حكومة نتنياهو الجديدة وحسم الصراع

بقلم: سنية الحسيني

سنية الحسيني.jpg
  • د. سنية الحسيني

قد يعتقد البعض أن حكومة نتنياهو التي تشكلت قبل أيام مثلها مثل أي حكومة إسرائيلية أخرى، فجميع حكومات الاحتلال عملت بشكلٍ ممنهجٍ على تقويض استقلال الفلسطينيين وضمان رضوخهم تحت نظام احتلالي قمعي، يقيد حياتهم ويكبل أداءهم ويفرض مستقبلهم. وهذا الاعتقاد صحيح من حيث المبدأ، إلا أن الجديد في هذه الحكومة هو تغير آليات وسرعة حسم الوصول إلى ذلك الهدف. وليس خفياً الهدف المعلن لنتنياهو بمساعيه لضم الضفة الغربية، وتشهد حقبة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وصفقته على ذلك. إلا أن الجديد يأتي في توجهات وزراء حكومة نتنياهو الجديدة، الذين يميلون صراحة لحسم الصراع مع الفلسطينيين وبعنف ودون وضعٍ لأي اعتباراتٍ سياسية أو قانونية دولية. ورغم اتفاق نتنياهو مع وزرائه الجدد على الهدف، الا أنه يختلف معهم حول آليات وسرعة تحقيقه، ورغم ذلك رضخ نتنياهو لتوجهات هؤلاء، لاعتباراته الشخصية، ومنحهم وزارات وصلاحيات تسمح لهم بتحقيق أهدافهم بطريقتهم، في تغير مهم بالتعامل مع الفلسطينيين. وبدأت بوادر ذلك التغير تظهر سريعاً خلال الأيام الماضية في القرارات والاجراءات الحكومية وتشريعات الكنيست المقترحة.  فإلى أين ستتجه الامور خلال الايام القادمة في فلسطين؟

 

في ٢٩ كانون الأول الماضي، باشر بنيامين نتنياهو رئيس وزراء حكومة إسرائيل السابعة والثلاثين ولايته السادسة، مشكلاً حكومته من معسكر يميني متشدد ديناً ومتطرف قومياً. فبالإضافة إلى الحزبين اليمينيين الدينيين «شاس» و»يهدوت هتوراة»، واللذين يعتبران شريكين لنتنياهو في ائتلافات حكومية سابقة، تشكلت حكومته الحالية من قائمة «الصهيونية الدينية» اليمينية المتطرفة المكونة من ثلاثة أحزاب على رأسها حزب «القوة اليهودية» وحزب «الصهيونية الدينية»، بزعامة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير على التوالي، اللذين منحهما نتنياهو حقائب وزارية مهمة بصلاحيات واسعة، وغير معهودة لمثل هذا النوع من الأحزاب، إذ باتت توصف حكومته بالأشدّ تطرفا في تاريخ إسرائيل.

 

وتعكس الاتفاقيات الائتلافية بين حزب «الليكود» وهذين الحزبين المتطرفين بقيادة سموتريتش وبن غفير مدى التطرف والعنصرية العلنية التي تحملهم الحكومة الاسرائيلية الحالية. فقد اعتبرت تلك الاتفاقيات أن للشعب اليهودي حقاً حصرياً وغير قابل للتصرف في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية، بما فيها الضفة الغربية والقدس، متجاهلة تماماً أي وجود للشعب الفلسطيني. واتفق في إطار تلك الاتفاقيات على فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، دون تحديد وقت محدد لذلك، وعلى تعزيز الاستيطان في القدس والضفة الغربية والجولان السوري المحتل أيضاً. كما جرى الالتزام بإضفاء «الشرعية» على ما يقدر بـ ٧٠ بؤرة استيطانية، لا تشمل ٧٨  أخرى تمت شرعنتها في وقت سابق. وبعد تولي هذه الحكومة للسلطة منذ أيام، بدأ الحديث عن توسع سياسة تنفيذ قرارات هدم الممتلكات الفلسطينية إلى المناطق «ب»، اي لتشمل مناطق اضافية عما كان يسري العمل عليه في الماضي، وحظر رفع العلم الفلسطيني، وفرض عقوبات على متنفذين في السلطة الفلسطينية بتهمة المقاومة القانونية والسياسية. كما اتفق أقطاب هذه الحكومة على سنّ قانون الإعدام لمنفذي العمليات، معتبرين ذلك شرطاً لتمرير موازنة ٢٠٢٣، ويجري الحديث اليوم عن طرح العديد من التشريعات العنصرية الأخرى في الكنيست، وهي بداية تحمل مؤشرات خطيرة عن أداء هذه الحكومة خلال الأيام القادمة.

 

يطرح سموتريتش خطة متكاملة لحسم الصراع مع الفلسطينيين تعتمد على أفكار دينية مستلهمة من الشخصية اليهودية يهوشوع بن نون المعروف بدمويته ورفضه لقبول الآخر غير اليهودي. ويريد سموتريتش انطلاقاً من خطته المستلهمة من التاريخ اليهودي إعلان السيادة على الضفة الغربية كاملة على أساس أنها تابعة لليهود فقط، ويميل لنزعة عنيفة للتعامل مع الفلسطينيين، حيث يتطلع لتخيير من يتبقى منهم في فلسطين بالبقاء مقابل التنازل عن أي حقوق وطنية، اذ يؤمن بضرورة الاحتفاظ بالأكثرية اليهودية في مجمل الأرض الفلسطينية، التي يعتبرها يهودية. ولا يرى أن لفلسطينيي الـ ٤٨ الحق بالتمثيل أو التصويت في الكنيست. يريد حزب «الصهيونية الدينية» أن يضم نتنياهو الضفة الغربية بأكملها إلى دولة الاحتلال، حيث يرفض سموتريتش وجود سلطة فلسطينية، بما يتناقض عن موقف نتنياهو. ولتحقيق أهدافه، يسعى سموتريتش لمضاعفة مساحة وأعداد المستوطنات والمستوطنين في الأراض الفلسطينية المحتلة. وحصل سموتريتش على منصب وزير في وزارة الجيش بصلاحيات واسعة، وذلك بالإشراف على الإدارة المدنية بالضفة الغربية، التابعة لوزارة الأمن، ما يسمح له بتسيير شؤون الاستيطان، بالإضافة إلى توليه منصب وزير المالية الجديد، بالتناوب. ومن بين صلاحياته وضع الاقتراحات لمخططات توسيع مساحة المستوطنات وعددها ومناطق نفوذها، والبؤر الاستيطانية غير القانونية، كما يتيح له منصبه التدخل في قضايا ملكية أراضي الفلسطينيين واستيلاء المستوطنين عليها وكذلك مسائل هدم البناء غير المرخص. ويبدو أن سموتريتش بدأ في ممارسة مهامه، فعلى الرغم من إصدار المحكمة العليا للاحتلال قراراً يقضي بالسماح بتهجير السكان الفلسطينيين من ١٢ قرية فلسطينية في منطقة مسافر يطا، في جنوب جبل الخليل، بادعاء أنها منطقة تدريبات عسكرية، لم تصدر من قبل أي تعليمات بالإخلاء الفعلي لها،  إلا أن قيادة المنطقة الوسطى لجيش الاحتلال بدأت بالتخطيط الآن لتهجيرها، حيث من المتوقع أن يتم ذلك خلال العام الجاري. كما تخطط حكومة نتنياهو الجديدة، وبموجب الاتفاق الائتلافي بين حزبي «الليكود» و»الصهيونية الدينية»، لتسليم يهود أراضي فلسطينية في منطقة بيت لحم، ومنطقة شمال القدس المحتلة، بمساحة ١٣ ألف دونم وحوالي ٧٠ مبنى في مدينة الخليل بهدف توسيع مستوطنات. ويقع قسم من هذه الأراضي في المناطق «ب»، التي تخضع لسيطرة إدارية فلسطينية وسيطرة أمنية إسرائيلية. وكان التوجه السياسي الإسرائيلي منذ التسعينيات من القرن الماضي بعدم اتخاذ إجراءات في مثل هذه المناطق لخضوعها لاعتبارات تتعلق بالتفاهمات في إطار اتفاقيات سلام مستقبلية.

 

حصل إيتمار بن غفير رئيس حزب «القوة اليهودية» على حقيبة الأمن القومي الموسعة عن وزارة الأمن الداخلي. ويعتبر بن غفير من قاد مسيرات الأعلام الاستيطانية، وتوسيع اقتحامات المستوطنين في الأقصى، وتسبب باندلاع أحداث حي الشيخ جراح في العام ٢٠٢١، وأشهر سلاحه في وجه أعضاء كنيست فلسطينيين، وهو محرّض على إقامة الصلوات الدينية واقتحامات المسجد الأقصى. وبموجب منصبه الجديد وتوسيع صلاحيات الوزارة التي كلف بها، سيتمكن بن غفير من التدخل في بلورة سياسة الشرطة وفي تنفيذ عملياتها وفي التحقيقات التي تجريها. كما ستخضع قوات الحدود لسلطته، بعد أن كانت تابعة لسلطة قيادة الجيش، والتي من بين مهامها مكافحة المقاومة الفلسطينية. وكذلك يتولى بن غفير سلطة «تطبيق القانون على الأرض» المختصة في منع البناء غير المرخص التي كانت تابعة لوزارة المالية. بالإضافة إلى ذلك، حصل حزب «القوة اليهودية» على وزارة «تطوير النقب والجليل» التي جرى توسيعها وتخصيص الميزانيات الكبيرة لها، والتي يأتي في مقدمة أولوياتها تهويد منطقتي الجليل والنقب ذات الكثافة السكانية العربية العالية، وكذلك على وزارة شؤون التراث.

 

من الواضح أن توجهات الحكومة الجديدة تميل لحسم قضية ضم أراضي الضفة الغربية، في ظل ميول عنف ظاهر للتعامل مع الفلسطينيين. وتستمر إسرائيل كقوة احتلال، تسيطر فعلياً على الأراضي الفلسطينية المحتلة العام ١٩٦٧ وسكانها وحدودها بقوة عسكرية مطلقة، في تغيير معالم تلك الأرض، بتكثيف بناء المستوطنات في جميع أنحاء الضفة الغربية، وعلى أكثر من ثلثي مساحتها، ورفع عدد اليهود الذين يسكنونها ليتناسب مع عدد السكان الفلسطينيين الأصليين، مقترفة في سبيل تحقيق ذلك أشكالاً وألواناً من الجرائم اليومية بحق الفلسطينيين من تمييز عنصري وقتل خارج إطار القانون وسلب للممتلكات وانتهاك لحرمات المقدسات. ترفض حكومات الاحتلال على اختلاف توجهاتها السياسية، وعلى مدار أكثر من عقدين كاملين، التفاوض مع الفلسطينيين على القضايا الجوهرية، والتي تعرف بـ»قضايا الحل النهائي»، والتي كان يفترض أن تناقش خلال خمس سنوات من توقيع اتفاق أوسلو، الذي تم التوقيع عليه العام ١٩٩٣، وجاء في الأساس لضمان استقلال الفلسطينيين. وكشفت إسرائيل عن وجهها الحقيقي، بعدم نيتها التفاوض حول قضايا الحل النهائي وحصول الفلسطينيين على استقلالهم الوطني منذ مفاوضات «كامب ديفيد ٢» العام ٢٠٠٠، والتي كان فشلها المسبب الحقيقي في انفجار الانتفاضة الفلسطينية الثانية في ذلك العام. وترفض حكومة الاحتلال توجه الفلسطينيين لمؤسسات العدالة الدولية للمطالبة بحقوقهم الوطنية التي كفلتها مبادئ القانون والمعاهدات الدولية، وطالما ساومتهم وهددتهم وعاقبتهم على ذلك. وتتعامل حكومات الاحتلال المختلفة مع المقاومة الفلسطينية بعنف منقطع النظير، فاستخدام القتل أو الإعدام خارج نطاق القانون للمقاومين الفلسطينيين يعد أول خياراتها في التعامل معهم، حتى وإن كان هؤلاء المقاومون مجرد أطفال لا تتخطى أعمارهم الستة عشر ربيعاً، والذين يستخدم معظمهم أدوات بدائية، يمكن تحييدها بسهولة.

 

وفي ظل واقع بائس ممتد لأكثر من ثلاثة عقود منذ توقيع اتفاق أوسلو، وأكثر من خمسة عقود منذ احتلال العام ١٩٦٧، وأكثر من سبعة عقود على حدوث النكبة باحتلال الأراضي الفلسطينية العام ١٩٤٧، لا يزال العالم يقف متفرجاً على نكبة فلسطينية تكبر يوماً بعد يوم، لا بل يساعد هذا العالم إسرائيل على المضي قدماً في تحقيق أهدافها. فطالما ضغطت  الولايات المتحدة، التي تتبنى حل الدولتين، ومعها قوى غربية كبرى تدعو للسلام، لإحباط خروج قرار من مجلس الأمن أو من الجمعية العامة أو لإجراء تحقيقات في إطار لجان حقوقية دولية، ينصف الفلسطينيين، وطالما استخدمت تلك القوى الدعم المالي للفلسطينيين، والذي جاء في إطار منظومة أوسلو، للضغط على الفلسطينيين لإحباط أي مساع تتخطى أهداف إسرائيل الكبرى. ماذا على الفلسطينيين أن يفعلوا، اليوم، في ظل جميع المعطيات سالفة الذكر؟

 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت