- داود كتّاب
بالرغم من تعدد الروايات حول الفاجعة التي أنهت حياة عائلات فلسطينية بأكملها في مخيم جباليا، إلا أن هناك حقائق لا يمكن الاختلاف حولها، وهي بحاجة إلى معالجة جذرية.
أول أسباب الحريق وأكثرها خطورةً، هو قيام العائلات الغزاوية بسبب عدم استقرار التيار الكهربائي باستخدام المولدات التي تحتاج إلى كميات كبيرة من مادة السولار، التي يتم تخزينها غالباً في أسفل المجمع السكني.
طبعاً موضوع المولدات الكهربائية بحاجة إلى معالجة من زاويتين؛ أولاً من المفترض أن الفاجعة يجب أن توحّد جهود الجميع في ضرورة إيجاد حل دائم لمشكلة كهرباء قطاع غزة المحاصر، والمسؤولية الكبرى تقع على المحتل الذي يمنع ويحدّ من إمكانية إيجاد حلول جذرية لموضوع الكهرباء. ولكن الموضوع بحاجة إلى وحدة النضال أيضاً فلسطينياً وعربياً وعالمياً. لا بد من إيجاد اتفاق فتحاوي حمساوي أولاً في هذا المجال، ثم العمل مع كافة الدول العربية من دون استثناء وخاصةً الدول النفطية لدعم قطاع غزة في إيجاد حل جذري لموضوع الكهرباء من خلال تأمين مولدات كبيرة بالإضافة إلى ترتيب نقل التيار الكهربائي من الدول العربية المجاورة للقطاع. فإذا كانت الأردن، على سبيل المثال لا الحصر، تستطيع أن تنقل التيار الكهربائي إلى لبنان، فلا بد أنه من الممكن نقله إلى غزة؟
أما عالمياً، فلا بد من وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته والضغط المستمر لإيجاد حل جذري لموضوع استقرار التيار الكهربائي وإنهاء الحصار الظالم على قطاع غزة.
لكن للأسف فاجعة جباليا ليست محصورةً في موضوع الكهرباء. فمن الواضح أن هناك غياباً لأي عملية مراقبة حكومية على ما يجري في القطاع من جانب الدفاع المدني. فهل يُعقل ألا يتدخل الدفاع المدني لمتابعة ما يحدث من تخزين غير سليم للمواد المشتعلة في المنازل وفي المناطق السكنية؟
من ناحية أخرى، إذا صدقت المعلومات بأن مركبات الإطفاء تأخرت لمدة طويلة، يقال إنها أربعون دقيقةً، فهذا يعني أن كل عملية الدفاع المدني والإطفاء بحاجة إلى تقييم جذري وأخذ الدروس وإجراء تعديلات حقيقية كي لا تتكرر الفاجعة في مكان آخر وفي أوضاع أخرى.
أما موضوع البيوت والبوابات المغلقة، التي سببت عدم قدرة أحد على إنقاذ من هم داخل المنزل، فهذه تحتاج إلى نقاش لمعرفة أسبابها وطرق معالجتها في المستقبل. فهل العائلات الغزاوية لا تشعر بالأمان خوفاً من معتدين أو مجرمين إلى درجة أنها تضع أبواباً يصعب فتحها حتى في حالة طارئة مثلما حدث في هذه الفاجعة؟
طبعا المشكلات المشار إليها، كلها بحاجة إلى معالجة جذرية من خلال إيجاد آليات للمحاسبة من دون خجل أو تنازلات. فهل تستطيع حكومة الأمر الواقع الحمساوية إجراء مثل هذه المعالجات الجذرية كونها، كما السلطة في الضفة الغربية، فقدت مصداقيتها أمام المواطنين بسبب غياب الانتخابات والنقل السلس للسلطة بناءً على مبدأ أن الشعب هو صاحب الكلمة الأخيرة.
إن استمرار الانقسام وغياب أي عملية محاسبة، ومنها المحاسبة عبر صندوق الانتخابات، يخلقان بيئةً يصعب فيها إجراء تقييم جدي، وإخراج من هم غير صالحين للحكم من مواقعهم. وبالرغم من غياب الوحدة وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، إلا أن قطاع غزة تم حرمانه حتى من انتخابات بلدية، الأمر الذي يعني بالضرورة أن كافة مستويات الحكم العام والمحلي، الأمني والإداري، في قطاع غزة، بيد جهة واحدة لا تتأثر برأي المجتمع وتفتقد عناصر المحاسبة، ولا تقوم إلا بما تراه هي مناسباً.
إن فاجعة جباليا دقت ناقوس خطر يجب ألا يتم العبور عنه بسهولة، بل من الضروري أن يكون فاتحةً لإجراء تقييم جذري وعميق على كافة المستويات المحلية والقومية، داخل الجهات التي تتمتع بصلاحية الحكم، أي حركة حماس، ولكن أبعد من ذلك على مستوى قيادة الشعب الفلسطيني. لقد آن الأوان لسماع كلمة الشعب وعدم التساهل مع استمرار الحكم الشمولي من دون أي سقف زمني، وينطبق هذا على كلٍّ من السلطة في رام الله والحكم في غزة.
عن رصيف 22
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت