يعاني كبار السن في قطاع غزة الذي يقطنه أكثر من مليوني نسمة ويخضع لحصار إسرائيلي مشدد منذ العام 2007، من واقع مرير بفعل حالة الفقر التي يعيشونها.
ويشكو فئة كبار السن من سكان القطاع المكتظ من أوضاع اقتصادية صعبة جراء غياب المساعدات والخطط الحكومية التي تعينهم على تأمين حياتهم في ظل الأزمات الخاصة بهم.
ويعد الحاج أبو سلمان (52 عاما) صاحب كشك لبيع القهوة والشاي على قارعة أحد الشوارع الرئيسية في القطاع واحد من كبار السن الذين اضطروا للعمل من أجل إعالة أفراد عائلتهم.
ويقول أبو سلمان بينما يجهز كاسة قهوة لأحد زبائنه داخل الكشك المصنوع من الحديد وأسفله أربع عجلات لوكالة أنباء (شينخوا) إن الكشك يمثل "حياتي ومصدر رزقي كوني لا أملك أي دخل".
ويضيف أبو سلمان الذي كسا الشيب شعره ولحيته أن العمل بالكشك في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في القطاع وعدم تلقيه أي مساعدة من قبل أي جهة فرصة لإنقاذ عائلته من الفقر.
ويظهر أبو سلمان سعيدا في عمله بصنع المشروبات الساخنة للزبائن على الرغم من المردود المالي الضعيف الذي يجنيه يوميا وبالكاد يصل إلى (10 شيقل إسرائيلي أو ما يعادل 2.5 دولار).
وتشكل فئة كبار السن نسبة قليلة من حجم السكان، إذ بلغ عددهم في الأراضي الفلسطينية حوالي 297 ألف شخص بما نسبته نحو 5.5 % من إجمالي السكان بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وقال الجهاز في تقرير صدر عنه في أكتوبر الماضي، إن عدد كبار السن يتوزع بواقع 196 ألف شخص في الضفة الغربية يشكلون نحو 6.2 % من سكانها، و101 ألف شخص في القطاع يشكلون 4.7 % من إجمالي السكان.
وحسب التقرير فإنه رغم الزيادة المتوقعة في أعداد كبار السن في الأراضي الفلسطينية خلال السنوات القادمة إلا أنه يتوقع أن تبقى نسبتهم منخفضة وفي ثبات، ولن تتجاوز 6% خلال سنوات العقد الحالي.
وأشار التقرير إلى أن نسبة المشاركة في القوى العاملة بين كبار السن بلغت 14% خلال العام 2021، حيث توزعت بواقع 18% في الضفة الغربية، مقابل 6% في قطاع غزة.
كما بلغت نسبة كبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة حوالي 72% و69% على التوالي، كما بلغت هذه النسبة حوالي 66% بين الذكور و76% بين الإناث.
وجواد أبو عمرة (50 عاما) واحد من الأشخاص الذين سدت سبل الأمل في وجهه بعد فقدان عمله في مجال البناء بعد أن "أنهك" مرض السرطان جسده وتلاشت قوة ملامحه وكسر عود إرادته.
وأصبح أبو عمرة المتزوج ولديه أطفال يعيشون داخل منزل بوضع اقتصادي صعب لا يستطيع توفير المأكل والمشرب لهم ولا حتى الدواء الذي يساعده على تخفيف أوجاعه جراء المرض.
ويقول أبو عمرة بينما يفترش الأرض وحوله مجموعة من الأدوية إن "إصابته بمرض السرطان جعله حبيسا داخل منزله دون أي عمل يوفر المال لإعالة أفراد عائلته كما كان في السنوات السابقة".
ويضيف أبو عمرة ويجلس حوله زوجته واثنين من أطفاله لـ (شينخوا) أن مطالب العائلة تزيد مع كبر سنوات أطفاله ما يزيد مصاعب الحياة لديه بسبب عدم امتلاكه أي مال أو قدرته على العمل بفعل المرض.
وتحاول وزارة التنمية الاجتماعية في القطاع العمل جاهدة من أجل تقديم مساعدات مالية أو عينية للعائلات الفلسطينية الفقيرة أو لا يوجد لديها معيل بين وقت وآخر بحسب وكيل الوزارة غازي حمد.
وقال حمد خلال مشاركته في ندوة عقدت بمدينة غزة قبل أيام إن الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع يمثل عائق أمام جهود وزارته من خلال خلق حياة "مليئة بالضغط والتوتر والخوف".
وأضاف حمد أن "الاحتلال الإسرائيلي يمنع تأسيس أي بنية تحتية قادرة على الارتقاء بالاقتصاد في القطاع وهناك العديد من المشاكل الاقتصادية التي ظهرت بسبب الحصار وتعمقت في المجتمع".
وتفرض إسرائيل منذ العام 2007 حصارا على القطاع بعد أن سيطرت حركة (حماس) عليه بالقوة، كما شنت منذ ذلك الحين خمس عمليات عسكرية واسعة النطاق للحد من التهديد الصادر من القطاع ما أدى لتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
ويقول سمير أبو مدللة أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة إن القطاع الذي يعد من أكثر المناطق السكانية اكتظاظا في العالم كون مساحته لا تتجاوز 360 كم بلغ معدل الفقر فيه 64%، بينما 33% من سكانه يعيشون في فقر مدقع، فيما 57 % يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
وأضاف أبو مدللة لـ (شينخوا) أن 80% من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية والمنح المقدمة من المنظمات الدولية، بينما 51% من السكان يعانون من البطالة، فيما تبلغ معدلات البطالة في صفوف الشباب نحو 71%.
ويرى مدير شبكة المنظمات الأهلية في غزة أمجد الشوا أن القطاع يعيش "أسوأ" ظروفه الإنسانية في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض وحالة الانقسام الداخلي الفلسطيني.
ويقول الشوا لـ (شينخوا) إن الحصار أضر بالاقتصاد والأمن الغذائي في القطاع ومس جميع شرائح المجتمع، مشيرا إلى أن أوجاع الحصار موجودة في كل بيت فلسطيني وعلى مرأى ومسمع المجتمع الدولي.