كوب 27 ..... هل ستفي بوعودها ؟

بقلم: زينب فياض

  • زينب فياض

يجتمع قادة العالم على مدى العقود الثلاثة الماضية بصفة منتظمة، في مؤتمرات سنوية للتخطيط لمعركة ضد تغير المناخ الذي استفحل في الأشهر الأخيرة لوضع حلول جذرية لأزمة طغت تداعياتها في وقت تعيش فيه معظم الدول العالمية تغيرات مناخية خطيرة.

والأحد، بدأ أحدث تجمع من هذا القبيل في مصر، في قمة كوب 27 وهي القمة التي جاءت بعد تغيرات مناخية خطيرة حيث حطمت موجات الحر الأرقام القياسية الصيف الماضي، فيما عرض الجفاف في أفريقيا 22 مليون شخص لخطر المجاعة، وغمرت الفيضانات ثلث باكستان مخلفا وراءه خسائر كبيرة .

اشادة واسعة

قدمت مصر العام الماضي طلب استضافة دورة هذا العام من المؤتمر، ووقع الاختيار عليها باعتبارها الدولة الأفريقية الوحيدة التي أبدت رغبتها في استضافة القمة، وقتها أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مصر ستعمل على جعل المؤتمر "نقطة تحول جذرية في جهود المناخ الدولية بالتنسيق مع جميع الأطراف لصالح إفريقيا والعالم بأسره".

ولتنظيم هذا الحدث العالمي جندت الدولة بكل مؤسساتها لتنظيم وإدارة فعاليات قمة cop27 للمناخ، بدءا من الاستعدادات الاستثنائية في شرم الشيخ التي أصبحت أول مدينة خضراء في مصر والشرق الأوسط، عبر منظومة متطورة من إجراءات النقل واللوجستيات والطاقة، حصيلة جهد الشهور الطويلة الماضية أثمر افتتاحا عالميا مبهرا، واستتبع شهادات إشادة دولية بدأت من سكرتير عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش وامتدت إلى عشرات القادة والرؤساء المشاركين.

وتوالت الإشادات، حيث وجه ما كي سال رئيس الاتحاد الأفريقي التحية إلى الرئيس السيسي على التنظيم وحفاوة الاستقبال قائلا:" بالنيابة عن أفريقيا أشكركم شكرا جزيلا على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة على أرض مصر، مؤكداً بحديثة أن ذلك ليس غريباً على مصر، فيما قال محمد شهباز شريف رئيس وزراء باكستان أن بلاده تُقدر الجهود المصرية في استضافة قمة المناخ، وكذلك حرص ولي عهد الأردن الحسين بن عبد الله الثاني بدأ الكلمة بتوجيه الشكر لمصر على تنظيم القمة .

حضور أسماء ثقيلة

ومنذ صباح يوم الأحد الماضي بدأ قادة العالم في الوصول إلى مصر على رأسهم ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني، ووفق للقائمة المحدثة من قبل الأمم المتحدة، هناك أكثر من 100 رئيس دولة وحكومة سيشاركون في أعمال القمة،

وبينما سيحضر الرئيس الأميركي جو بايدن، ليوم واحد فقط هو الـ11 من الشهر الحالي لـ"دعم القمة"، ولن يشارك في قمة القادة يومي السابع والثامن من نوفمبر، لتضارب جدول الأعمال مع انتخابات التجديد النصفي في مجلس الشيوخ الأميركي، بحسب ما أعلن البيت الأبيض، سيكون التمثيل الأوروبي والعربي والأفريقي الأكثر حضوراً، إذ سيشارك كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني ورئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد، وآخرون، كذلك سيكون الحضور العربي بارزاً، وعلى رأسه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان والرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون والرئيس العراقي عبداللطيف رشيد والملك الأردني عبدالله الثاني، وآخرون.

في وقت سيكون من أبرز الغائبين عن المؤتمر الرؤساء الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين والإيراني إبراهيم رئيسي والتركي رجب طيب أردوغان والكوري الجنوبي يون سوك يول، فضلاً عن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو ورئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، ولكن قد يحضر ممثلون عن حكومات تلك الدول.

قضايا وأهداف القمة

تركز أعمال القمة الراهنة للمناخ في شرم الشيخ، على ثلاث أولويات متداخلة، تشمل الانبعاثات الكربونية والمساءلة والتمويل، إذ طالما تتعلق المسألة الرئيسة التي تحدد نجاح المفاوضات من عدمه باستحداث صندوق منفصل خاص بـ"الخسائر والأضرار" وهي تعويضات تدفع عن الأضرار المناخية التي لا عودة عنها.

ستشمل المفاوضات أيضاً مناقشات فنية، على سبيل المثال، لتحديد الطريقة التي يجب أن تقيس بها الدول عملياً انبعاثاتها بحيث يكون هناك مجال متكافئ للجميع.

وستمهد كل هذه المناقشات الطريق لإجراء أول تقييم عالمي خلال مؤتمر COP 28، والذي سيقيم في عام 2023 التقدم العالمي الجماعي بشأن التخفيف والتكيف وسبل تنفيذ اتفاق باريس.

من المحتمل أن يتم التطرق كثيرا إلى موضوع الوعد السنوي من قبل الدول المتقدمة لتقديم مبلغ 100 مليار دولار سنويا، والذي لم يتم الوفاء به. في عام 2009 في كوبنهاغن، التزمت الدول الغنية بهذا التمويل، لكن التقارير الرسمية ما زالت تظهر أن هذا الهدف لم يتحقق. يتوقع الخبراء أن يجعل COP27 هذا التعهد حقيقة واقعة أخيراً في عام 2023.

تهدف الرئاسة المصرية إلى متابعة هذه الالتزامات والتعهدات الأخرى التي تم التعهد بها في مؤتمرات الأطراف السابقة.

ويشير التخفيف من آثار تغير المناخ إلى الجهود المبذولة لتقليل أو منع انبعاث غازات الدفيئة. يمكن أن يعني التخفيف استخدام تقنيات جديدة ومصادر طاقة متجددة، أو جعل المعدات القديمة أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، أو تغيير ممارسات الإدارة أو سلوك المستهلك.

من المتوقع أن تُظهر البلدان كيفية تخطيطها لتنفيذ نداء ميثاق غلاسكو، الذي يقضي بمراجعة خططها المناخية وإنشاء برامج عمل تتعلق بالتخفيف.

وهذا يعني تقديم أهداف أكثر طموحاً حول الانبعاثات لعام 2030، حيث قالت هيئة الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ أن الخطط الحالية لا تزال غير كافية لتجنب الاحترار الكارثي.

ضرورة مساندة الدول الفقيرة لمواجهة التحديات

وافقت الوفود المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب27) المنعقد حاليا في شرم الشيخ في مصر بعد محادثات جرت في ساعة متأخرة من مساء السبت على إدراج القضية الحساسة المتعلقة بما إذا كان يجب على الدول الغنية تعويض الدول الفقيرة الأكثر تضررا من تبعات تغير المناخ على جدول الأعمال الرسمي لأول مرة.

وسيتطرق مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب 27) إلى مسألة تمويل "الخسائر والأضرار" الناجمة عن تغير المناخ، وفق جدول الأعمال الذي تمّ تبنيه الأحد بالإجماع عند افتتاح المؤتمر.

وكانت الدول الغنية قد عرقلت اقتراحا بتمويل الخسائر والأضرار خلال مؤتمر كوب 26 في غلاسكو الاسكتلندية العام الماضي وأيدت بدلا من ذلك دعم إجراء حوار جديد لمدة 3 سنوات لمناقشات التمويل.

وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن مناقشات الخسائر والأضرار المدرجة الآن على جدول الأعمال في (كوب 27) لن يضمن تقديم تعويضات أو الاعتراف بالضرورة بالمسؤولية ولكنها تهدف إلى أن تؤدي إلى قرار حاسم "في موعد لا يتجاوز 2024".

وقد تؤدي هذه القضية إلى توتر هذا العام أكثر مما حدث في المؤتمرات السابقة لأن حرب أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة وخطر حدوث ركود اقتصادي زاد من إحجام الحكومات عن التعهد بتقديم أموال للدول الفقيرة.

وترفض الدول الغنية منذ أكثر من 10 سنوات إجراء مناقشات رسمية بشأن ما يشار إليه على أنه الخسائر والأضرار أو الأموال التي تمنحها لمساعدة البلدان الفقيرة لمعالجة آثار ارتفاع درجة حرارة الأرض.

سوناك وبايدن أول وأكبر الداعمين

وخلال اليوم الأول للقمة المنعقدة في مصر تعهد الرئيس الأميركي، جو بايدن، بمضاعفة تمويل صندوق المناخ إلى 11 مليار دولار.

جاء ذلك بحسب حديث ساميويل وربيرغ المتحدث الإقليمي للخارجية الأميركية لوكالة الأنباء المصرية، قبيل أيام من وصول الرئيس الأميركي في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري للمشاركة في قمة المناخ بشرم الشيخ شرقي مصر.

وأشار إلى إن الإدارة الأميركية "لديها اهتمام بملف تغير المناخ لما له من انعكاسات كبيرة ليس فقط على الداخل الأميركي ولكن على العالم أجمع".

ولفت إلى "تعهد الرئيس بايدن بمضاعفة تمويل صندوق المناخ 4 مرات من الحد الأقصى الذي بلغته إدارة باراك أوباما وتقديم 11 مليار دولار من التمويل سنويا بحلول 2024".

وأوضح أن هذا التمويل سيكون مقدما لـ"دعم جهود الدول الرامية لإزالة الكربون من اقتصاداتها وتعزيز ممارسات استخدام الأراضي الصديقة للمناخ وتعزيز التكيف والمرونة".

من جهته، قال رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك إن بريطانيا مازالت ملتزمة بدفع 11.6 مليار جنيه إسترليني (13.3 مليار دولار) لتمويل جهود التصدي لتغير المناخ.

وقال سوناك، أثناء حضوره قمة المناخ، «مازلنا ملتزمين بدفع 11.6 مليار (جنيه استرليني) أعلَنا عنها العام الماضي لتمويل المناخ الدولي».

وأضاف رئيس الوزراء أن الخطة كانت تستهدف القيام بذلك على مدى خمس سنوات وأن «السرعة المحددة لذلك تعتمد دائماً على أن تكون المشاريع جاهزة في الوقت المناسب».

وردت روزي دياز المتحدثة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وإفريقيا على تويتر قائلة: تشكّل قمة تغير المناخ في مصر «كوب 27» حدثاً عالمياً رائداً لكل من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والعالم أيضاً، لكونها أول قمّة ستتتبّع التنفيذ الكامل لمخرجات اتفاق باريس وميثاق غلاسكو للمناخ.

من جهة اخرى تعهدت مؤسسة بيل وميليندا غيتس بتقديم 1.4 مليار دولار لمساعدة صغار المزارعين على مواجهة تبعات تغير المناخ، وذلك في إطار الجهود المبذولة خلال محادثات المناخ في مصر لزيادة التمويل الذي يهدف إلى التكيف مع تلك التبعات.

تأثير مدمّر لدول شمال إفريقيا والشرق الأوسط:

تأتي قمة كوب 27 في وقت تشهد فيه منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط ، بدأ التغيّر المناخي يُظهِر بالفعل تأثيراته. فبين عامي 1960 و1990، ارتفعت درجة الحرارة بمقدار 0.2 درجة مائوية في العشرية، ثمّ تسارع النسق منذ ذلك الحين. تميل العواقب على المنطقة، التي تعرف مناخات وطبيعة متنوعة على النطاق المحلي رغم أنّ الجفاف هو سمتها الأساسية، نحو:

  1. ارتفاع عالمي في درجات الحرارة
  2. ضغط متزايد على الموارد المائية
  3. زيادة، إن لم يكن في العدد، فعلى الأقل في شدة الأحداث المناخية القصوى (جفاف، موجة حر، فيضانات)
  4. ارتفاع متوسط مستوى سطح البحر

وخلال مؤتمر باريس الخاص بالتنوع البيولوجي (COP 15)، توقع خبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ زيادة في درجات الحرارة العالمية تتراوح بين 2 و4 درجات مئوية بحلول العام 2050 وفقاً للسيناريوهات المحتملة. وبفعل بيئتها، يُفترض أن تشهد منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط ارتفاعاً أكبر، إذ يُتوقّع أن ترتفع درجات الحرارة بمعدل 3 إلى 4 درجات مئوية في سيناريو ارتفاع عالمي بدرجتين مئويتين، وأن يصل هذا المعدل إلى 8 درجات مئوية في سيناريو ارتفاع عالمي بأربع درجات مئوية. وسيتركز معدل ارتفاع الحرارة خاصة في أشهر الصيف، ما يثير مخاوف تعدد موجات الحر. كما أنّ التوزّع الجغرافي لهذه الزيادة غير متساوٍ أيضاً، إذ ستكون المناطق الصحراوية في الجزائر والمملكة العربية السعودية والعراق في الخطوط الأمامية على جبهة الاحتباس الحراري.

على سبيل المثال، فيما يلي بعض المعطيات التي توضح توقعات الخبراء فيما يتعلّق بالتغيّر المناخي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط:

يبلغ معدل درجات الحرارة في الليالي الأكثر حرارة حالياً أقل من 30 درجة مئوية. ويفترض أن تُتَخطى هذه العتبة بحلول 2050، وفي سيناريو الارتفاع بـأربع درجات مئوية، قد تصل حتّى إلى 34 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.

يُفترض أن تقارب درجات الحرارة القصوى، التي تبلغ معدل 43 درجة مئوية حالياً، 47 درجة مئوية مع انتصاف القرن الحالي، و50 درجة مئوية في عام 2100 في السيناريو الأكثر تشاؤماً.

حاليًّا، تدوم موجات الحرارة ما معدّله 16 يوماً في السنة. ويفترض أن تبلغ مدّتها بحلول عام 2050 من 80 إلى 120 يوماً، وحتّى 200 يوم إذا ما زادت الحرارة العالمية بأربع درجات مئوية.

كوب 27 وتحدي تغيير مستقبل المناخ

يمكن أن يؤدي تحقيق أهداف قمة كوب 27 المعلن عنها إلى إنقاذ حياة نحو مليون شخص سنويا في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2050 من خلال خفض تلوث الهواء وحده. إذ تشير أحدث تقديرات كبار الخبراء أيضا إلى أن قيمة المكاسب الصحية التي سيحققها العمل المناخي ستقارب ضعف تكلفة سياسات التخفيف على المستوى العالمي، بل إن معدل الفائدة إلى التكلفة أعلى في بلدان مثل الصين والهند.

وتساهم الأنشطة البشرية التي تزعزع استقرار مناخ الأرض نفسها مساهمةً مباشرةً في اعتلال الصحة كذلك. والمسبب الرئيسي لتغير المناخ هو احتراق الوقود الأحفوري الذي يُعد أيضا مساهما رئيسيا في تلويث الهواء.

تقول الدكتورة ماريا نيرا، مديرة الصحة العمومية والمحددات البيئة والاجتماعية للصحة بمنظمة الصحة العالمية: "التكلفة الحقيقية لتغير المناخ تظهر في مستشفياتنا وفي رئاتنا.

وقد بلغ العبء الصحي لمصادر الطاقة المسببة للتلوث مستوى مرتفعا لدرجة تجعل الانتقال إلى خيارات أنظف وأكثر استدامة لتوفير الإمداد بالطاقة وخدمات النقل والنظم الغذائية قادرا على تغطية تكلفته على نحو واف." وتمضي قائلة: "عندما تُراعىَ الصحة، يغدو تخفيف آثار تغير المناخ فرصة نغتنمها، لا تكلفة نتكبدها".

وليس من شأن التحول إلى مصادر الطاقة المنخفضة الكربون أن يُحسن جودة الهواء فحسب، بل إن من شأنه كذلك أن يوفر فرصا إضافية لتحقيق فوائد صحية فورية. فعلى سبيل المثال، من شأنه طرح خيارات تنقل تنطوي على ممارسة النشاط، مثل ركوب الدراجات الهوائية، أن يساعد على زيادة النشاط البدني الذي يُمكِن أن يساعد على الوقاية من أمراض من قبيل السكري والسرطان وأمراض القلب غير أن هذا لا يتحقق إلا إذا تكاثفت الجهود في هذا المجال.

وهو ما عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الإثنين، حيث قال إن على البشرية "التعاون أو الهلاك" إزاء الاحترار المناخي وتداعياته المتسارعة، مخيّرا العالم بين "التضامن أو الانتحار الجماعي. نحن نسلك الطريق السريع نحو الجهنم المناخي، ونواصل الضغط على دواسة السرعة، وآسف لأننا بصدد خسارة الكفاح من أجل حياتنا"

 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت