- د.روز اليوسف شعبان
صدرت رواية " هذا الرجل لا أعرفه" للأديبة المقدسيّة ديمة جمعة السمان عام 2018، عن مكتبة كلّ شيء في حيفا، مونتاج واخراج شربل إلياس، وتقع في 206 صفحات من القطع المتوسّط.
تعالج الرواية عدّة مواضيع سياسيّة وطنيّة اجتماعية واقتصاديّة في آن واحد في عالمنا العربيّ، الذي لا زالت تحكمه سلطة القبيلة، أو الحزب الحاكم، أو السلطة الذكورية بلا منازع. فعائلة سالم التي كانت في السلطة وانتُزعت منها، تقرّر استعادة السلطة بكلّ ثمن. فنجد فارس الذي يعمل ضابطًا في الجيش، لا يألو وسيلة في سبيل إعادة السلطة لعائلته، فيمهّد لأخيه وحيد كل السبل والنجاح في عمله والثروة والجاه، إلى درجة تجعله يدبّر اغتيالا للحاكم الذي كان معه في طلعة استكشافية؛ لتفقّد أحوال البلاد، فيموت الحاكم وفارس معا، ويتابع الأخ كريم دعم أخيه؛ ليصل إلى الحكم ويصبح حاكم البلاد.
إلى جانب ذلك تطرح الرواية موضوعًا هامًّا يتعلّق بمكانة المرأة في المجتمع العربيّ الذكوريّ. وتكشف الرواية عن الصعوبات التي تواجهها المرأة، خلال تقدّمها في العمل، وعدم تفهّم الزوج لظروف عملها، خاصّةً إذا كانت الزوجة في منصب أرقى وأرفع من منصب زوجها. فبدلًا من أن يقوم بدعمها ومساندتها، نجده يستاء من غيابها عن البيت لظرف عملها، ويطالبها بالتخلّي عن هذا العمل وإن كان منصبًا رفيعًا ( كأن تكون المرأة وزيرة مثلًا). فبالنسبة للرّجل وجود المرأة في البيت واعتنائها ببيتها وزوجها وأولادها هو الأهمّ. فهل مازال الرجل الشرقيّ يعاني من عقدة تفوّق المرأة وتقدّمها عليه؟ وهل لا زال الرجل ينظر إلى نفسه أنّه الأقوى والأذكى والأجدر بالقيادة، وتولّي المناصب الرفيعة؟
في هذه الرواية نجد الروائيّة ديمة السمّان تصوّر هذا الصراع بين رغبة الرجل وحبّه لامتلاك المرأة، وتحدّي المرأة للرجل وخوضها المجالات السياسيّة وتولّيها مناصب رفيعة منها وزارة الخارجيّة. كما تصوّر المرأة بأنّها ذكيّة جدًّا قادرة على القيام بعدّة أمور في آن واحد، فهي سياسيّة قادرة على جذب الناس إليها بفضل ذكائها وحنكتها وقدرتها على الإقناع.
وناهد المرأة الجميلة المتّقدة الذكاء كانت تعمل صحفيّة في مجلة الضياء، تتعرّف على المهندس وحيد بعد أن أجرت معه مقابلة صحفيّة عن شركته وأعدّت ريبورتاجًا مصوّرًا عنها والتي تُعدّ وجهًا حضاريًّا للبلاد. ترتقي ناهد في سلّم التقدّم المهنيّ لتصبح وزيرة الإعلام في الدولة، في حين يعمل زوجها وحيد سالم مديرًا لشركة هندسة بناء تعدّ من أشهر الشركات في البلاد.
ينتمي وحيد سالم إلى عائلة سالم الثريّة والمعروفة، أخوه فارس ضابط في الجيش، وأخوه كريم من كبار تجّار الدولة.
يعبّر وحيد عن قلقه من تقدّم زوجته فيقول: "إلا أنّ نشاط ناهد أصبح يؤرقني، فهي تعتلي المراكز بسرعة عجيبة، لدرجة أنها أصبحت رئيسة تحرير المجلة بفترة وجيزة، ، ثم فاجأتني ذات يوم بخبر مفاده أنها مرشّحة لمنصب وزير الإعلام، فسعيت أن أوقف هذا الترشيح، الا أنني لم أفلح. فقد جعل منها نشاطها وذكاؤها وقوّة شخصيتها وسعة اطلّاعها الأنسب بين جميع المرشّحين لمثل هذا المنصب".ص46
ويضيف وحيد معبّرًا عن استيائه:" وهكذا خطف العمل مني ناهد فأصبحت أذهب إلى البيت في الساعة الثالثة كالعادة لأجد عبير زوجة أخي فارس في انتظاري وقد أعدّت لي الطعام"ص.46
وفي ظلّ انشغال ناهد وابتعادها عن زوجها، يعود وحيد للتفكير بحبيبته الأولى منى التي تعرّف عليها خلال تعليمه في الجامعة، لكنّه لم يتزوجها رغم حبّه الشديد لها، وآثر أن يبني نفسه ويتطوّر في عمله، فخسر منى وعاش في حسرة يتذّكرها بين الحين والآخر ويهاتفها، فتصدّه منه احترامًا لزوجها وأولادها.
يحاول وحيد أن يقنع زوجته بالعدول عن هذا العمل والعودة إلى البيت فيقول لها:" أصبحت أتوق أن أعيش الحياة كزوج وحبيب. عودي إلى بيتك، دعينا نعيش زوجًا وزوجة وبيتًا سعيدًا. أصبحت أحنّ أن يكون لي طفل"ص49." كرهت سلّم المجد الذي ترنو إليه عيناك وقد أغفلت كلّ من حولك، أنا والبيت والحبّ والمستقبل ودزّينة من الأطفال يملؤون المزرعة ويتمتّعون بما خلّفت لهم من أرض وجمعت لهم من مال حتى يواصلوا مسيرة الأجداد. متى تفهمين أنّ قمة مجد المرأة بيتها ورعاية زوجها؟ عودي إلى نفسك يا ناهد".ص74
أمّا ناهد فتتوقع من زوجها أن يدعمها بل وتطلب منه ذلك:" يجب أن لا تغير من العمل. وحيد، خذ بيدي شجعني حتى أصبح زوجة تليق بسيّد اقتصاد البلاد".ص49
وفي موقع آخر من الرواية تقول لزوجها" تتّهمني بالجمود والجفاف العاطفيّ واللقاء البارد بعد غياب وموت الحسّ والمسؤوليّة بالنسبة إلى بيتي! وتنسى أنّني أتعب وأضحّي من أجل البيت الأكبر وطني، والأسرة الأكبر أهلي وأبناء قومي! ألا يشفع لي هذا عندك؟ أهٍ من نرجسيّتك التي تجعلك ترى كلّ عمل أمام أعمالك صغيرًا حقيرًا.. ما أنت سوى أنانيّ يتربّع على القمّة ويرمي بصوته كالرعد، لماذا تعمل على إحباطي وتكره نجاحي".ص75
وحين توفي زوج منى غرقًا في السفينة أثناء تأديته لمهمّته، اقترح فارس( زوج اختها عبير وأخو وحيد) أن تنتقل منى وولديها فراس وسماح للعيش معهما في المزرعة.
هذا الأمر جعل وحيد يلتقي بمنى وبولديها يوميًّا في بيت أهله، خاصّة أن زوجته منى منشغلة في أعمال الوزارة، وتسافر كثيرًا إلى خارج البلاد للاشتراك في مؤتمرات دوليّة. اقترح وحيد على منى العمل في المزرعة. وافقت منى بعد إلحاح جميع أفراد العائلة وهكذا عاد الحب يداعب قلبيهما من جديد.
وحين رأت ناهد بيت منى في المزرعة وما قامت به من عمل جميل فيها، دبّت الغيرة في عروقها وتوعّدت بالانتقام. وقد جاء انتقامها حين فصلت منى من عملها كمديرة في وزارة الزراعة بسبب قيامها بعمل إضافيّ وهذا محظور وفق القوانين.
هذا الأمر جعل وحيد يثور في وجه زوجته ناهد ويطلّقها بقوله لها: أنت طالق يا ناهد! وقد قالها ـمام أفراد عائلتها الأمر الذي جعل ناهد تشعر بإهانة كبيرة.
هنا تبدأ مرحلة جديدة من معاناة وحيد مع طليقته، التي تشترط عودته إلى البيت صوريًّا، فيعيش كل شخص في غرفة منفردة، كما اشترطت طرد منى من المزرعة. يشتري وحيد قطعة أرض ويسلمها لمنى التي تعهدت أن تزرعها لتكون مزرعة نموذجيّة ويكون هو شريكًا لها.
اما ناهد فقد ارتقت في وظيفتها لتصبح وزيرة الخارجيّة، الأمر الذي شغلها أكثر عن بيتها وزوجها، وطال غيابها عن البيت وكثرت سفراتها الى خارج البلاد، الأمر الذي جعل وحيد يتقرّب من منى أكثر . فيطلّق ناهد في المحكمة الشرعيّة دون أن يعلمها أو يعلم أحدًا من أفراد عائلته، ويسافر ليشتري هدايا ليقدّمها هدية زواجه على منى.
بعد ثلاثة أشهر عاد إلى الوطن محمّلًا بالهدايا وبالثوب الأبيض، وحين طرق باب بيتها فتح له المهندس أحمد الذي كان قد سبقه إلى منى وتزوجها، فيضطر للعودة إلى ناهد التي أخفت أمر الطلاق وطلبت منه أن يعيدها زوجةً له، فمنصبها الاجتماعيّ والسياسيّ سيتضرّر إذا عرف الجميع بأمر طلاقها.
تنتهي الرواية بقتل أحمد زوج منى وهو في طريقه إلى مكتب وحيد، للتفاوض معه في بيع حصّته من المزرعة لمنى، كما تموت ناهد بالسمّ البطيء، لنكتشف بعد ذلك أن من فعل ذلك هو فارس أخو وحيد، وذلك حمايةً لأخيه ولنفسه ولآل سالم، خاصّةً بعد أن لمع اسم المهندس أحمد وانهالت عليه أوسمة التشجيع من الدولة وأصبح اسمه من أهمّ رجالات الاقتصاد في البلد، وصار ندًّا لوحيد . كلّ ذلك بدون علم وحيد الذي حاول العودة إلى منى طالبًا منها الزواج، لكنّها ترفضه وتتهمه بقتل زوجها أحمد.
يطلب كريم من أخيه وحيد ترشيح نفسه للرئاسة وإعادة مجد آل سالم، فيفوز وحيد فوزًا ساحقًا ويتولّى منصب رئاسة الدولة.
بعد تولّيه المنصب استلم وحيد رسالةً من عبير زوجة فارس الذي قتل مع رئيس الدولة في طلعة جويّة لتفقّد أحوال البلاد والرعيّة، يعترف له فيها عن قيامه بقتل ناهد وأحمد.
صُدم وحيد من الرسالة واستشاط غضبًا وذهب إلى منى حاملًا معه فستان زفافها ليعلمها انه ليس القاتل وان لديه الدليل، فتطلب منه إحضاره لها حتى تستطيع الزواج منه. وحين يعود إلى مكتبه لإحضار الرسالة يتراجع حماية لعائلته فيعود ليخبرها أنه أضاع الدليل. عندها ترفض منى الزواج منه قائلة له:" خذ المزرعة يا سيدي، ودعني أرحل، فالرجل الذي كنت أعرفه تغيّر وتبدّل هذا الرجل لا أعرفه .. لا أعرفه..".ص205
الشخصيات في الرواية:
تُعدّ الشخصيّة الروائيّة وسيلة الكاتب لتجسيد رؤيته والتعبير عن إحساسه بواقعه، وهي ركيزة الروائيّ الأساسيّة في الكشف عن القوى التي تحرّك الواقع من حولنا، والكشف عن ديناميكيّة الحياة وتفاعلاتها. فالشخصيّة هي من مقوّمات الرواية الرئيسة، ومن دون الشخصيّة لا وجود للرواية. يركِّب الروائيّ عددًا من الكتل الكلاميّة بصورة غير مصقولة، واصفًا نفسه ومُطلقًا عليها اسمًا وجنسًا، كما يختار لها ملامح معقولة، ويجعلها تتكلّم بواسطة فواصل مقلوبة؛ هذه الكتل الكلاميّة هي الشخصيّات. فورستر، 1994، ص.37.
يقسم تودوروف، المُشار إليه في بحراوي (2009)، الشخصيّات، حسب الوظيفة التي تؤدّيها كلّ شخصيّة، إلى نوعَيْن: الأوّل، الشخصيّة العميقة التي تتضمّن أوصافًا متناقضة، وهي شبيهة بالشخصيّات الديناميّة؛ والثاني، الشخصيّة المسطّحة التي تقتصر على سمات محدودة، وتقوم بأدوار حاسمة أحيانًا. (بحراوي، 2009، ص. 215-216)
أمّا إ. م. فورستر، المشار إليه في مرتاض (2002)، فيقسم الشخصيّات الروائيّة إلى شخصيّة معقّدة متعدّدة الأبعاد، وهي الشخصيّة المدوّرة التي تشكّل عالمًا كلّيًّا ومعقّدًا، وتتمتّع بمظاهر كثيرًا ما تتّسم بالتناقض، فهي لا تستقرّ على حال لكثرة تقلُّبها، كما تتميّز بقدراتها العالية على تقبُّل العلاقات مع الشخصيّات الأخرى والتأثير فيها، إذ هي تملأ الحياة بوجودها؛ وإلى شخصيّة مسطّحة وهي البسيطة التي تمضي على حال واحد، فلا تتغيّر في مواقفها وأطوار حياتها. (مرتاض، 2002، ص. 88-89).
في هذه الرواية نجد الشخصيات السطحيّة مثل : عبير، الأم، المهندس أحمد. ونجد الشخصيات المدوّرة التي وصفها فوستر أعلاه. مثل: شخصيّة وحيد، شخصية منى، شخصية ناهد وشخصيّة فارس.
شخصيّة وحيد: تتميّز شخصيّة وحيد بالأنانيّة والنرجسيّة، فهو الرجل الذي يغيظه تقدّم زوجته وتفوّقها عليه، ولعلّ هذا الموضوع هو الموضوع الرئيسيّ التي تتمحور حوله هذه الرواية. فالرجل يرى نفسه هو الأقوى وهو من يجب أن يتقدّم ويعتلي أرفع المناصب، أما المرأة فعليها وفق نظره، أن ترعى زوجها وبيتها وتنشئ أسرة صالحة. لذا نجد وحيد يبتعد عن زوجته ناهد التي أصبحت وزيرة إعلام ثمّ وزيرة خارجيّة؛ كلّما انشغلت عنه، وصار يبحث عن حبّه القديم، علّه ينسى ما يعانيه من حرمان عاطفيّ.
وحيد يمثّل الرجل الضائع بين سلطة العائلة والأمل والطموح والتقدم والسياسة، وبين الحبّ والمشاعر الجياشة وتكوين أسرة تعيش بوئام وحبّ. ولعلّ اختيار الاسم وحيد لم يكن محض صدفة وإنما جاء ليتناسب مع شخصية الحاكم الوحيد السيّد الأعلى في أنظمة الحكم العربيّة الوحيد بلا منازع.
شخصيّة ناهد: تمثّل شخصيّة ناهد المرأة الجميلة الطموحة المتّقدة الذكاء، والتي تمكنّت بفضل قوّة شخصيّتها وذكائها من التقدّم السريع في مكان عملها لتصبح وزيرة إعلام ثمّ وزيرة خارجيّة. لكنها لم تنجح في الموازنة بين بيتها وزوجها وأولادها وعملها. فجعلت العمل والتقدم والطموح في أوّل سلّم أولوياتها، الأمر الذي أدّى إلى خلافات مع زوجها. وهي إلى جانب ذلك، المرأة التي لا تهادن ولا تتقبّل خيانة زوجها لها لذا نجدها تنتقم من منى حبيبة زوجها وتعاقبها بفصلها من مكان عملها. إلى جانب ذلك هي امرأة عزيزة النفس لذا نجدها تتلقّى إهانة زوجها لها حين طلّقها أمام عائلته، بحرمانه من دخول بيته، ثمّ بعد تدخّل عائلته تسمح له العودة الى بيته شرط أن يعيش كلّ واحد في غرفة منفردة.
تُقتل ناهد بالسم البطيء، بعد أن تفوقت على وزجها وحيد وتقلّدت منصب وزيرة الخارجية وأصبح لها نفوذ في الدولة، وأصرّت على التحقيق في جريمة مقتل المهندس أحمد بغية إدانة القاتل.
وقد تمثّل ناهد حركة الربيع العربي حين تمرّدت الشعوب على حكامها، ووصلت دفّة الحكم، ثمّ يتبيّن بعد ذلك أنّ هذا الربيع لا يشبه أيّ فصل من الفصول، فهو نظام قديم بحلّة جديدة ما لبث أن وئد وهو لا يزال في المهد. ولعلّ قتل ناهد يمثّل قتل الحلم العربي بالتحرّر من نير السلطات الحاكمة .
وقد يشير مقتل ناهد أيضًا إلى غيرة الزوج ونرجسيّته و ظلم المجتمع للمرأة الناجحة خاصّة تلك التي تتقلّد مناصب سياسيّة رفيعة ممّا يؤّدي بالرجل إلى قتلها لأنه غير قادر على مجابهة ذكائها وحنكتها.
شخصيّة منى: تمثّل شخصيّة منى المرأة اللطيفة الطيّبة والإنسانة المجتهدة المحبّة المعطاءة المخلصة لزوجها وبيتها وأولادها. وقد تمكّنت منى من الجمع بين عملها وتقدّمها كمديرة في وزارة الزراعة، ومديرة لمزرعة أصبحت من أهم المزارع في الدولة، وبين كونها ربّة بيت وطبّاخة ماهرة ومربيّة جيّدة لأولادها، تحبّ الناس وتتعامل معهم بمحبّة واحترام وحكمة. إلى جانب ذلك فهي متعاطفة مع شخصيّة وحيد وتتفهّم وحدته وتقدّر حبّه لها، لكنّها مع ذلك ترفضه لأنها تشكّ في تورّطه في قتل زوجها المهندس أحمد.
وقد تُعتبر منى النموذج الجيّد للمرأة التي توازن بين بيتها وعملها، وبذلك قد تكون نموذجًا للنظام السياسيّ الذي تصبو إليه الشعوب العربيّة، فكم تتوق شعوبنا إلى شخصيّات تحكم بالتوازن والحكمة والتعقّل والاحترام والحبّ لشعوبها.
شخصيّة فارس: تمثّل شخصيّة فارس الأخ المحبّ لإخوته وأسرته، والداعم لهم. فهو كبير الأخوة، وقائد الجيش في الدولة، يتصرّف بحكمة وذكاء، إلى جانب ذلك فهو عطوف، يشفق على منى بعد وفاة زوجها ويحضرها لتعيش معهم في المزرعة لتكون تحت رعايته ومع أختها عبير زوجته. يرتكب فارس جريمتيّ قتل، إذ يقتل المهندس أحمد الذي أصبح اسمه لامعًا في البلاد بعد أن أصبحت مزرعته هي الأهمّ والأفضل في الدولة، كما أصبحت له علاقات سريّة مع شخصيّات سياسيّة، فخاف على مستقبل أخيه وحيد، الذي ترى فيه العائلة مرشّحًا قويًّا لرئاسة الدولة، كما يقتل ناهد بالسمّ البطيء لأنها صمّمت على معرفة قاتل المهندس أحمد، فخشي على سمعته وسمعة أسرته.
يمثّل فارس الأنظمة العربيّة الرجعيّة التي تؤمن بالعصبيّة القبليّة، فالسلطة يجب أن تنتقل بالوراثة من الأب إلى الأبناء ويجب الدفاع عنها وإبقائها في العائلة مهما كان الثمن باهظًا وحتى لو تطلّب ذلك ارتكاب جرائم قتل. فهل أرادت الكاتبة ديمة السمان أن تشير من خلال شخصيّة فارس إلى ضعف الرجل وعدم قدرته على مجابهة الصعاب ولجوئه إلى القتل للتخلّص من أعدائه وخصومه ومنافسيه؟
المهندس أحمد: يمثّل أحمد الشاب الطموح النشيط المؤمن بقدراته والذي يتمكّن من تحقيق أحلامه والوصول إلى أعلى المراتب بدون دعم السلطة الحاكمة. وبذلك يمكن القول أن أحمد أيضا يمثّل حركة التغيير في الربيع العربي، لكن اغتيال أحمد ومنعه من الوصول إلى السلطة، يعني اغتيال حلم الشعوب العربية في تحقيق الديموقراطية التي تصبو إليها.
الخلاصة:
يمكن اعتبار رواية "هذا الرجل لا أعرفه" للروائيّة ديمة السمّان، رواية تعالج الموضوع النسويّ، إذ تسلّط الضوء على العراقيل والصعوبات التي تواجه المرأة وتشكّل عثرة كبيرة في سبيل تقدمها وتولّيها مناصب رفيعة في البلاد. فإلى متى ستبقى المرأة تحت رحمة الرّجل؟ أما آن الأوان أن ينظر الرجل الشرقيّ إلى المرأة الزوجة والشريكة في الحياة، نظرة تقدير، وتقديم الدعم والتشجيع لها لتولّي المناصب الرفيعة في البلاد؟ إلى جانب ذلك فإن الرواية تعالج قضيّة وطنيّة تشغل كافّة الشعوب العربية التي تعاني من حكامها وتسلّط أسرة حاكمة واحدة ووحيدة على الحكم، والمحافظة على سيادتها باستعمال القوة والعنف والقتل.
فإلى متى ستبقى المناصب السياسيّة الرفيعة حكرًا على الرجل الشرقيّ وبيد أسرة حاكمة واحدة؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت