- معتز خليل
عرضت قناة الجزيرة تحقيقا رصينا يتعلق بجماعات وعناصر المقاومة الفلسطينية الموجودة في الضفة الغربية وغزة، وهو التحقيق الذي عرضه الإعلامي الفلسطيني تامر المسحال واستضاف فيه عناصر من جماعات المقاومة والسلطة وأيضا آراء إسرائيلية تحدثت عن جماعات المقاومة وتأثيرها الواضح على إسرائيل.
ما الذي يجري؟
بات من الواضح إن عرين الأسود بالإضافة إلى كتيبة جنين اللذان يمثلان واحدة من أهم جماعات المقاومة الفلسطينية تحتاج إلى صوت إعلامي قوي يساعدها ويساندها من جديد لعدة اعتبارات أهمها:
1- وجود خلاف واضح بين قيادات العرين من جهة وبين السلطة الفلسطينية ، وهو خلاف تحدث عنه صراحة محافظ جنين أكرم الرجوب في البرنامج ، فضلا عن أكرم العجوري قائد سرايا القدس الذي انتقد وبقوة التنسيق الأمني بل وأتهم أحد الأجهزة الأمنية لإحدى الدول صراحه بتزويد إسرائيل بمعلومات سرية عنه ، وهي المعلومات التي أدت إلى استشهاد ابنه في عملية عسكرية بالعاصمة السورية دمشق.
2- التصعيد ضد السلطة بات واضحا مع عرض التحقيق رسالة وصفها بالمسربة من المعتقل السياسي في سجون السلطة وأحد قادة عرين الأسود المطارد مصعب اشتية، شكا فيها ظروف التحقيق وتدهور حالته الصحية، وطالب بسرعة الإفراج عنه.
وورد في رسالة اشتية: “لا أعلم إن كانت رسالتي هذه ستصل إليكم أم أنها ستبقى حبيسة الجدران، إن القلم يعجز عن وصف الحال والمعاناة في هذه المحنة فزنازين ذوي القربى وما كان فيها من تحقيق من جهة وألم فقد الأحبة من جهة أخرى والمرض الذي استجد على حالتي من جهة ثالثة”.ومن الواضح أننا أمام رساله لانتقاد ومهاجمة السلطة وليس رسالة إنسانية ، وهو ما يزيد من حجم هذه الأزمة.
3- أثر هذا الخلاف على تعاطي الإعلام الرسمي الفلسطيني مع عرين الأسود ، وهو ما يتضح مع قراءة ومتابعة الكثير من وسائل الإعلام الرسمية الفلسطينية التي وجهت في كثير من الأوقات انتقادات سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة للجماعات المسلحة بالضفة الغربية بسبب انتقادها للقوات الآمنية الفلسطينية ، الآمر الذي دفع بقيادات العرين والجهاد الإسلامي للتنسيق مع المسحال وقيادات قناة الجزية صاحبة القوة الأبرز إعلاميا بالشرق الأوسط من آجل تصوير هذه الحلقة .
4- هناك نقطة لافته تتمثل في عرض البرنامج لتفاصيل عمليات عسكرية سرقة دقيقه قامت بها عرين الأسود وكتيبة جنين ، واستضافة من قاموا بهذه العمليات ، وهو ما يعني التوجه نحو منبر إقليمي بدلا من عجز المنابر المحلية ضعيفة القوة والتأثير ، خاصة وأن تصاعد الاتهامات بين بعض من قيادات عرين الأسود تحديدا مع قيادات بالسلطة أثر على طرح عمليات هذه الجماعات بالمشهد الإعلامي الفلسطيني ، رغم قوة منصات المقاومة الإعلامية سواء موقع شهاب آو منصات حركة حماس الأخرى أو قوة منصات المقاومة بالخارج ، مثل صحيفة رأي اليوم مثلا او القدس العربي الصادرتان في لندن أو العربي الجديد اللتان تهتم بنشر أخبار منصات المقاومة ولكن في ضيق أفق محدود تتطلب ضرورة اللجوء إلى منصة إعلامية كبيرة وصاحبة شعبية مثل الجزيرة ، وهو ما تحقق مع نسب المشاهدات العالية لحلقة الأمس.
5- من الواضح إن قيادات المقاومة المسلحة في فلسطين تتعامل في صورة الجيش المنفصل ، بمعنى أنها تمتلك أجهزة أمنية ، وتجهيزات عسكرية ، وتقنيات للاتصال ، وتقيم غرفة عمليات مشتركة تحارب بها إسرائيل ، وهو أمر قاله صراحه أكرم العجوري في حديثه للبرنامج ، الأمر الذي يزيد من حدة التوتر بين الطرفين السلطة والجماعات المسلحة ، وقد عبر محافظ جنين أكرم الرجوب عن هذه النقطة بوضوح في حديثه للبرنامج.
6- هناك حديث من قيادات المقاومة وتحديدا قيادات الجهاد الإسلامي في ضرورة استمرار التصعيد في مخيم جنين تحديدا ، وهو أمر دقيق ومهم للغاية وبات واضحا مع تصريحات أكرم العجوري ، الأمر الذي يفسر سر التصعيد المتواصل بمخيم جنين وزرع العملاء وأجهزة المقاومة في الكثير من مواقعه المتعددة .
7- لا يخفى على أحد أن تواصل العمليات التي تقوم بها جماعة عرين الأسود أو كتيبة جنين له ثمن اقتصادي واضح بالنسبة للمواطن الفلسطيني في ظل الحرب التي يشنها الاحتلال ضد فلسطين، وهو الثمن الذي يدفعه الكثير من الفلسطينيين الآن مع تقليل تصاريح العمل التي يحصلون عليها ، فضلا عن تقليل وخفض عمليات التبادل التجاري ودخول أبناء عرب ٤٨ إلى الضفة للتسوق والقيام بتعاملات تجارية وشراء من أسواق الضفة الغربية الرخيصة نسبيا عند مقارنتها بالداخل الإسرائيلي.
صراع استخباراتي
عرض البرنامج تفاصيل الاتصالات التي قام بها عناصر شاباك الإسرائيلي مع احد العملاء المزدوجين الفلسطينيين ، والذي تم أخذه من قطاع غزة إلى قلب القدس المحتلة من أجل التدريب على بعض التقنيات الاستخباراتية ، وقام هذا العميل المزدوج بتصوير الضابط الإسرائيلي مشغله ، ليكشفه في خطوة استخباراتية ناجحة ولافتة، غير أن هذه العملية بالذات تفرض تساؤلات:
1- هل يمكن بالفعل أن يخرج أي فلسطيني من قطاع غزة بسهولة في جنح الظلام مختبئا خلف الأشجار ليصل إلى حافة في داخل الخط الأخضر ليذهب إلى إسرائيل دون معرفة حماس؟
2- ألا يمكن أن يكون هذا العميل محل شك بالنسبة للإسرائيليين لسهولة خروجه ودخوله من القطاع وتم تسريب معلومات غير دقيقة له؟
ما يدحض تماما أي تساؤلات أو استفسارات عن هذه القضية وجود جهاز استخباراتي تابع لدولة، وليس لصالح جهاز أمني تابع لحركة يدحض تماما هذه الشائعات ويجيب عن هذه النقاط بدلا من طرحها في وسيلة إعلام خارجية في ظل أزمة داخلية تعيشها الفصائل.
تقدير استراتيجي
من الواضح أن قضية عرين الأسود أو كتيبة جنين ستكون بداية لموجة من الحركات التي ستتواصل في الشارع الفلسطيني وتنتشر ، غير أن استمرار وجود هذه الفصائل يرتبط بجوانب وعوامل اقتصادية وأمنية وعسكرية ، الأمر الذي يزيد من دقة المشهد الاستراتيجي في فلسطين بصورة كامله.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت