حملت الفترة الأخيرة مفاوضات جديدة تهدف لإحياء الاتفاق الرامي إلى تطوير غاز غزة والاستفادة منه، بين مصر والسلطة الفلسطينية والاحتلال من جهة، وحماس من جهة اخرى، إذ يبدو أنها استلهمت تجربة لبنان وحضور حزب الله اللبناني في ملف ترسيم الحدود البحرية في ما يخص حقل غاز كاريش.
اكتشاف حقل غزة
منذ اكتشاف حقل غزة، حالت السياسات والتدخلات الإسرائيلية، من قيام السلطة الفلسطينية باستخراج الغاز من باطن الحقل والاستفادة من موارده، وهو ما يشير إلى سعي الاحتلال نحو تبعية فلسطين لها في مجال الطاقة وعدم استقلالها.
وبعد اكتشاف حقل غزة مارين مباشرة، بدأت المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وشركة بي جي البريطانية طرفًا، والحكومة الإسرائيلية طرفًا آخر، للتنسيق بينهما في إطار اتفاقية أوسلو التي تعطي الحق للفلسطينيين في استخراج الثروات من الأراضي التابعة لها، ولكنها في الوقت نفسه تمنح الاحتلال الإسرائيلي الحق في منع حركة الملاحة لأيّ أسباب أمنية.
وتضمنت المفاوضات تأمينَ المشترين للغاز الفلسطيني، الذي سيُستخرج من حقل غزة مارين، وبحكم أن إسرائيل في ذاك الوقت كانت ما تزال مستوردًا لمصادر الطاقة، ولم تتوصل إلى أيّ اكتشافات في الأراضي المحتلة، فكانت هي المرشح الأول للحصول على ذلك الغاز، وهي الرغبة التي أبدتها شركة إنتاج وتوزيع الكهرباء الإسرائيلية، لكن هذه المفاوضات فشلت، وفشلت معها كل المحاولات التي اتت بعدها، بسبب ظروف كرسها الاحتلال لخدمة مصالحه، غير أن الاشهر الأخيرة حملت معها مفاوضات جديدة كان للدور المصري فيها مكان، فووفقا لتقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" يوم الجمعة الماضي ، فإن المشروع، الذي تبلغ تكلفته 1.4 مليار دولار، والذي سيتم الانتهاء منه بحلول فبراير 2023 وقد يبدأ إنتاج الغاز بحلول آذار/ مارس 2024، سيكون بمثابة "تعاون عالي المخاطر بين السلطة الفلسطينية ومصر وإسرائيل وحماس التي تحكم قطاع غزة".
وأوضحت الصحيفة، أن حماس وإسرائيل اللتين خاضتا أربع حروب مدمرة في قطاع غزة، يتوجب الآن أن يكون كلاهما، ضمنيًا على الأقل، على نفس المركب، كما حصل في الاتفاق التاريخي الذي أبرم بين لبنان وإسرائيل بشأن الحدود البحرية، وحظي بدعم حزب الله.
دور مصري فعال
وفي خضم هذه المفاوضات بين العديد من الأطراف يأتي التدخل المصري الذي يسعى لتطوير استخراج غاز غزة حيث قال مسؤولون مصريون وفلسطينيون، إن مصر تهدف إلى تولي مسؤولية تطوير حقل الغاز الطبيعي البحري في غزة، فيما سيكون بمثابة دفعة للاقتصاد الفلسطيني الذي يعاني ضائقة مالية، وفقا لما نقلته وكالة "رويترز".
وبينما تنتج مصر وإسرائيل الغاز في شرق البحر المتوسط منذ سنوات، ظل حقل غزة البحري، الواقع على بعد نحو 30 كيلومترا قبالة ساحل غزة، غير مستغل بسبب الخلافات السياسية والصراع مع إسرائيل، إضافة إلى العوامل الاقتصادية، وكان المشروع آخر مرة في عهدة شركة النفط الكبرى "شل"، التي تخلت عن حصتها فيه عام 2018.
وظل الفلسطينيون يبحثون عن مجموعة أجنبية جديدة تتولى مسؤولية الحقل، وتحتفظ الشركات الفلسطينية بما لا يقل عن 55% من الأسهم، بحسب قرار مجلس الوزراء آنذاك.
وقال مسؤولون، إن الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) المملوكة للدولة، بدأت محادثات العام الماضي مع صندوق الاستثمار الفلسطيني وشركة اتحاد المقاولين للنفط والغاز، وهو تحالف من الشركات المرخصة لتطوير الحقل.
وذكر مسؤول في المخابرات المصرية لـ"رويترز" في القاهرة، إن "إيجاس" ستعمل بالتعاون مع السلطات الفلسطينية على تطوير حقل غزة مارين.
وأكد المسؤول الأمني المصري، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن القاهرة تجري مفاوضات منذ حوالي شهرين مع إسرائيل، ومن المرجح أن تضطر إلى الموافقة على المشروع.
لا جديد دون حماس
مشاركة مصر والسلطة الفلسطينية وإسرائيل في اتفاقية واحدة حول غاز غزة لن يتم دون موافقة حماس وهو ما اوضحه تقرير لواشنطن بوست الأمريكية، والذي جاء فيه " إلى أنه حتى لو حظي المشروع ككل بموافقة إسرائيلية، فإن السلطة الفلسطينية ستل تواجه منافسها حركة حماس، التي طالبت بنصيب من المكاسب المتوقعة".
وفي هذا الصدد قال غازي حمد عضو المكتب السياسي لحماس لصحيفة واشنطن بوست: "لن نسمح باحتكار الغاز وبأن لا تستفيد منه غزة كما يجب".
دور حماس في اتفاقية غاز غزة يشبه كثيرا دور حزب الله في اتفاقية ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل وهو ما تطرق إليه السفير السابق مايكل هراري، والباحث بالمعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية- ميتافيم، والذي أشار إلى أن "نظرة أخرى للظروف التي أدت للاتفاق الإسرائيلي اللبناني تظهر عددًا من أوجه الشبه المثيرة للاهتمام مع المجال الفلسطيني، لأنه من وجهة النظر الدولية، وبعد حرب أوكرانيا، زادت جاذبية الغاز من شرق البحر المتوسط، رغم أنه فقط على المدى القريب، ظهر سوق الطاقة الفلسطيني صغيرا للغاية، لكن في ظل ارتفاع أسعار الطاقة، فإن بديل التصدير جذاب، وستساعد العائدات المتوقعة الاقتصاد الفلسطيني بشكل كبير".
وأشار إلى أن "اللاعبين الفلسطينيين في ملف الغاز هما السلطة وحماس، ومن وجهة نظر إسرائيل والمجتمع الدولي فإن عنوان مناقشة هذا الأمر هو السلطة، ولكن في الوقت ذاته لن يكون من الممكن التقدم في القضية دون تدخل فاعل وعملي من حماس، وكما في الحالة اللبنانية، يتمتع الوسيط المصري بحرية عمل أكثر من الوسيط الأمريكي في الساحة اللبنانية، حيث تحافظ على اتصالات مباشرة مع حماس، بعلم، وحتى بمباركة إسرائيل، وستكون قادرة على إجراء اتصالات أسهل مع الجانبين".
وأوضح أن "السؤال الإسرائيلي الأهم يتعلق بمدى قدرة السلطة وحماس على جسر خلافاتهما ومصالحهما للمضي قدما في موضوع الغاز، لأنه لا ينبغي الاستخفاف بعمق الخلافات التي تتعلق بتوزيع الإيرادات المستقبلية، مما يطرح على إسرائيل مسألة معقدة، وتشكل تحدياً أمنيا وسياسيا، حتى لا يسفر ملف الغاز عن تقوية وترسيخ حماس في غزة، رغم أن تسوية القضية تتطلب موافقة الحركة، بما فيها توزيعات الأرباح".
من جهة اخرى أكد العديد من الخبراء في الشأن الفلسطيني أن غاز غزة مشروع فلسطيني وقد يكون الأهم والأكبر اقتصادياً منذ تأسيس السلطة الفلسطينية، ومانح الرخصة هي الحكومة الفلسطينية ومردوده ينعكس على الجميع، بالتالي يجب أن يكون أكبر وأهم من أية تجاذبات سياسية ولا يجب أن يخضع لأية محاصصات فصائلية.
موقف حماس وإيران
لا يتوقف موقف حماس من استغلال غاز غزة فقط على الإيرادات وكيفية توزيعها ، إلا أن موقف حماس الحقيقي من الجلوس على طاولة حوار واحدة مع الاحتلال لن يتحقق دون أخد الموافقة من إيران، بالنظر للارتباط الكبير بينهما وموقف إيران من إسرائيل، خاصة في ظل الدعم المادي والعسكري الكبير الذي تمنحه إيران لحماس منذ سنوات فضلًا عن تدريب عناصر القسام على يد أعضاء الحرس الثوري، وهو ما يجعل حماس غير قادرة على اتخاد قرارات دون الرجوع إلى حليفتها إيران، أي أن تسهيل حماس لموضوع استغلال غاز غزة مرتبط بقبول الجانب الإيراني لذلك.
حاجة فلسطين لعائدات غاز غزة
حاجة الاقتصاد الفلسطيني لعائدات غاز غزة لا يمكن انكارها، حيث يعتقد الخبراء بحسب مؤشرات الاحتياطات الصادرة من حقل غزة أن الإنتاج المتوقع سيكون كبيرا، ويهدف لتحقيق الاكتفاء الذاتي في أسوأ الأحوال، مع استفادة إسرائيل من نسبة يتفق عليها من الإنتاج.
غاز غزة وما يمثله من كنز دفين للقطاع المحاصر والذي يفتقد أياً من الموارد، يعد طوق النجاة والحلقة الأولى من حلقات الانفكاك الاقتصادي المنشود عن الاحتلال. فحقل غزة (مارين) يحتوي على ترليون قدم مكعب، بحجم إنتاج يقدر بحوالي 1.6 مليار متر مكعب سنويًا (حوالي 57 مليار قدم مكعب). فيما وُصِفَ هذا الغاز بأنه نقي، مما يسهل بيعه، وقريب من الشاطئ، مما يسهل عملية استخراجه بأقل التكاليف
وحسبما أفاد صندوق الاستثمار الفلسطيني في تقرير له عام 2012 م أن ما يمكن الاستفادة منه من غاز غزة سيوفر أكثر من 560 مليون دولار سنويًا في فاتورة الطاقة للسلطة الفلسطينية، وعائدات مباشرة تقارب 2.5 مليار دولار(ما يعادل 45% من موازنة السلطه السنوية) على مدى عمر المشروع الذي يصل إلى 20 عامًا للحقل، إلى جانب توقع فرص استثمار ضخمة في قطاع الطاقة لشركات توليد الطاقة المستقلة.
وعليه فإن ابرام اتفاق حول غاز غزة مع الأطراف المعنية مرهون بمواقف عديدة اهمها الإتفاق على توزيع الإيرادت بين جميع الفاعلين، خاصة الجانب الفلسطيني الذي يمتلك الأحقية الكبرى في استغلال موارده.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت