- المحامي علي أبوهلال *
يخضع الصحفيون وعملهم الصحفي في "إسرائيل" وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة لرقابة الشباك وأجهزة الأمن الإسرائيلية، وتستخدم دائرة الأمن العام قاعدة بيانات الاتصالات الخاصة بالشركات الخلوية التي بحوزتها لمراقبة أنشطة الصحفيين، وكذلك في التحقيقات الأمنية. وبموجب ذلك يمكن للشاباك معرفة مكان وجود الصحفي وفقا لبيانات الشركات الخلوية الإسرائيلية، ومع من يتحدث وغيرها من المعلومات.
ويتضح ذلك من رد الحكومة على الالتماس الذي قدمته جمعية الحقوق المدنية الاسرائيلية إلى المحكمة العليا. وفي هذا الالتماس طلبت الجمعية إلغاء بند في قانون الشاباك الذي يلزم شركات الاتصالات في “إسرائيل” بتزويد جهاز الشاباك بمعلومات عن كل مكالمة أو رسالة تمت من خلالها، علما أن قانون الشاباك الذي تمت الموافقة عليه في عام 2002، ينظم أنشطة عمل الشاباك، والتي تكون في الغالب سرية ولا تخضع للتدقيق العام، فيما تم الاحتفاظ بالمعلومات التي جمعتها شركات الاتصال لمدة عقدين تقريباً في قاعدة بيانات يديرها الشاباك، والمعروفة باسم “الأداة”.
تنص المادة 11 من القانون على أن استخدام المعلومات التي تم جمعها لن يتم إلا بإذن من رئيس الجهاز، وفي الحالات التي يكون فيها ذلك ضرورياً لتشغيلها، ورئيس الجهاز ملزم بإبلاغ رئيس الوزراء والنائب العام عن التصاريح مرة كل ثلاثة أشهر، ولجنة الكنيست للخدمات السرية (الاستخبارية) مرة في السنة.
وجاء في الالتماس الذي تتم مناقشته في المحكمة العليا، أن هناك عيوباً دستورية في القسم المعني بذلك، هذا لأن الشهادة المنصوص عليها فيه ليست صريحة ومفصلة كما هو مطلوب لانتهاك الخصوصية، وأن الشهادة واسعة بما يتجاوز ما هو مطلوب لاحتياجات أمن الحكومة. وتدعي الجمعية أن القانون لا يحتوي على آلية صريحة لحماية أصحاب السرية المهنية، وخاصة الصحفيين، وأن قرارات رئيس الشاباك ورئيس الوزراء وفقاً لهذا القسم لا تخضع للإشراف القضائي، وأن القانون لا يحتوي على آليات كافية للمراجعة.
عُقدت جلسة استماع بشأن الالتماس في 25 أكتوبر / تشرين الأول الماضي أمام القضاة عوزي فوجلمان ودفنا باراك إيريز وعنات بارون. وفي نهاية المناقشة، تقرر أن الحكومة يجب أن تطلع في غضون 90 يوماً على التقدم المحرز في مذكرة لتعديل على قانون الشاباك، والتي من المتوقع أن يتم نشرها قريباً للتعليق العام. وقرر القضاة أنه بعد الإعلان عن سير عملية التحديث، ستقرر المحكمة العليا استمرار الالتماس.
وفي الرد الذي قدمه الشاباك والحكومة إلى المحكمة العليا في 20 أكتوبر من خلال دائرة المحاكم العليا في مكتب المدعي العام، طلبت الحكومة رفض الالتماس، وذكرت الحكومة أن جمع بيانات الاتصال من شركات الاتصالات لغرض إنتاج المعلومات الاستخباراتية هو “وسيلة ضرورية لتشغيل الشاباك، والتي ينتج عن استخدامها عمليا فائدة حاسمة لإنقاذ الأرواح. وجاء في الرد: تم استخدام “أداة” لمراقبة الصحفيين وغيرهم من أصحاب السرية المهنية،”.
حذر محامي جمعية الحقوق المدنية "غان مور" من أن دراسة بيانات الاتصالات يمكن أن تكشف بسهولة مخيفة عن المصادر الصحفية لخبر معين أحرج الحكومة، حتى لو تم نشره في الماضي، وحتى لو لم يتحدث الصحفي والمصدر عن الخبر في الهاتف ولكنهم التقوا فقط وهم يحملون الهاتف في جيبهم”. ويشير أن رد الشاباك والحكومة الرسمي أيضاً إلى تورط الشاباك في التحقيق في أعمال الاحتجاجات خلال عملية “حارس الأسوار” في المدن المختلطة في "إسرائيل".
وذكرت الحكومة والشاباك في ردهم أن “مجمع الأحداث شمل أيضاً العديد من الأحداث ذات الخلفية الأمنية أو القومية التي شملت، هجوم على قوات الأمن والاشتباك معهم، وعندما تتراكم مجموع هذه الأحداث معاً، تعتبر تهديداً للنظام العام”.
وكما يخضع الصحفيون والصحافة في مناطق عام 48 الى الرقابة من قبل الشباك وأجهزة الأمن الإسرائيلية عبر شركات الاتصالات الإسرائيلية، ووسائل التواصل الاجتماعي، فان الرقابة على الصحفيين والصحافة في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، تخضع لرقابة أشد.
ولطالما كانت مراقبة الفلسطينيين جزءًا من مشروع إسرائيلي الاستعماري، غير أن أساليب المراقبة باتت أكثر انتشارًا واقتحامًا لخصوصية الفلسطينيين بفضل التكنولوجيا الجديدة، وتستخدم أجهزة المخابرات والأمن الإسرائيلية، وسائل التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص للمراقبة، وكذلك شركات الاتصالات وخاصة الخلوية منها، لجمع المعلومات وتحليلها بشأن مواقف عموم الفلسطينيين وتوجهاتهم ونشاطاتهم.
إنّ اقتحام الحياة الخاصة للفلسطينيين سواء كانوا من الصحفيين أو غيرهم على هذا النحو، أمرٌ متيسر لأن البنية التحتية للاتصالات التي تستخدمها شركات الاتصالات والإنترنت الفلسطينية تسيطر عليها حكومة الاحتلال بالكامل. حيث تتمادى أيضًا في مراقبة الفلسطينيين بسبب غياب القيود القانونية والأخلاقية.
سلطات الاحتلال الإسرائيلي في رقابتها الدائمة على الصحفيين ونشاطهم، لا يعتبر انتهاك لحرمة الخصوصية وحرية التعبير والرأي فقط، بل يعتبر انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، ولقواعد الشرعة الدولية لحقوق الانسان، الأمر الذي يستوجب مسؤوليتها الجنائية الدولية، أمام الهيئات الدولية المختصة، وأمام القضاء الجنائي الدولي، وخاصة أمام المحكمة الجنائية الدولية، التي يجب أن تقوم بمسؤولياتها في التحقيق بالجرائم التي ترتكبها سلطات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
15-11-2022
*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت