رضوانيات الحلقة الرابعة والعشرون.....

بقلم: رضوان عبد الله

رضوان عبد الله.jpg
  •  بقلم سفير الاعلام العربي عن دولة فلسطين.... الاعلامي د. رضوان عبد الله

مذكرات طالب....الجزء الثاني..
رضوان عبد الله
   مدرسة حقا ومعلم كاد ان يكون رسولا...!!!
   فرصة التعلم توفرت لنا اكثر من جيل النكبة، و اكثر طبعا بكثير وهذا بمعرفتكم جميعا، والطالب الذي كان يذهب مشيا من بيته الى المدرسة لمسافات طويلة تحت مطر الشتاء معتمرا النايلون او قبوعة فوق مريوله والجزمة البلاستيك ليتحاشى الغوص في وحل الزواريب والطرقات وفي الجانب الاخر يتمطى تحت شمس الربيع واوائل الصيف صار اليوم مثيله لا يذهب لمدرسته التي يراها من نافذة بيته الا بالباص او بالبسيارة ان لم يكن بالرانج روفر او بالـ....!
   والمدرسة التي كانت تهدر الرياح الخمسينية او عواصف الشتاء تكسر زجاجها من قصف جوي او مدفعي او حتى بحري ويضطر الاهالي ومدراء المدارس وضع لوائح النايلون عليها الى ان تتوفر الامكانيات لاصلاح ما تكسر منها، ام المختبر المتواضع الذي كنا ندخله لاجراء بعض التجارب البسيطة فيه او في المشغل الاكثر تواضعا والذي كنا نمضي فيه حصة جميلة من المهارات اليدوية والابداعية لا يمكن ان يكون اجمل وسائل الايضاح المتطورة الحالية فلو توفرت بالمدارس لابدع اليوم من ابدع من الطلاب بشتى الاجيال. حتى البوق الكشف الذي كان مديرنا المحبوب يعلمنا عليه نشيد (اه يا زين العابدين) وكنا نستمتع به لا اعتقد انه كان يلبي طموح المدير نفسه، بل يا ترى ما ذا يحصل او توفرت الادوات الموسيقية الجميلة والمتطورة من ضمن مشتريات المدرسة؟!
   ماذا يمكن ان اتذكر بعد لاعبر لكم ولنا عن خالص تحياتنا لمدرسينا الذين كنا نحبهم والى اولئك الذين اخطأوا بحقنا ربما كانوا على صواب وربما كانوا يهدفون بان يصنعوا منا جيلا ما صنع منه جيل من قبل... ولا من بعد؟ ربما كنا نشعر بالظلم ولكن (الله يرحم من بكانا وبكى علينا وليس من ضحكنا وضحك علينا) كما كان يرددها علينا ذلك المدير نفسه في طابور الصباح.
   الطابور الذي كنا نغادر عبره من صفنا الى بوابة المدرسة (واحد ورا واحد دون نظرة الى الوراء وبدون نفس) اين هو اليوم؟ الانضباط اولا وثانيا واخرا... الخوف وليس الرعب مطلوب ان تفرض شخصية المدرس حتى توحيد اللباس الموحد (مش ضروري كاكي) يعطي رونقا جميلا يعتز به الطلاب كما كنا فعلا نعتز به ولو بلونه الكاكي الذي لم يكن محببا الينا لانه يذكرنا بالجندي البريطاني الذي وهب وطننا الى الاعداء بل ان من لم يكن يلبسه يعاقب ورغم ظلم العقاب الا انه كان ياتي بنتيجة ويجعل الطالب واهله منضبطين بالمحافظة على اللباس ولو اضطروا لغسله مساءا وكويه صباحا....
   هل من ذكريات اخرى الحقكم بها واتحفكم بسماعها ؟! نعم ، احدى المدارس التي تعلمنا تحت اسقف جمعتنا ، طلاب و طالبات ، و بين حيطان قديمة هي جدران صفوفها ، كان المدرسون يجعلون من عامل المنافسة يغزو قلوبنا حتى ان احد المدرسين لمادة الرياضيات حفزنا بجائزة معنوية لمن ينهي الامتحان كاملا صحيحا بعشر دقائق، وحين كان ذلك تفاجأ المدرسين الذي كان يناوب بالملعب اننا (اول ثلاثة طلاب) خارج الصف، لكنه فوجئ بأننا انهينا مسابقة الرياضيات بعشر دقائق وبعد ان تأكد من مدرس مادتنا سمح لنا بمغادرة المدرسة الى المنزل. الى هنا لم تنته القصة، فمن ناحية حين وصلت الى الممنزل "تناولتني والدتي "ليش راجع من المدرسة بكير، في اضراب او عطله"مستدركة " بس ما في قصف على شي مخيم ولا مناسبة وطنية او غير وطنية ؟ وفوجئتت والدتي الحنون بإني انهيت الامتحان وسردت لها قصتنا نحن الثلاثة الاوائل... وطبعا باليوم التالي اخبر زميلي الاخرين ان امهما ايضا استجوبتهم بنفس استجواب والدتي، فالآباء كانوا بالعمل وقتئذ، فرغم امية امهاتنا كن يهتممن بعلمنا ويعرفن كيف يتابعون امور دراستنا في غياب الوالد الذي كان يسعى ويكد من اجل لقمة عيشنا وقوت العائلة .
لا نستطيع ان نختصر المذكرات ولا الذكريات بصفحات معدودة ولكن الايام الماضية نستطيع تذكر الجميل فيها والامر السيء لا يمكن ايضا ان ننساه، ولهذا وفي الايام العصيبة التي كنا نمر بها في فترة ما بين 76 الى 82، حيث كانت ايام قصف وتهجير ودمار وحروب والغاء متكرر للشهادات الحكومية وربما لامتحانات نهاية السنة، وهذا رغم المه كان يريحنا من الدراسة ولا انكر ذلك....
   هذه الذكريات من المرحلة الابتدائية والمتوسطة ، اما المرحلتين الاخريين (الثانوية وبقية المتوسطة كان لها لقاء اخر... ) ربما يكون هنا على هذه الصفحات الغراء... ربما يكون في كتاب... وربما لا يكون، لماذا؟ اقلبوا الصفحة وتذكروا ما كان يحصل معكم، واعرضوا تجاربكم على الاقل على ابنائكم او اخوتكم الاصغر فابنائهم وبناتهم علّ العبر تفيدهم وتفيدنا جميعا... ولا تنسوا ان تتذكروا الماضي البعيد فالاقرب فالاقرب، ربما يُزال الصدأ عن الذاكرة كي نحيي الامل الجميل... تذكروا فأحيوا لتحيوا ونحيا !!!
    رغم كل المعاناة وظروف اللجوء والنكبة ومابعدها من صعوبات التهجير المتعدد الاماكن والاسباب ، وظلم ذوي القربى في لبنان ، ورغم بساطة الحياة وقساوتها معا ، الا ان المدرسة كانت صرحا للتربية والتعليم فعليا ، وكاد المعلم ان يكون رسولا كما قال شوقي ، شاعرنا الكبير رحمه الله....فترحموا على من توفي من اساتذتنا ومدراء مدارسنا واطال الله بعمر من بقي وامدّهم من عنده مدا جميلا .....

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت