مرايا

بقلم: طلال الشريف

طلال الشريف.jpg
  • د. طلال الشريف

 عالم الاجتماع العراقي علي الوردي، عن العراقيين في الخمسينيات من القرن الماضي قائلا إن "كل واحد منا ينتقد الآخرين، وينسب هلاك الأمة لهم، متناسياً أنه ساهم في هذا الدمار العام سواء على نطاق واسع أو صغير".

في فلسطين عامة وفي قطاع غزة بالتحديد الناس يتساءلون  ما الذي جرى لهم ولماذا سكنوا او سكتوا على حالهم  يتدهور إلى حد لا يستطيعون فعل شيء لحالهم الميؤوس منه.

أنا لن أكرر مسؤولية ولاة الامر وفشلهم في قيادة الحالة ولا لفساد حالهم فخربوها، تلك هي مأسي السياسة والعمل السياسي التي لا تحكمها الأخلاق وملأنا المقالات انتقادا حادا ومسؤول عن السياسيبن والمتنفذين ..

لكن تنقصنا الصراحة والشجاعة وليس جلدا للذات بل هي الحقائق التي لا نراها كبشر أو نمر من خلفها أو نتدارى منها فالنفوس لا تحب مراجعة دواخلها وتلبس كل الاقنعة لتظهر البراءة والطيبة والنزاهة وتنظر في المرآة العادية فتجد حالها لا يخلو من جمال وبراءة وتنسى كل مغمور في دواخلها من سلبيات وفساد وجشع قاموا بها او اركبوها  ونسوها أو تناسوها بمرور الأيام دون ندم عندما يرون نتائج ذلك على حالة المجتمع وما وصلت قضيتنا من خراب...

 الرموز الفاسدة متهمة على الدوام ممن هم أدنى مرتبة او موقعا او مسؤولية وهذا جيد لاستخلاص العبر ومحاولة تغيير الواقع الناتج عن الفشل، نعم،  لكن هناك الخفي الأعظم الذي لا تتطرق إليه حتى علوم الإجتماع بان المسؤولية هي مسؤولية عامة والفرد أو المواطن الواحد هو وحدتها الأولى او لبنتها الأولى وتراكم تلك الوحدات او اللبنات هو الناتج وخراب اللبنة حين يتكاثر يؤدي لخراب الكل، ولذلك ورغم احتواء بيوتنا على مرايا الأجساد والأشكال فإنه تنقصنا "مرايا النفوس" التي تنتهز كل الظروف وكل الأحوال لتقتنص ولا يظهر عليها ولا هي تحس بما فعلت..

يتشكل أس الفساد جماعيا حين يحدث الخراب كما هو في حالتنا المتوقفة عن النهوض أو السير إلى الأمام، وليس فقط فيمن يشار إليهم بالبنان،  بل في سلوك غالبية عظمى في مجتمعنا :

_ هل سال أي مواطن نفسه أمام مرآة الذات هل أخذ حقه أم اقتنص أكثر ؟ هل كان ما حصل عليه أو يحصل عليه من راتب مثلا او وظيفة   موازيا لمؤهلاته أو قدراته العلمية والوظيفية والمهنية، أم اقتنص أكثر من حقه بالفهلوة والواسطة والتحايل أو بأي نوع من البلطجة والكذب والتنظيم التابع له ومنظومة الفساد بشكل عام ؟

- هل سأل محترفو شفط المساعدات (وهنا لا أقصد المحتاج)،  بحجة الحاجة كذبا او تلقي مساعدة مالية توازي حاجته واكتفى أم أصبحت تجارة ويعض المساعدات المالية أصبحت راتب وأنا أتحدث عمن وصل لمنابع المساعدات خارج إطار الأخلاق أي بالكذب والتزوير وهو ليس بحاجة لكنها أصبحت عادة انتهازية وتطفل.

هل سأل الضابط كيف اصبح ضابطا في الاجهزة الأمنية بالفهلوة وباسم الوطنية والجهاد وأشياء اخرى وتلقى فوق ما يستحق؟

- هل سأل موظفا أن الوظيفة التي حصل عليها كانت من حقه أم هي من حق آخر أكثر تأهلا وعلما أم لانه إبن الحزب أو إدعى أو زكاه انتهازي او مقتنص أكبر وهلم جرا.

- هل سأل من حصل على أرض او عقار صغر او كبر حجمه دون وجه حق بأن هذا تخريب ام انه رأي الآخرين فتصرف مثلهم وهو في مرآة نفسه يعرف أنها ليست من حقه واعتبرها شطارة ومرت الأيام والآن بعد الخراب  يشكو كما يشكو الجميع؟

- هل سال التاجر عن تجارته وكيف تشاطر ليجني ما جناه وليترك آثاره السلبية على مجتمع ؟

- هل سأل أثرياء فوضى النظام وغياب القانون وغياب الشفافية كيف أصبحوا أثرياء ؟ هل نظروا في مرآة الذات مرة أم تغطرسوا والحياة تسير واللي معاه دولار بيساوي دولار واللي ممعوش ما يلزموش؟

- هل سأل الطبيب هل تقاضى حقه أم انتهز ما حصل عليه من أجر او موقع كان من حقه أم به شبهة الاقتناص واستغلال الظروف؟

- هل سال المدرس بأن ما حصل عليه هو حقه ام أيضا انتهز وحصل على ما ليس حقه بوسائل غير أخلاقية؟

- هل سال المحامي والقاضي أنه كان نزيها ووزن بالقسطاس المستقيم أم تلاعب وانتهز أيضا الظروف وكسب ما ليس أخلاقيا من مال أو ظلم آخرين؟

هل وهل وألف هل لكل فلسطيني ماذا فعل ليصبح حالنا بهذا الحال؟

تنقصنا مرايا الذات حتى بعد مرور وقت الانتهاز والاستغلال لنقف مع أنفسنا ولو مرة لمراجعات قاسية نحتاجها للخلاص... فكل تراكيبنا عوجاء ونصرخ في الآخرين ونكتب ونتهمهم وننسى ان ننظر في المرآة لنتهم أنفسنا بأننا أيضا انتهازيون أخذنا ما ليس حقنا ولا يوازي كفاءتنا.

الكل يكتب عن النزاهة ولا أدري عمن يتحدثون .. هناك رزايا وكبائر اقترفناها مع أبرياء وأخذنا حقوق آخرين ودمرنا مسيرة مجتمع واتهمنا وعهرنا وخربنا وتآمرنا وأجرمنا واغتصبنا واضيعنا حقوق الناس الابرياء، ولا ننظر في المرآة ولو مرة لنستقيم ونرد الحقوق وتمضي بنا الأيام ولا ننصف المظلوم الذي ظلمناه .. هذا حالنا فكيف لنا النهوض؟

لن أفقد الأمل بنهوض شعبنا  وسأواصل المطالبة
بالمحاكمة للمقصرين والجالسين على صدر شعبنا بالحديد والنار  وسأواصل المطالبة باسترجاع اموال شعبنا حتى نتحرر من الفساد والتدليس والارعاب والارهاب الذي مارسوه على شعبنا فأضاع قضيتنا وحقوقنا وحقوق المظلومين..

 لن نفقد الأمل في نصب مرايا الذات لكل من انتهز واقتنص واغتصب واستقوى ولبس الأقنعة ليوهم الناس بجمال طلعته فظهر في ثياب الواعظين.. هل رأت الثعالب نفسها في مرآة ذواتهم ليكتشفوا أنهم قردة أو أبشع؟!!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت