- علي ابو حبلة
إذا كان الفساد يرافق الحكم في كل دول العالم وبخاصة دول العالم الثالث ، لكن المميز في إسرائيل مؤسسات القانون والشرطة والقيادة والمحكمة العليا, تلاقي الدعم الشديد والكبير من الرأي العام والصحافة لمكافحة الفساد، وهذه المكافحة تتسم بالشجاعة لدرجة أن يكون هناك وزير داخلية في قفص الاتهام ورئيس حكومة ورئيس دولة ووزير مالية وغيرهم في قفص الاتهام.
خلال السنوات القليلة الماضية، حذر مراقب الدولة الإسرائيلي السابق القاضي المتقاعد إليعازر غولدبرغ من أن الفساد يهوي بإسرائيل سريعا إلى الحضيض، مؤكدا أنه صار أخطر من أي خطر سياسي أو أمني يهددها.
التفاعلات التي تتفاعل في المجتمع بشان قضايا الفساد والتباين في المواقف بفعل الانقسامات الحادة بين الأحزاب الا أنها تنال من الاستثمار الدعائي الإسرائيلي في تصوير هذا المجتمع بأنه الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، والدولة الحديثة التي تطبق معايير النزاهة وسيادة القانون وسط محيط عربي غارق في الفساد والظلم.
ورغم أن الفساد يجد له جذور في هذا الكيان وجذوره تكمن في فترة تهجير الشعب الفلسطيني وإعلان تأسيس دولة إسرائيل ، فإن مظاهر فساد النخبة الإسرائيلية بدأت تتجلى حوالي عام 1967 ثم أخذت تتطور في صور معقدة ،وبعد أن كانت شبهات الفساد وحدها كفيلة بإسقاط الزعماء، كما حدث لرئيس الوزراء إسحاق رابين الذي اضطر للاستقالة عام 1977 بسبب عاصفة أثارها خبر امتلاكه وزوجته حسابا مصرفيا بالدولار الأميركي، وصل المجتمع إلى حالة متطورة لم تعد فيها تلك الأخبار والاتهامات في حد ذاتها كافية «لتصحيح الأوضاع» في دولة الاحتلال.
مسلسل الفساد لا ينتهي في رموز النخبة السياسية والدينية وها هم رموز النخبة السياسية التي أدينت في قضايا فساد أو وجهت لها اتهامات بالفساد المالي أو الأخلاقي:عزرا وايزمن اضطر للاستقالة من منصب رئيس ألدوله بتهم تلقيه أموال رشي ، والرئيس موشيه كتساف استقال من منصبه في يونيو/حزيران 2007 على خلفيه إدانته بتهم الاغتصاب والتحرش الجنسي ، ورئيس الوزراء إيهود أولمرت اتهم في قضيتي فساد، وحُكم عليه بالسجن 19 شهرا بتهمة الاحتيال وخيانة الأمانة وعرقلة سير العدالة، ورئيس الوزراء أرييل شارون اتُّهم ،بتلقي رشا بمئات الآلاف من الدولارات عندما كان يشغل منصب وزير الخارجية في أواخر التسعينيات من القرن الماضي من رجل الأعمال الإسرائيلي ديفد أبيل، لمساعدته في الحصول على تصريح لمشروع عقاري في اليونان فيما صارت تُعرف بقضية الجزيرة اليونانية
وصل النظام السياسي في إسرائيل مرحله اللامبالاة بالفساد والاستعداد لقبوله ولا سيما في مستويات النخبة السياسية والدينية والمستوطنين ، و لم تعد فيه تهم الفساد بالرادع فقد وجه المدعي العام الإسرائيلي اتهامات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال في قضايا جرى التحقيق فيها لمدة طويلة ،غير أن هيمنة نتنياهو على السياسة الإسرائيلية لسنوات طويلة -وهو الأكثر بقاء في السلطة- ونجاحه في عبور العديد من المحطات الانتخابية رغم الضجة التي أثارتها التحقيقات الأولية في تلك القضايا، يشير وفقا لبعض المتابعين إلى المدى الذي وصل إليه المجتمع الإسرائيلي من اللامبالاة والتصويت لصالح نتنياهو وغيره ممن هم متهمون بالفساد ، وقبل الانتخابات، حدث خلافٌ كبيرٌ بين بنيامين نتنياهو وايتمار بن غفير، بعدما رفض نتنياهو الصعود على المنصة -أثناء الاحتفال بعيد "بهجة التوراة"- أثناء وجود ايتمار بن غفير عليها، لتجنب التقاط صورة لهما. لكن سرعان ما تم تطويق الخلاف، وأعلن نتنياهو أنه سيمنح ايتمار بن غفير حقيبة وزارية في الحكومة المقبلة. وبموجب الاتفاق بين نتنياهو وابن غفير تم منح الأخير حقيبة وزير الأمن الداخلي
بنيامين نتنياهو في سبيل تحقيق مصالحه الشخصية يسعى إلى استغلال معسكر اليمين لإنهاء محاكمته في قضايا فساد يواجهها منذ سنوات. وسبق أن أعلن ايتمار بن غفير أنه سيعمل لإلغاء محاكمة نتنياهو كلها من خلال "القانون الفرنسي" الذي يعني منع محاكمة رئيس حكومة أثناء ولايته.
إسرائيل بلغت مستوى متقدم من حالات استشراء الفساد وتحتل المرتبة 36 من بين 180 دولة في تقرير عام 2021، بعد أن احتلت المرتبة 28 قبل خمس سنوات. من بين 37 دولة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تحتل إسرائيل المرتبة 29، متراجعة أربع مراتب مقارنة بالعام الذي سبقه.
وستزيد حالات الفساد أكثر في ظل حكم اليمين الفاشي وشرعنة الفساد من قبل قادة الأحزاب اليمينية المتطرفة يتقدمهم يتمار بن غفير وسعيه لتبرئة نتنياهو وغيره من قادة الأحزاب الدينية واليمينية وتبرئتهم من تهم الفساد وإطلاق يد المستوطنين والجيش لارتكاب الجرائم بحق الفلسطينيين دونما مسائله أو محاسبه عن فسادهم وجرائمهم
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت