها بايدن بقوة الآن.

 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت