تقدير موقف : هل ستكون غزة على موعد جديد في المواجهة مع إسرائيل

بقلم: معتز خليل

معتز خليل – باحث سياسي مقيم في لندن
  • معتز خليل – باحث سياسي مقيم في لندن

صباح الثالث والعشرين من شهر نوفمبر الحالي تعرضت شاحنة ركاب إسرائيلية لهجوم محكم أسفر عن مصرع وإصابة عدد كبير من الإسرائيليين في هجوم "نوعي" اعتبرته بعض من التقديرات الإسرائيلية بمثابة هجوم يعكس تغيرا استراتيجيا قويا في القدس التي يعتبرها الإسرائيليون عاصمتهم الآمنة.
وتزامن مع هذا الهجوم أيضا هجوم آخر تعرضت له مستوطنة إسرائيلية بالضفة الغربية ، الأمر الذي يعكس نوعية هذه الهجمات ودقتها.  
تقدير
أعترف عدد من القادة الإسرائيليين إن هذا الهجوم الأخير الذي حصل بالقدس يحمل الكثير من الدلالات الاستراتيجية ومنها:
1-               الهجوم الذي تعرضت له القدس يحمل بصمات عسكرية أو قتالية عالية ، وطبيعة التفجير والتفعيل عن بعد كلها تؤكد إن هذا الهجوم ليس من عمل شخص واحد ، وبالأحرى هو نتاج بنية تحتية لمنظمة استراتيجية عسكرية تعمل في القدس الشرقية أو لديها إمكانية الوصول إلى منطقة القدس رغم الإجراءات الأمنية.
2-               لم تتوصل إسرائيل حتى الآن إلى "أسم" معين متورط في هذه العملية ، وهناك حديث عن اعتقال بعض من المشتبه بهم ، غير ان هذا مجرد اعتقال ولا يزال يحمل الكثير من التساؤلات او التحقيقات بشأن تورطهم في هذه الخطوة.  
ما الذي جرى؟
من الواضح أن مرتكبي هذه العملية، ممن أعلنت بعض من الصحف الإسرائيلية إلقاء القبض عليهم اليوم الأربعاء ، تلقوا تدريبات نوعية ، سواء عبر التواصل الالكتروني او من خارج فلسطين ، الأمر الذي يزيد من دقة هذه النقطة خاصة وأن الهيكل التنظيمي والاستراتيجي لبنية هذه العملية العسكرية يشير إلى انها من عمل جهاز أمني لدولة وليس عملا فرديا بالمرة.
والحاصل فإن حركة حماس تسعى وبجدية لضمان تفوقها النوعي عسكريا على اكثر من صعيد ومنطقة ، وهو ما أعلنته قيادات الحركة خاصة من الشباب من قادة الفروع العسكرية التابعة للحركة.   
وتتواصل جهود حماس لتحسين بنيتها التحتية العسكرية في الضفة الغربية بشكل عام وفي القدس الشرقية بشكل خاص بكثافة كبيرة وتشكل طبقة مهمة جدًا في استراتيجية عملها ، ومنذ شهر مايو عام 2021 بات من الواضح إن حركة حماس تولي هذه المهمة أهمية استراتيجية قوية في ظل التطورات المتواصلة التي تعصف بها .
عمل نوعي
تحليل مضمون التصريحات التي تخرج من القيادات العسكرية لحماس تشير إلى آن الحركة تعمل على تطوير استراتيجيتها في "التفوق النوعي" العسكري.
غير ان هذا التطور بات محصورا في الضفة الغربية تحديدا لعدة أسباب أولها:
أ‌-     تسعى حماس للسيطرة الاستراتيجية على مناطق الضفة الغربية في الشارع خاصة مع تنافسها السياسي مع حركة فتح والسلطة الفلسطينية عموما.
ب‌-               تسعى حماس إلى الابتعاد العسكري التام عن أي تصعيد أو القيام بعمل عسكري في عموم غزة ، خاصة وان هناك أطرافا إقليمية تسعى للحفاظ على التهدئة هناك ، ومنها مصر آو قطر تحديدا.
ج‌-يعتمد هذا المحور لتفعيل المقاومة النوعية على بعض من المناطق أولها هو الضفة الغربية ثم القدس الشرقية وحتى محاولة التغلغل بين المواطنين العرب في إسرائيل ، وهناك تعاونا واضحا بين قيادات في الحركة وحزب الله اللبناني في هذا الصدد.
د- الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وتحديدا جهاز شاباك وصلته معلومات وتقديرات بوجود معسكرات للمقاومة او بالأصح قيادات او عناصر بالمقاومة الفلسطينية تتدرب مع عناصر حزب الله في لبنان عسكريا للقيام بعمليات نوعية ، وهي التدريبات التي فطنت إليها أيضا عناصر أمنية فلسطينية ، وهو ما زاد من دقة هذا الأمر خاصة وإن الحديث الآن بات متعلقا بغرف عمليات عسكرية مشتركة بين حزب الله وحماس.
 
قرار حاسم
هناك قرار شبه حاسم أعلنته قيادات أمنية إسرائيلية مفاده أن القضاء على العمليات الفلسطينية والتصدي لمساراتها المتشعبة لن يكون إلا بالقضاء على قيادات معينة في غزة ، وهو أمر أعلنته قيادات عسكرية إسرائيلية بصورة صريحه علانية دون تردد .
اللافت ان هناك قيادات سياسية بدأت تظهر على الساحة الإسرائيلية عقب الانتخابات الأخيرة تؤيد هذا التوجه ، ومنها قيادات سياسية ستكون بالحكومة وعلى رأسها بن غفير الذي سيتولى مسؤولية ما يسمى بوزارة الأمن القومي .
ويؤيد نتنياهو هذا الأمر بتصفية قيادات من حماس في غزة ان كان هذا هو الطريق لوقف العمليات ، وينادى أيضا بن غفير بهذا الأمر ، غير ان هناك بعض من القيادات العسكرية الإسرائيلية الرافضة لهذا الأمر ويعتبرون إن إلقاء القبض على منفذي العمليات وحده خطوة مهمة ولا يوجد داع في الوقت الراهن للتصعيد باستهداف العقول المدبرة الموجودة في غزة والتي تشجع على القيام بالعمليات العسكرية الفلسطينية في قلب إسرائيل لأن هذا معناه:
1-               تصعيد مع مصر التي سترفض هذه العمليات الإسرائيلية بقنص قيادات حماس
2-               تصعيد مع قطر الساعية أيضا إلى التهدئة بين حماس وإسرائيل
3-               انتصار للجناح اليميني المتشدد الذي دخل للحكومة حديثا.
 
تباين
ونتيجة لهذا التباين بين المعسكرين الإسرائيليين سواء الموافق على القيام بعمليات ضد حماس أو الرافض لذلك ، خرجت وخلال الساعات الماضية قيادات عسكرية مسؤولة بتصريحات تهدد بانقسام الجيش بل وتهديد بنيته الاستراتيجية حال مواصلة بن غفير تحريضه مع بوتقة اليمين في الحكومة .
ويفسر ذلك أيضا  اقتراح بن غفير بابتداع قوة عسكرية خاصة تتبع وزارته الجديدة (الأمن القومي) تعمل تحت اشرافه للقضاء على الإرهاب ، وهو أمر له كثير من التداعيات لو تم خاصة وأن إسرائيل في النهاية لن تسمح بتكوين منظومة ميليشياوية على أراضيها تنافس الجيش.       
تقديرات نهائية
بات من الواضح ان هناك تعاونا بين بعض من قيادات ومقاتلي حركة حماس مع حزب الله وإيران ، وهو التعاون الذي تسعى إسرائيل الآن للقضاء عليه بحزم ، غير ان تعقيدات الواقع على الأرض تشير إلى:
1-               سعي إسرائيل إلى التعاون مع السلطة الفلسطينية من أحل القضاء على هذه الجماعات المسلحة
2-               تفعيل هذا التعاون بصورة لافتة ونقل معلومات تشير إلى إن حركة حماس ومن يدعمها يرغبون في الإضرار بالحالة الاستقرارية للسلطة الفلسطينية .
وهناك أمر أخر يتجلى مع مونديال قطر ، حيث تشير تقديرات خاصة بأن هناك نماذج من الأجهزة الاستخباراتية تسعى إلى دعم علاقاتها بإيران تحديدا عن طريق متابعة جماهيرها المتواجدة في الدوحة والهجوم الإعلامي على الصحفيين الإسرائيليين المتواجدين في الدوحة من أجل متابعة المونديال ، الأمر الذي يزيد من دقة هذه الأزمة بالنهاية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت