أَيْ نِظَامٍ ضَرِيبِيٍّ نُرِيدُ؟

بقلم: مؤيد عفانة

Moayad Afanah.jpg
  • بقلم: مؤيد عفانة
  • باحث وخبير في قضايا الموازنة العامة

يتكّوَن النظام الضريبي في فلسطين من الضرائب المباشرة، والضرائب غير المباشرة، فالضرائب المباشرة تُفرض وتُجبى من المكلفين العاملين في أراضي الدولة، وهي تُفرض على أرباح الأعمال والرواتب، وما شابه من الدخول المتحققة للأفراد والشركات، ومنها: ضريبة الدخل، وضريبة الأملاك، وهي ضريبة "عادلة نسبيا" كونها تُجبى من المكلفين تبعا لمستوى دخلهم، وما يملكونه من أملاك من مبانٍ وأراضي وغيرها. أمّا الضرائب غير المباشرة، فهي ضريبة (عمياء) تفرض على أنشطة الاستهلاك والإنتاج والاستيراد، ومنها: ضريبة القيمة المضافة، ضريبة المحروقات، الرسوم الجمركية والمكوس، ....، وتِبعاً لبيانات وزارة المالية الفلسطينية في العام 2021، فإن الإيرادات الضريبية بشقيّها، تشكّل ما نسبته (91.5%) من إجمالي صافي الإيرادات للسلطة الوطنية الفلسطينية، وتأتي تلك الإيرادات الضريبية عبر الإيرادات الضريبية المحلية، او الإيرادات الضريبية عبر "المقاصّة" مع إسرائيل.

ومن خلال التحليل الكمّي لمبني (هيكل) الإيرادات الضريبية في فلسطين، فإن الضرائب المباشرة (الدخل والأملاك)، شكلّت فقط (8%) من اجمالي الإيرادات الضريبية في فلسطين في العام 2021، في حين أن نسبة الضرائب غير المباشرة (القيمة المضافة، المحروقات، الجمارك، السجائر ...)، والتي يتم تحمليها على المستهلك، بلغت (92%) من اجمالي الإيرادات الضريبية، وبالتالي فان الضرائب (العادلة) تشكّل نسبة ضئيلة جدا لا تتجاوز (10%) من اجمالي الإيرادات الضريبية، في حين أن الضرائب (العمياء) تشكّل الغالبية العظمى من الإيرادات الضريبية.

ومن خلال المراجعة التحليلية لفلسفة النظم الضريبية، فإنها تعتمد على أسس اجتماعية ومالية واقتصادية، فوظيفتها الاجتماعية، تتمثل في إعادة توزيع الثروة بما يكفل تحقيق العدالة الاجتماعية في الدولة، وتوظيف الإيرادات الضريبية في تحقيق الاستقرار الاجتماعي، وتوفير الخدمات الاجتماعية، والحماية الاجتماعية للفئات المهمشة والضعيفة والفقيرة. أما وظيفتها المالية فتتمثل في تأمين الإيرادات لخزينة الدولة من أجل تغطية النفقات العامّة، في حين أن وظيفتها الاقتصادية فتتمثل بكونها أداة رئيسة من أدوات السياسة المالية للدولة، والتي تستخدمها من أجل تحفيز النمو الاقتصادي، أو الحدّ من مستويات التضخم، أو حماية الاقتصاد الوطني من خلال فرض ضرائب معينة، أو تخفيضات ضريبة، وغيرها.

ومن هذا المبادئ، يجب أن يحقق النظام الضريبي الفلسطيني فلسفة الضريبة، من خلال تعظيم الإيرادات، وحماية الاقتصاد الوطني، والأهم تحقيق وإنفاذ العدالة الاجتماعية، ولكن ومن خلال التحليل الكمّي السابق، نجد أن الأرقام تشير إلى اعتماد النظام الضريبي بشكل رئيس على الضرائب غير المباشرة، وليس الضرائب المباشرة على الثروة والأملاك، والتي تتنافى ومفهوم العدالة الاجتماعية.

فمثلا ضريبة الدخل، وهي ضريبة مباشرة، ورغم أهميتها الكبيرة في إعادة توزيع الثروة بين الأغنياء والفقراء انفاذا للعدالة الاجتماعية، الا أن مساهمتها في الإيرادات الضريبية عام 2021 على سبيل المثال، لم تتجاوز (8%) من إجمالي الإيرادات الضريبية، بمعنى أنّ رؤوس الأموال من شركات، وافراد، لا يساهمون بالشكل المطلوب في الإيرادات الضريبية، مقارنة مع دول العالم المختلفة، حيث نلاحظ أن نسبة إسهامات ضريبة الدخل في اجمالي الإيرادات الضريبية أعلى بكثير مما هو عليه الحال في فلسطين، كما أن مبدأ التصاعدية في ضريبة الدخل، والتي تعتبر من أسس العدالة الضريبية، نجد نسبتها في بعض الدول في العالم تتدرج وتصل الى حوالي 42% أو أكثر، ولكنها في فلسطين تفتقر لمبدأ التصاعدية، وأقصاها 15% للأفراد، وللشركات 15%، عدا الاحتكارية التي تصل الى 20%، والمفارقة في الأمر أن ذات المؤسسة، وخاصة في القطاعات المصرفية والتجارية، تعمل في فلسطين بنسبة ضريبة دخل أقل بكثير من تلك الضريبة المفروضة عليها في دول أخرى تعمل فيها ذات المؤسسات.

أمّا الضرائب غير المباشرة، والتي تتنافى والعدالة الاجتماعية، فمنها ضريبة القيمة المضافة ( (VAT، والتي شكّلت ما نسبته 26% من الإيرادات الضريبة في العام 2021، وهي ضريبة "عمياء"، تمس كافة الفئات في المجتمع دون تمييز وتبلغ نسبتها (16%) من قيمة المبيعات، وتكمن إشكالية ضريبة القيمة المضافة أن الفئات الفقيرة والمهمشة مجبرة على دفعها كونها على السلع والخدمات دون تمييز، فعلى سبيل المثال تتم جباية ضريبة القيمة المضافة عن سلع أساسية مثل الخبز والحليب، وخدمات أساسية مثل الاتصالات والكهرباء، بذات النسبة الخاصة بالسلع والخدمات الكمالية مثل الحلويات الفاخرة أو العطور الثمينة، رغم ضرورية الأولى للفئات الفقيرة، وترفية ورفاهية الثانية.

في ضوء ما تقدم فإننا (كمواطنين) نحتاج لنظام ضريبي فلسطيني أكثر عدالة، وأقل ضغطا على الفئات الفقيرة، خاصّة وأنّ الإيرادات الضريبية هي عماد الجباية في السلطة الوطنية الفلسطينية، فالنظام الضريبي الحالي يعاني من ثغرات لا تستقيم وفلسفة العدالة الاجتماعية، وهو بحاجة إلى تعديلات جوهرية (ثورية) تجاه التمييز الإيجابي لصالح الفئات الفقيرة، من خلال العمل على محورين، تعديل قانون ضريبة الدخل بما يكفل انفاذ مبدأ التصاعدية في ضريبية الدخل، والتوسع العمودي التصاعدي من خلال إضافة شرائح بنسب مرتفعة لرؤوس الاموال والشركات ذات الأرباح الكبيرة، والتوسع الافقي في جباية الضريبة ليشمل المهن الحرة بشكل علمي ومنهجي، وفي ذات الوقت توسيع شريحة الإعفاء الضريبي للفئات الأقل دخلا، وهذا الأمر حال تطبيقه سيعزز من الإيرادات العامة للدولة أيضا، كذلك يجب العمل الآن على تضمين قضايا العدالة الاجتماعية في مشروع قانون ضريبة القيمة المضافة، والذي تعمل الحكومة على اعداده حاليا، بحيث يتضمن تدريج لنسب ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات تبعا لمدى ضروريتها أو كماليتها، بحيث تكون صفرية او قريبة من الصفر على السلع والخدمات الأساسية، وترتفع نسبتها تبعا لمستوى رفاه السلعة، وبالتالي دعم السلع الأساسية، من أجل المساهمة في تعزيز العدالة الاجتماعية وتوفير الحماية الاجتماعية للفئات الفقيرة والمهمشة.

 وختاما، لا يمكن لشعب يَنْشُد "الحرية"، ألا تتوفر لديه مقوّمات الصمود، وألا يتم انفاذ العدالة الاجتماعية فيه، كونها ركيزة رئيسة للعقد الاجتماعي ما بين الدولة والشعب، ورافعة لتعزيز الشعور بالمواطنة والانتماء.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت