- د. رمزي عودة
قَتل جنديين إسرائيليين العام الماضي مسن فلسطيني أمريكي الجنسية وإسمه عمر أسعد بعد أن عذباه وتركاه مقيد اليدين في ليلة باردة. ولم تكن عقوبتهما سوى التسريح من الخدمة العسكرية. وعل نفس المنوال، برّأ جيش الاحتلال الإسرائيلي نفسه، من ارتكاب "أي مخالفة" في شهادة الطفل ريان سليمان (7 أعوام) والذي ارتقى أثناء هروبه من جنود إسرائيليين في بلدة تقوع أدت الى إصابته بسكته قلبية. وفي نفس الاتجاه، فقد حكم على الجندي الإسرائيلي "أليؤر أزاريا" قاتل الفلسطيني الجريح عبد الفتاح الشريف في مدينة الخليل بصورة متعمدة وبدم بارد، بالسجن فقط 18 شهرا مع أنها تعتبر جريمة حرب. وفي واقعة أخرى، حكمت المحكمة العسكرية الاسرائيلية على ضابط إسرائيلي إتهم بإغتصاب فلسطينيات بالسجن فقط 11 عام وطرده من الخدمة العسكرية، وبعد أن قدم إستئنافاً تم الإكتفاء بخفض رتبته الى نفر (جندي). وفي نفس السياق، أصدرت المحكمة الاسرائيلية حكماً مخففاً بالسجن 15 شهراً ليهودي، يدعى يعقوب كوهين (31 عاما)، بعد أن إعترف بالمشاركة في الإعتداء الدموي في مستعمرة "بات يام" على الفلسطيني سعيد عيسى ومحاولة قتله لمجرد أنه فلسطيني. من جانب آخر، يعد القتل العمد لمدنيين في الأراضي المحتلة على أيدي قوات أمنية جريمة حرب. ومع هذا، فقد أصدرت محكمة إسرائيلية حكما بالسجن 9 أشهر وغرامة بقيمة 50 ألف شيكل فقط بحق جندي حرس الحدود "بن ديري"، الذي تم تصويره وهو يطلق النار على طفل لم يشكل تهديداً داهماً له، وفي واقعة إغتيال الشهيدة الصحفية شيرين أبو عاقلة، لم يتردد المتحدث باسم جيش الاحتلال من إيجاد عذر للقاتل الذي لا يجزم بوجوده في صفوفه ويزعم أنه "إذا تم إطلاق النار المميت بالفعل من قبل جنود "جيش الدفاع الإسرائيلي" - فقد تم ذلك عن طريق الخطأ.
بالمقابل، هنالك فرق كبير في العقوبات بين أحكام المحاكم الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين مقارنةً بالأحكام المخففة تجاه الاسرائيليين . فمثلاً تصل عقوبة فلسطيني قتل إسرائيلي الى مدى الحياة. واذا ما خرب فلسطيني ممتكلت إسرائيلية يمكن أن تصل عقوبته الى 5 سنوات. وفي نفس الاطار، يفرض أحد الأوامر العسكرية الإسرائيلية أحكاما بالسجن تصل إلى عشر سنوات على المدنيين الذين أدانتهم المحاكم العسكرية لمشاركتهم في تجمع سياسي يضم أكثر من عشرة أشخاص دون تصريح. وفي دراسة حديثة، فقد بلــغ معــدل الإدانة فــي نظــام المحاكــم العســكرية الإسرائيلية %74.99؛ بينمــا يؤخــذ بــ 4.7% فقــط مــن الشـكاوى التـي يقدمهـا الفلسـطينيون ضـد المسـتوطنين الإسرائيليين؛ وحتـى فـي حالـة الإدانة فــإن المســتوطنين وجنــود الاحتلال يفلتــون مــن العقــاب. وقد أفــادت منظمــة "بيتســيلم" الإسرائيلية بأنهــا أحالــت أكثــر مــن 740 شــكوى إلى الســلطات العســكرية منــذ العــام 2000، ربــعها لــم يتــم التحقيــق فيـه مطلقـاً، ونصفهـا انتهـى إلى إغـلاق الملـف ضد مجهول، و25 حالـة تـم تقديـم لوائـح اتهـام فيهـا، وخــلال الفتــرة نفســها، أضاعــت الســلطات العســكرية 44 ملفــاً.
تشير النماذج السابقة الى إنتهاج حكومة الاحتلال سياسة التمييز في العقوبات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على الطبيعة العنصرية لدولة الاحتلال. وفي النتيجة، فان هذا المقال يوصي المنظمات الحقوقية الفلسطينية والدولية برصد ومقارنة العقوبات التي تفرضها المحاكم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والإسرائيليين وإعتماد هذا الملف كأحد مؤشرات نظام الابرتهايد الإسرائيلي من أجل تقديمه للمحاكم الدولية لاسيما بعد أن تم إحالة ملف ماهية الاحتلال مؤخراً من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة الى محكمة العدل الدوليه لاصدار فتوي قانونية حول طبيعة احتلال اسرائيل للأرض الفلسطينيه.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت