- بقلم سفير الاعلام العربي عن دولة فلسطين ، الكاتب والاديب العربي الفلسطيني، الاعلامي د.رضوان عبد الله*
انا من هناك...من فلسطين الحبيبة ... و اعتز بجذوري اﻻبية..قريتي جزء من كياني والساكن داخل قلبي و عقلي وروحي... على بياراتها ولدت و نشأت و ترعرعت جدودي ؛ وتنشقت عبق اﻻيمان بالفرج...فسميت ام الفرج..
هي احدى قرى قضاء عكا؛ يجاوروها ( الوادي المفشوخ )؛ هكذا هي تسميته؛ وتقع على كتفه الجنوبي و هو نبع ونهر جاري شتاءا و يجف صيفا كما اكد لي والدي رحمه الله؛...
ام الفرج ؛ المرتفعة عن سطح البحر فقط 25 مترا و على بعد خمسة اميال فقط من مصب الوادي المفشوخ في البحر المتوسط ؛ المشطط على اسوار مدينة عكا التاريخية بشموخها ضد المحتلين الدخﻻء.
هجر معظم اهلها ؛الذين كانوا يتجاوزون ال800 شخصا بقليل ، الى اقرب بلد عربي مجاور لشمال فلسطين؛ الى لبنان؛ فسكنوا مؤقتا في جوار مدينة صور ؛ العريقة بعراقة اهلها الكرام المضيافين .و هي اﻻقرب جغرافيا الى الحدود كي يعودوا خﻻل اسبوع كما وعدهم جيش اﻻنقاذ العربي ؛ و ها هو العام ال74 من عمر شعبنا خارج وطنه ،اعواما مضوا و لم يعد اهل قريتنا.....وﻻ اي عائلة من عوائلها المنتشرين في المنافي القريبة و البعيدة من حدود الوطن والموزعين ما بين ((سالم و الخواص و العريض وديب او الستيتي كما هم معروفون عموما بهذا اﻻسم ؛ اضافة الى عائﻻت جبر و حسين ودراز و القط و الحاج علي و الحاج موسى وحصيرمي وبديوي والحلاق و زمزم وعليان وهويدي و عبد الله ؛ و هي العائلة التي انتسب الى شجرتها الفلسطينية الشامخة بشموخ الزيتون الفلسطيني؛ وايضا الى قريتنا تنتسب عائلة عبد العال بشقه الفرجاوي ؛ فهذه العائلة الكريمة لها جناح بجذور غبساوية ايضا- نسبة الى بلدة الغابسية )))؛و يسكنون مع الجناح اﻻول و في نفس المخيم ؛ ان كان في مخيم البص؛او في مخيم الرشيدية.
و قليل من اهالي قريتنا؛التي تشتهر بالفواكه و الحمضيات و الزيتون و الخضار؛نزحوا الى داخل الوطن المحتل ؛ الى غير قرية ؛ و لم يسمح لهم بالعودة رغم صدور قرار حق العودة و الذي كان "طازجا" و لم تجف احرف كلماته بعد .
و قلة من العائﻻت ؛ هجرت الى سوريا الشقيق اﻻخر لفلسطين ؛عبر الشمال الشرقي في لبنان حيث ضاعت السبل فيهم ؛ و هم من ال سالم ؛ حتى وصلوا الى مشارف حلب الشهباء.
اقيمت على انقاض "ام القرج" تلك المغتصبة الصهيونية المسماة ((بن عمي)) كما ورد في معجم البلدان لشراب؛ و هي عبارة عن مزرعة لكنها؛رغم خضرة اشجار اﻻفوكاتو فيها؛ اﻻ انها تلوث، بوجود الاسرائيليين عليها، طهارة ارض اﻻباء واﻻجداد ؛و الذي كان احدهم اخ لجدي و الشهير بعبد الفتاح حسين؛ وهو احد جرحى معارك ثورة القسام الشهيرة و قد جرح اثناءها وتم نقله الى لبنان من قبل اشقائه الثوار ولكن الموت كان اسرع من ان يعيش...فمات شهيدا و دفن في مقبرة صيدا في جنوب لبنان .
الهجرة لم تغيرنا سلبا بل زادتنا تمسكا بارضنا و بوطننا ، ولم ينس الصغار رغم مغادرة معظم الكبار هذه الدنيا الى دنيا افضل و احسن ، و هي عند الباري الاكرم ، فالاجيال ازدادت ابداعا وهذا ما نراه من ابداعات رغم بعد المسافات ، ابداع متنوع ، فها هو ابراهيم رضوان عبد الله حيث تم تكريمه كاصغر مصور صحفي فلسطيني في لبنان ، بالمقابل يتم تكريم نادية اسماعيل عبد الله بسبب نجاحها و تفوقها في العالم الغربي في احدى ولايات امريكا ....وغيرهما الكثير ، فالشتات لن يهزمنا بل انه يعلمنا الدرس الاقوى ان نبقى متمسكين بالوطن و السلاح الاقوى الا وهو العلم . فلا اهل ناديا في غرب الارض تركوها دون علم و دون تربية ودون اهتمام ، والا كيف حققت التفوق وعلى لوائح الشرف ، و لا اهل ابراهيم تركوه دون الاهتمام بموهبته و بهواياته ،اضافة الى تعليمه طبعا ، فكان لهما تكريمين منفصلين و بسببين مختلفين و في مكانين عن فلسطين مغتربين .
لم تعد معالم القرية موجودة ؛ و ﻻ من معالم ﻻي اثر بنائي اﻻ حجارة قليلة تغطيها اعشاب الزمن و الهجران؛ حتى المدرسة المتواضعة و المسجد الوحيد تم دمرها الحقد الصهبوني اﻻعمى بعد ان فرض على اهلها الهجرة و اللجوء.
ام الفرج...انا منك وساعود اليك...هذا هو عهدنا.. لك ...
شهداؤنا اﻻبرار ، و هم بالعشرات ، الذين امتشقوا سﻻح الثورة و النضال و سقطوا على درب جلجلة المسيح؛عليه السﻻم الفدائي اﻻول ، اولئك الشهداء ومن كل العائﻻت فداك ؛ و دمنا يرخص من اجلك...و ان لم نعد نحن فسيشرب ابناؤنا من الماء الطهور للنبع المفشوخ ومن بركتي الفوارة و التل اللتين كانتا تروينا بمائهما العذب ؛ و الذي اكرمنا الباري نحن وقرية المزرعة و قرية النهر الحاضنة للبركتين ؛ كما ورد على لسان مصطفى الدباغ في كتاب معجم بلدان فلسطين؛ لمصنفه نحمد شراب؛وانعم على باقي القرى المجاورة بان فجر لنا نبعا مجاورا و بركتين عذبتي المياه و نهرا يﻻعب بمائه اللطيفة الخفيفة السريان ؛احفاد عصافير وطيور لن تهجر او تترك الوطن و ﻻ زالت تضع بيضها و تناسل على اغصان اشجار حتى لو كانت مزروعة غصبا بمغتصبة زرعت غصبا ليقولوا بكل تحد...نحن عصافير ام الفرج...نحن هنا حتى لو كان اهلنا هناك...وهذا لسان حال ابراهيم و ناديا حين يظهر تفوقهما على ارض خارج فلسطين ويهدون ذلك التفوق الى الوطن الغالي لحين العودة و الاقامة الدائمة فيه باذن الله ....فعصافير الوطن تتناغم مع عصافيره الذين هم خارج الوطن مكونين سيمفونية متكاملة لحين العودة والاستقلال.
*رئيس الاتحاد العام للاعلاميين العرب
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت