- إيمان عنان
- باحثة سياسية
- ماجستير اقتصاد وعلوم سياسية
تستمر قوات الاحتلال الإسرائيلي في انتهاكها لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية، ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على حماية المدنيين في وقت الحرب، حيث قام الاحتلال باستهداف مدنيين وممتلكاتهم، وتدمير المنشآت، وفرض الحصار المشدد الذي أضر بالاقتصاد الفلسطيني، وحرم الكثير من العمال من الوصول لأماكن عملهم.
تأثر قطاع الثروة السمكية والصيد البحري بهذا الاستهداف، حيث عانى الصيادون الفلسطينيون من سياسة الحصار والاغلاق المشدد الذي منعهم من النزول للبحر أو عرقلتها أثناء نزولهم للصيد، وعملت قوات الاحتلال على تقييد حركة الصيادين ومنعتهم من تجاوز مسافة 12 ميل داخل عرض البحر، واحياناً تقليص هذه المسافة إلى 6 أو 3 أميال.
حددت اتفاقية أوسلو أقصى حد يسمح بالوصول إليه من قبل الصيادين الفلسطينيين يبلغ مداه 20 ميلاً بحرياً من شاطئ البحر باتجاه الغرب، باستثناء بعض المناطق المحظور الوصول إليها في جنوب وشمال قطاع غزة، ولكن قوات الاحتلال اقتطعت مساحات أخرى أضيفت للمناطق المحظورة، مما جعل المساحة تضيق، خاصة أن الشاطئ الفلسطيني يميل بشكل حاد على طول حدود القطاع، مما يعتبر مخالفة للمادة 11 من اتفاقية أوسلو التي تنص على أن حساب المساحة يتم بشكل مائل حتى يحقق الفائدة للصيادين الفلسطينيين.
يتعرض الصيادون باستمرار إلى اطلاق النار والضرب والاعتقال سواء في عرض البحر أو قرب شواطئ قطاع غزة، والتضييق عليهم باجراءات التفتيش ومصادرة قوارب البعض ومعدات الصيد، ومنع الصيادين من مزاولة عملهم واجبارهم على تغيير أماكن الصيد، حيث صرح أحد الصيادين في غزة بأنه يودّع أسرته وأطفاله ويذهب للبحر من دون أن يعلم "هل سيعود إليهم حيا أو ميتا؟" بفعل اعتداءات إسرائيلية لا تتوقف على الصيادين منذ فرض الحصار البحري في يونيو 2006.
وتفرض سلطات الاحتلال الاسرائيلي قيوداً على توريد المعدات والتجهيزات اللازمة للصيادين، ومن هذه المعدات المحركات، الجيار، والألياف الزجاجية، والكابلات الفولاذيّة، وقطع الغيار اللازمة للصيانة، وتبرر ذلك بأن هذه المواد ثنائيّة الاستخدام بحسب التصنيف الاسرائيلي، أيّ أنّها “معدّة للاستخدام المدنيّ وتصلح أيضاً للاستخدام العسكري.
ونتج عن حظر توريد قطع الغيار اللازمة لصناعة وصيانة القوارب إغلاق عشرات الورش الخاصة بصناعة القوارب وصيانتها، واستمر عدد محدود منها في العمل في صيانة القوارب فقط، أما صناعة القوارب فقد توقفت تماماً نظراً لعدم وجود مواد كافية لصناعة قوارب جديدة.
كما أن تقييد مسافة الصيد أدى إلى عزوف الصيادين عن ممارسة عملهم بشكل يومي، حيث أصبح نصف الصيادين يمارسون عملهم بشكل متقطع، وبواقع مرة واحدة أسبوعياً أو شهرياً، وذلك لأن الدخل المتأتي من عملهم لا يغطي تكاليفهم التشغيلية.
وأثر ذلك على الظروف المعيشية لـ 4.160 صياد، و700 شخص من العاملين في مهن مرتبطة بصيد الأسماك، حيث يعيل هؤلاء نحو 27.700 شخصاً من أفراد أُسرهم، وأصبحوا عاجزين عن توفير الاحتياجات الأساسية لأفراد أُسرهم.
وارتفع معدل البطالة في قطاع غزة ليصل بحلول عام 2010 إلى 45.2 بالمائة، بما يمثل أحد أعلى المعدلات في العالم. وحتى عام 2013، كان 80 % من السكان يعتمدون على المساعدات الدولية، حيث تعتبر القيود الباقية التي يفرضها الحصار تمثل "العقبة الأساسية" أمام الإنعاش الاقتصادي للمنطقة وسكانها، والذين يتلقى 750,000 منهم مساعدات غذائية من الأونروا.
حيث يصل عدد العاملين في قطاع الصيد البحري عام 1997 ما يزيد على 10.000 عامل فلسطيني، وبلغ عدد العاملين في قطاع الصيد 5606 عاملاً، من بينهم 3606 صياد عام 2019.
يتوزع الصيادون الفلسطينيون في قطاع غزة حسب التالي: (7%) في شمال قطاع غزة، (45%) في مدينة غزة، (17%) في المحافظة الوسطى، (19%) في محافظة خان يونس، (12%) في محافظة رفح. ويبلغ عدد مراكب الصيد في قطاع غزة 1261 مركب صيد فقط.
منذ الحصارعام 2006، سقط حوالي 13 شهيداً وأكثر من 920 معتقل و290 مصاباً من الصيادين، منهم من أصيب بإعاقة دائمة، إضافة إلى مصادرة 195 مركب، وتدمير وإعطاب 210 قارب وآلاف الشباك.
أدت الانتهاكات الاسرائيلية المتمثلة في تقليص مساحات الصيد ومنع إدخال المعدات والأجهزة المخصصة للصيد إلى داخل قطاع غزة إلى آثار سلبية على هذا القطاع، حيث انخفض عدد الصيادين الفلسطينيين بنسبة 73% خلال 20 عام. كما أدت سياسة الاغلاق ومنع دخول معدات الصيد إلى القطاع الى انخفاض جسيم في عدد مراكب الصيد.
مما نتج عنه ضعف المردود الاقتصادي؛ بسبب نقص كميات الأسماك التي يتم اصطيادها في ظل المساحات المحدودة للصيد، مما دفع الصيادين إلى استخدام أنواع من الشباك الصغيرة لزيادة كميات الاسماك التي يتم صيدها في المناطق المتاحة، الأمر الذي كان له انعكاسات سلبية على البيئة البحرية.
نفذت قوات الاحتلال اعتداءات ضد الصيادين في قطاع غزة، وذلك خلال الفترة من 1 مايو 2019 وحتى 30 يونيو 2020، حيث تم رصد 133 حادثة إطلاق نار تجاه الصيادين أثناء قيامهم بممارسة عملهم، وقد أسفر ذلك عن إصابة (18) صياداً، واتلاف 8 قوارب وعشرات معدات الصيد الأخرى.
وفي عام 2022 انتهكت قوات الاحتلال الإسرائيلي حق صيادي غزة أكثر من 120 مرة، حيث اعتقلت حوالي 40 صياداً حتى شهر يونيو، من بينهم أطفال، وأصابت أكثر من 15 صيادا، ودمرت وصادرت مراكب ومعدات صيد.
يُعد الحصار البحري لقطاع غزة، وتقييد حركة الصيادين الفلسطينيين انتهاكاً لقواعد القانون الدولي الانساني، التي تؤكد على الحق في العمل، لاسيما العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما تعتبر انتهاكاً للإعلان العالمي لحقوق الانسان، الذي يكفل حق جميع أفراد المجتمع في العمل المنتج والمفيد، كما تتناقض الاعتداءات الإسرائيلية بحق الصيادين الفلسطينيين مع اتفاقية جنيف الرابعة التي تُعنى بحماية المدنيين وقت الاحتلال، وتؤكد على ضرورة حماية العمال وحقوقهم.
وبالتالي يجب على الجهات الدولية ذات العلاقة، ومن بينها الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان اتخاذ كافة التدابير التي تؤدي إلى إدانة هذا الانتهاك، ووقفه وتعويض الصيادين الفلسطينيين على خسائرهم المادية والمعنوية.
والاهتمام بالدعم الدولي المقدم للقطاع الزراعي، حيث لا يزيد هذا الدعم عن 15 مليون دولار في العام، وهو مبلغ متواضع بالنظر لباقي القطاعات التي تحظى باهتمام الممولين، لذا لابد من طرح قضية تمويل برامج بناء القدرات وتمكين الصيادين الفلسطينيين على أجندة الدول المانحة.
لابد من إزالة القيود والحصار البحري على قطاع غزة من قبل الاحتلال، واتاحة الفرص للوصول إلى الأراضي الزراعية والأسواق والموارد المائية، بالإضافة إلى دور السلطة في ضرورة زيادة حصة القطاع الزراعي في الموازنة وزيادة الدعم المقدم من الدول المانحة من أجل انتعاش الاقتصاد وتخفيض معدلات البطالة، حيث إن موازنة وزارة الزراعة تقدر ب 0.65% من إجمالي الموازنة العامة الفلسطينية.
عمل الانقسام الفلسطيني على زيادة حدة هذه القيود، لذا يجب توحيد عمل كل من وزارة الزراعة في قطاع غزة والضفة الغربية في برامج مُوحّدة حتى يتمكن الصيادون في القطاع من الاستفادة من الخدمات التي تقدمها الوزارة.
وعلى السلطة الفلسطينية أن تولي اهتمام بهذه القضية، وتقوم بطرحها على المجتمع الدولي، ومجلس حقوق الإنسان، والعمل على بذل جهود دبلوماسية، وتنفيذ حملات مناصرة دولية لتسليط الضوء على معاناة الصيادين الفلسطينيين في قطاع غزة، وأن تعمل على إعادة ترميم وبناء ميناء غزة البحري الدولي الذي يعتبرأساس علمية تمكين وتأهيل قطاع الصيد الفلسطيني وفق المواثيق الدولية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت