• علي بدوان ... عضو اتحاد الكتاب العرب

خرجت من مخيم اليرموك، بعد فترة من الحصار، وكانت بالصف الثالث الإبتدائي، وكما يقولون كانت مُسبقة سنة كاملة في المدرسة عن باقي تلميذات وتلاميذ شعبتها الصفية، ومتفوقة في أدائها الدراسي، وحراكها النشاطي الإيجابي في المدرسة.

خرجت من مخيم اليرموك، بعد فترة من حصار أسرتها، وقد صَمّت أذنيها، ودمغت أخاديد جملتها الدماغية في فترات نموها أصوات قذائف الهاون، وأزيز الرصاص، والتطاحن المأساوي، والمآسي التي وقعت، والتي كانت أشد وطأة من نكبة العام 1948 وكارثة فلسطين كما اخبرتها جدتها الحجة أم العبد ذات الخمس وتسعين عاماً لحظة الخروج من اليرموك.

جوان، الطفلة الفلسطينية، المُتخمة بالبراءة، واللماحة في الوقت ذاته، كانت في بدايات تشكّل وعيها اثناء المحنة وزمنها الذي امتد، وهي تتلمس فلسطينيتها طبقاً للسيرة المروية، والذاكرة الشفهية، التي كانت تُسمعها إياها جدتها الحجة أم العبد، عن حيفا، ووادي الصليب وشارع الناصرة حيث منزل الحجة ام العبد في فلسطين.

جوان، تلتمع عينيها بنور البراءة، و "الحذق" الذي يُمييز تكوينها وجملتها الدماغية، وجيناتها الوراثية كما تقول وقائع نشاطها، وفرط النشاط الذي يعطيها فرصة أكثر وأكثر للتطور في بناء ذاتها، وفي توسيع دائرة معارفها وثقافتها.

لقد استطاعت أن تَشُقَ دربها، وان تعود بسرعة الى مدرسة (فلسطين) التابعة لوكالة (أونروا) في حي الأمين (الأليانس) حيث يوجد تجمع فلسطيني وخدمات كاملة للوكالة. وقد بزّت تلميذات المدرسة وتلاميذها بتفوقها باللغات الأجنبية (الإنكليزية والفرنسية)، وهي موهبة على كل حال تختلف من إنسان لأخر بالنسبة لتقبل وسرعة تعلم وإلتقاط اللغات المختلفة.

وهكذا، وصلت الى نيل الشهادة الإعدادية (الكفاءة)، وبعد بثلاث سنوات نالت شهادة (البكالوريا)، لتكون طالبة في كلية الآداب، قسم اللغة الإنكليزية بجامعة دمشق، بمفاضلة نجحت بها، وبتسجيلٍ عادي (أي غير موازي)...

إنها اللؤلؤة .... جوان، التي تُتعب كل يوم ولي أمرها، بنشاطها المُفرط، وقدرتها على المناورة، وتدوير الزوايا، وسوق التبريرات عند وقوع أي ملاحظة توجه اليها، كالنشاط المتواصل عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وهو أمرٌ ايجاني في جانبٍ منه كونه يفتح افاق المعرفة، لكن لايلغي دور الكتاب والكتابة الورقية... فالكتاب يرسخ أكثر في الذهن، ويكرّس قيم معرفية وثقافية عالية.

جوان انتقلت الى مرحلة جديدة، في حياتها التعليمية، مصممة أن تكون نداً ايجابياً وتنافسياً، أمام زميلاتها وزملائها، في التقاط اللغات الأجنبية، ومتبعة التحصيل الأعلى.

إنه قدر الفلسطيني، أن يتعلم ويتعلم، و بــــ "العلم" يخوض معركة من معاركه الوطنية من اجل وطنه فلسطين.  

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت