- بقلم: عبير قريب| فلسطين
من المفرح جدا أن نجد هكذا روايات تكتب بهذه الطريقة والسرد الجميل، هذه رواية واقعية بامتياز، خاصة أنها تحوي (الأمان للشباب) بلغتها ومصطلحاتها وموضوعها... ولما كان للمبادئ رصيد عالٍ، لها قلم آمن واعٍ مثقف، فالكاتبة اتخذت النهج التربوي والديني والاجتماعي، وهذا ما نبحث عنه ليعلو صوتنا، لحظتها نشجع على القراءة ونثقف مجتمع، ومن المهم أن تكثر الكتب في هذا النهج حتى نحصل على الأمان لأبنائنا الذين هم في عمر الورد ونشجعهم على القراءة، لمن لهم فكر وعمل.
ففي رواية (شيء من عالم مختلف) وهي للكاتبة وفاء عمران فلسطينية القلب والعقل والروح هكذا وجدتها عنوانها جرني لأن أضع عناوين أخرى للراوية؛ خاصة بعد قراءتها ومنها (الصراع بين العاطفة والوطن) (صراع الذات) (الثورة ع الواقع) أو مواجهة الواقع (عكس التيار). كان الأكثر شيوعا في هذه الرواية هو حالة الأنثى ومدى تحملها في مواجهة الواقع بدءاً من سلمى الشخصية التي كانت تعاني داخليا بسبب الماضي المؤلم الذي مر عليها لينعكس على عائشة التي بعد سفرها عانت الأمرين من لحظة موافقتها على مراسم للزواج حتى لحظة وصولها إلى البلد التي تدعى أميركا، ومعاملتها بالجفاء والإهمال وثورة حسن على حجابها وتفكيرها وإجبارها على العمل هناك، لأنه لا يستطيع أن يتحمل مصاريف البيت وحده. وهي رضيت بعد عناء بهذا، ولكنها واجهت الكثير حتى انتصرت على ذاتها أولا، ومن ثَمّ على محيطها من خلال قلب حياة جارتها (ماري) التي أسلمت على يديها.
هذا الموقف تحديدا أعطى عائشة روحاً ومعنويات جديدة جعلها تثق بقراراتها ولم يعد يهمها لا حسن ولا كلامه المتعجرف ولا انتقاداته المستمرة لها، حتى أصبحت لا تلقى له بالاً، أما شخصية سلمى التي هجرها زوجها التي تطرقت إليها الكاتبة في روايتها "السفر الى الجنة"، حيث تستمر شخصيات "السفر إلى الجنة" الرئيسة، وهي: عائشة وسلمى في رواية "شيء من عالم مختلف" دون أن تضر بأحداث الروايتين، حيث يمكن قراءة كل رواية على حدة، ولكن نعلم أن هذا الغياب وهذه التجربة أثرت كثيرا على عائلة سلمى التي قبلت أن تزوج عائشة الأقل جمالاً من ابن خالتها حسن بهذه الطريقة التي حقيقة لا ترضاها أية فتاة لنفسها، فأي علاقة تبدأ يكون هناك نوع من أنواع المبادرة بالاهتمام والاحترام والتناغم في الأفكار (لكن بين حسن وعائشة) كان هذا معدوما فاضطرت عائشة مرغمة على قبول هذا الزواج ولو شكليا لكي لا يقال إنها فشلت هي الأخرى في زواجها.
إذاً الصراع الداخلي كان أعلى صوتا في الرواية ليعكس بذلك على الصراع الخارجي لسلمى وعائشة، ولكن استطاعتا التغلب على الأحداث لرسم واقع ومستقبل من خلال تقبل الكثير من الخيبات، أي بمعنى "تقاوم الالم لأنه الأم ،" استطاعت عائشة ان تغير حسن لا ان يغيرها وهذا انتصار بحد ذاته واستطاعت بإصرارها ان تكون ذاتها كما تريد هي لا كما يريد حسن الزوج البائس.
سلمى التي هي كانت مركز الاحداث للرواية ومنها يبدأ السرد عندما حاول ادم ان يتقرب منها، كان عنصر الخوف يباغتها خوفا من خيبات أمل جديدة وهذا ما يؤكد حضور الماضي وأثره السلبي في (سلمى) حين قبلت أن تكون زوجة له، هددها أهل زوجها السابق في اخذ ابنها فريد منها فرفضت خوض تجربتها مع ادم رغم ان امها عارضتها واخبرتها امها ان هذا العند لن ينفعها لترد سلمى على امها بقولها "من أجبرني على الزواج بعزيز، وقتها لم أكن عنيدة وماذا جنيت من كوني لست عنيدة؟ لن اجبر على الموافقة اليوم وسأرسم طريقي كما أريد"، اتخذت قرارها بأن تكون اماٌ لا زوجة.
أما عائشة الفتاة المتواضعة الاقل جمالا بنظر زوجها حسن لكنها تملك اخلاقا حميدة وارادتها القوية استطاعت ان تصمد في وجه كل العقبات التي رأتها في امريكا ومن ثم تحدث تغيرات ايجابية لصالحها رغم انها عاشت حالة الاغتراب النفسي والاجتماعي والفكري والاقتصادي حتى نجحت بفرض ذاتها على حسن الذي أصبح ايجابياً معها.. " لأقول السعادة هي اختيارك انت... اصنعها بنفسك ولا تسمح للأشياء بأن تكسرك" الاغتراب اول معاناة الانسان حين ينتقل من مجتمعه المحافظ على العادات والتقاليد والقيم الى مجتمع اناس لا يعرفهم مجتمع لا يألف العادات ولا التقاليد ولا المفاهيم وحين واجهت السفر وحدها من قريتها الفلسطينية وكان اول النكسات عدم وجود حسن بالمطار ولم يستقبلها احد ولم يعيروها اهتماما فان كانت البداية بهذا الشكل فكيف ستكون البقية وحشة والم عاشتها عائشة بل تعايشت معها حتى اصبحت تعاني نفسيا من الملل وعدم اتقان اللغة ولا تعرف طبيعة الناس كل هذا جعلها تشعر بالضيق والحصار ( اخاف حقا ان اغادر بيتي او ان امشي في الشارع) فكان اغتراب على صعيد المكان وعلى المحيط الخارجي هنا اقول ( ان الغربة ليست غربة المكان بل غربة الاشخاص الذين لا يكترثون لوجودها) ومن ناحية عقائدية نجد ان حسن بينه وبين الدين مثل بعد السماء عن الارض وكأن الاسلام تهمة تجلب الشر لمعتنقيه فهو يتجنب المشي مع عائشة لأنها ترتدي الحجاب كل هذا يجعل من حسن شخصية مهزوزة لا تثق بنفسها وحتى عندما حاولت العودة الى فلسطين حين سئمت هذه الحياة طلب منها ان تعمل حتى تجمع نقود التذكرة حتى تستطيع السفر فهو لا يمتلك المال الكافي. في النهاية تجد ان الرواية تمثل القليل من الفرح والكثير من الالم والاغتراب الذي تتعرض له المرأة الفلسطينية . (كم هذا البيت مقفر من الحياة مثل صحراء بعيدة) .. لقد وقفت مثل سنبلة ضعيفة في مهب الريح. الزمان والمكان: لم يوضح المكان سوى انه القرية الفلسطينية مكان سكن سلمى وعائشة ثم امريكا تنطلق بنا المركبة الى رام الله هذا بخصوص تحديد المكان الفلسطيني اما الزمان فهو مبهم لكن خلال القراءة لمست انه بعد احداث ايلول فالنظرة السلبية للمسلمين هناك ظهرت بعد هذه الاحداث (والفترة كانت خمس سنوات) حين جاء في الرواية (احتضنت عائشة بحرارة فأنا لم اراها منذ خمس سنوات) منذ فارقتنا وهي الان حضرت لتودع ابي الذي رحل قبل ان يراها... فنختم قولنا هنا... (تبا للحنين يعيدنا للأشياء ولا يعيد الاشياء لنا.
كم نحتاج من الكلمات حتى نفهم أن بعض ما نظنه مثاليا لم يكن إلا وأداُ في الزمن الاخير... وأن الدنيا لا تقف على أحد وأن الحياة متصفح هالك إن لم تعشها بموعظة وحكمة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت