تفجير إسطنبول والمسارات الثلاثة

بقلم: علي نازلي

علي نازلي
  • بقلم: د. علي نازلي

 
ما حدث في تفجير تقسيم في إسطنبول من جريمة وعمل إرهابي بشع وتصدّر الصورة النمطية للفتاة المجرمة وكأن العملية محصورة في هذه الفتاة البسيطة، حيث أن إهتمام الرأي العام اصبح يتداول شكلها ولونها وعرقها وجنسيتها فهذا تقزيم للجريمة فالمنفذ المباشر لهكذا جرائم دائما هو اضعف حلقة في العمل الإجرامي وهو دائما يكون الضحية والإعتبارات عديدة منها المادية والإجتماعية أو لعوامل إبتزاز من قبل المخططين وفي النهاية يكون مصيرالمنفذ القتل المباشر من العمل الإجرامي إذا كانت عملية انتحارية أو من خلال قتلها من مخططي العملية لطمس وتضليل عملية التحقيق وإخفاء الأدلة كما كان سيحدث مع الفتاة الإرهابية أو ستكون النهاية الصعبة في حال تم إلقاء القبض عليها سواء بالحكم المؤبد أو الإعدام، هذا لا ينفي أن منفذ العملية المباشر هو مجرم وإرهابي يجب أن يحاسب ويلقى عليه أشد العقوبات ليكون عبرة لغيره.
لكن يجب النظر إلى هذه العملية الإرهابية بشكل أكبر وأخطر وأعمق فهي جريمة منظمة تتعلق بمخطط كبير لا يتوقف، من قِبل تنظيمات وكيانات، بل ودول كبرى تريد النيل من تركيا القوية التي تسابق الزمن نحو تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وأن هذه الدول المعادية لتركيا تجعل من التنظيمات الإرهابية أدوات لتنفيذ مخططاتهم فهي كيانات وظيفية لهذه الدول.
فكشف الجريمة بهذه السرعة واعتقال المنفذة على قيد الحياة وعشرات من أفراد الخلية تحسب للدولة التركية وأجهزتها الأمنية.
فبعد هذه العملية الإرهابية التي إستهدفت مدنيين في قلب مدينة إسطنبول من المتوقع أن تعمل الدولة التركية على ثلاث مسارات متوازية:
*المسار الأول : وهو النشاط الأمني داخل تركيا، حيث ستنشط الأجهزة الأمنية والإستخبارية في الفترة القادمة وخاصة مع قرب الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية في محاولة للتأثير على رأي الناخب لأنه من المتوقع أن يحدث بعض المحاولات من قبل جهات إرهابية لزعزعة الأمن والاستقرار في تركيا وكذلك ضرب السياحة التي تشهد نشاطا غير مسبوق وبالتالي نمو اقتصادي بارز في تركيا وكذلك الدبلوماسية النشطة والمعتدلة من قبل تركيا وعدم انحيازها لأطراف الصراع وأقطابه بين روسيا وأوكرانيا، التي كانت بيئة جاذبة للسياح والمستثمرين من كل دول العالم. حيث من المتوقع ان تقوم الأجهزة الأمنية بتوجيه ضربات متواصلة وملاحقة أوكار الإرهاب والخلايا النائمة داخل تركيا وكل من يمثل الحاضنة للإرهابيين ومحاكمتهم واجتثاثهم، وأن أي إجراءات ستتحذها الدولة التركية من الناحية الأمنية ستكون متسلحة بالإجماع التركي سواء الشعبي أو الحزبي على غرار ما حدث مع جماعة غولن عام 2016.
*المسار الثاني: حيث أنه من المتوقع ان تقوم الدولة التركية بالعمل خلف الحدود من خلال توجيه ضربات قوية ونوعية واستباقية للتأثير على النواة الصلبة للتنظيمات الإرهابية وبنيتها التحتية سواء من حزب العمال الكردستاني أو تنظيم الدولة وسيكون هناك إستمرار بتوجيه الضربات التي ستكون في إطار حماية الأمن القومي التركي.
ومن غير المتوقع أن تلقى هذه الضربات ردود فعل وإدانة كما كان يُفعل في السابق من بعض الدول الداعمة للحزب العمالي الكردستاني سواء كان الدعم مباشر ومعلن أو غير مباشر وغير معلن ومن المتوقع أن يكون هذا النشاط ذو بعدين بعد إستخباراتي وأمني والبعد الآخر عسكري ميداني، حيث هذه الأعمال سيكون لها أثر إيجابي وصدى على هيبة وقوة الدولة التركية.
*المسار الثالث : وهو المسار السياسي: فالعملية الإرهابية في تقسيم سيكون لها تداعياتها السياسية باتجاه الضغط الدبلوماسي التركي على كل الدول المتعاطفة والداعمة مع حزب العمال الكردستاني، وخاصة دول مثل السويد وفنلندا حيث أنه ومنذ إندلاع الحرب الروسية الأوكرانية علت الأصوات والمطالبات بضرورة إنضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي مما أثار تحفظ تركيا على هذا القرار حيث أن تركيا تتهم هاتين الدولتين بتوفير الملاذ الآمن لنشطاء حزب العمال الكردستاني ورفضت اكثر من 30 طلبا تركيا بشأن وقف أنشطة هذا الحزب وتسليم قياداته لتركيا.
وهذه العملية من شأنها أن تجعل الموقف التركي أكثر تشددا وصلابة باتجاه كل من السويد وفنلندا باتجاه إنضمامهما للحلف الأطلسي وستتعرض هاتين الدولتين لضغط تركي شديد ومتزايد باتجاه تجريم وطرد وتسليم أعضاء التنظيمات الإرهابية في أراضيها.
وقد رفضت تركيا تعزية واشنطن بالعملية الإرهابية في إشارة واضحة لعدم الرضا التركي تجاه أمريكا لدعمها وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا.
وستقوم تركيا أيضا بالضغط الدبلوماسي على دول أخرى سواء أوروبية أو عربية غير مُعلنة بمواقفها باتجاه دعم حزب العمال الكردستاني وسيكون هناك مساعي تركية نشطة في المحافل الدولية باتجاه ادانة وتجريم حزب العمال الكردستاني، فهذه العملية بكل تأكيد ستكون محرجة للغاية لجميع الدول المتعاطفة والداعمة للحزب العمالي الكردستاني خصوصا أنها إستهدفت المدنيين.
ومن المتوقع أن تقوم تركيا بحملة دبلوماسية في المحافل الدولية الرسمية والشعبية لإبراز مخاطر الإرهاب على تركيا والتركيز على أن تكون الإدانة جماعية للإرهاب الذي تتعرض له تركيا.

--

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت