- بقلم/ د.علي شنن
إن أكثر ما يردي النفس ويجعلها أسيرة القهر، بل ويقيدها بقيودٍ من اليأس وخيبة الأمل ما نشاهده في كثير من المؤسسات الخدماتية الحكومية كانت أم الخاصة من أشخاص يتربعون فوق أماكن وظيفية لا يَعُونَ أدنى ما تتطلبه تلك الوظائف من مقومات ومهارات وامكانيات هامة في تحقيق الاهداف المرجوة من تلك الوظائف، وهذا تحديداً ما جعلنا نركى الكثيرين منهم يلهثون خلف ماكنة الكذب " الصور " ليضع كل منهم مسؤوله في كبد الضلال وقلب الخَبَثْ، ليخفوا بذلك قصورهم وتقصيرهم بل وضعفهم المزمن فيما قد خدمتهم بتنصبه واسطتهم المُهلِكة.
والغريب فيما ذُكر ليس أن مسؤوليهم يبنون تقييماتهم وأحكامهم على تلك الصور دون بذل أي جهدٍ في تبين مدى حقيقتها، بل أن الغرابة تكمن في سؤالٍ يكثر تساؤله من قبل جميع العاملين في نفس تلك الدوائر مع نهاية كل عمل وهو :( لماذا الناتج سيء وفاشل إلى هذا الحد ؟!(.
ولنا في هذا المقام أمثلة كثيرة جداً سنذكر بعضاً من أبرزها، فعلى صعيد البلديات "وهذا للمثال وليس الحصر"، نجد رئيس البلدية ورؤساء الأقسام فيها والمدراء والعُمال "إلى جانب شعبنا" مع بداية كل فصل شتاء يتساءلون لماذا تغرق محافظات غزة؟!، أما في مجال التربية والتعليم فنجد أن الكثيرين من ذات الصلة بمالخرجات التعليمية "الطلاب" من أولياء أمور، وقادة في التعليم، ومعلمين؛ وغيرهم يتساءلون عن السبب الحقيقي خلف تضخم نسبة الأُمِّية وازديادها عام بعد عام !، وعند الحديث حول الكوارث "وما أكثرها في بلدي" نجد الشارع في كل كارثة يعيد نفس السؤال: (لماذا تصل عربات الإطفاء في نهاية الكارثة أو بعد فوات الأوان؟)، أما فيما يتعلق بالصحة والمستشفيات ..وبالإشارة إلى ما بها من خلل إداري وطبي وانعكاس ذلك على مجتمعنا سلباً، فيكفي أن نتذكر الأسئلة التي تتعلق بالسبب الرئيسي خلف ما أصاب العديد من شبابنا من بتر أطراف جعلهم يسكملون حياتهم وهم يحملون إعاقات دائمة، وهل يعود ذلك فعلاً " كما يقول الشارع " إلى ما وجدوه من تعامل خاطئ من قبل الأطباء، ولا داعي هنا للحديث عن طبيب يانع جديد التخرج قد حل محل طبيب مخضرم في تخصص ما فقط لأن الأخير قرر أن يتنحى عن الخدمة لسبب ما.
هي ليست مشكلة، كما أنها لم تعد مشكلات، هي باتت إشكاليات متجذرة في أرضٍ بور قرر ساقيها أن يمنع الماء عنها فقط لأنه صاحب سُلطة، وهذا وحده كفيل بأن نتيقن بأنه لم يتبقى أي مكانٍ سليم، ولا رجُلٌ حكيم!، وأن كُلٌ في مكانه يبحثُ عن ثُغرة ينهشُ من خلالها ما تبقى من أجسادٍ أبلتها الهموم والحاجة والخوف من المجهول، واستمرت الثغرات حتى اتسعت الفجوة لدرجة أنها أصبحت مترحاً لأشخاص كثر من اللصوص و السماسرة وتجار الدم، فجوة يحفها عدو ويُمسِكُ بها عدو ويحفظها ويحميها من أن تنكمش أيضاً عدو، أما نحنُ فنبحثُ عن أي وسيلة نجاة في بحر اليونان أو حدود أوروبا أو سجون إسطنبول.
فعلى أي حال ستكون عليه أحوالُنا ونحن نتمتم بالصمت خائفين من ظُلم إمام، ومرعوبين من أن تصغي أُذُن لبعض الكلام، أو أن يُصرح أحد كبار القوم لدينا بأن " الراتب " سيُضام؟!، قالوا قديماً بأنه "اذا أردت أن تعرف قومٍ فأُنظر إلى شيمه وقيمه"، فعلى أي شكلٍ أصبحت شيمنا وقيمنا؟!.
لو أن الرجل الحكيم في المكان السليم لما كانت ثغرات ولا اتسعت فجوات ولا استطاع عدونا على نسج بيننا العداوات، لو أن أحداً يبحث عن وطن لما ضعنا وضاع معنا هذا الوطن، لما مضينا أكثر من سبعة عقود ونحن نركد خلف التحرير دون جدوى، وكما قال أحد علماء التربية في وطني: ماذا تنتظر من شعب أذاب مصلحة وطنه من أجل مصلحة حزبه، وأذاب مصلحة حزبه من أجل مصالحه الشخصية؟!، فطالما نحن نفتقر إلى ترتيب أولويات مصالحنا، لن نتقدم خطوة واحدة نحو التحرير، أوهل يعقل أن يتحرر شعب يغرق مع بداية كل فصل شتاء؟!.
فمتى سيكون الرجل الحكيم في المكان السليم ؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت