الانقسام والمصالحة آفاق ما بعد اتفاق الجزائر

بقلم: وليد العوض

وليد العوض.jpg
  • وليد العوض عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني

بدأت ارهاصات الانقسام وتجلياته في العديد من مظاهر الحياة السياسية بل والمجتمعية في وقت مبكر لوقوعه فعلياً في حزيران عام ٢٠٠٧  عند قيام حركة حماس بالسيطرة الامنية التامة على قطاع غزة بالقوة المسلحة في سابقة هي الاولى من نوعها،

وكما اشرت فإن ارهاصاته  التي كانت واضحة للعيان شملت العديد من مجالات الحياة في قطاع غزة، ولتدارك الامر ومحاولة تجنبه وتطوره عقدت العديد من الاجتماعات وجلسات الحوار الفلسطيني الداخلي بدءاً باتفاق اذار ٢٠٠٥ وحتى وثيقة الوفاق الوطني عام ٢٠٠٦ وكذلك اتفاق مكه الذي افضى لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية في محاولة لرأب الصدع،

ورغم كل ذلك فإن المحذور قد وقع فعلاً  بما حصل عام ٢٠٠٧  من انقلاب حتى على حكومة الوحدة وحينها سفكت الدماء وانتهكت الكرامات واعتدي على الحريات بشكل لا سابق له، ومنذ لك الحين غدت قضية إنهاء الانقسام مشكلة مؤرقة تزداد يوما بعد يوم، وقد الحقت ضرراً كبيراً بالقضية الفلسطينية ومكانتها على مختلف المستويات وباتت خنجراً يستخدمه الاعداء في خاصرة القضية الوطنية كما باتت حجة حتى للاصدقاء للنيل من مسؤولياتهم في دعم شعبنا، كما هدد هذا الانقسام وما زال النسيج المجتمعي واوقع الشعب في ازمات اقتصادية واجتماعية لا تحصى واضعف قدرة شعبنا على مواجهة الاحتلال

بهذا المعنى والابعاد واكثر يمكن القول ان ما حدث كان مؤامرة تشابكت خيوطها وادواتها وكان الفلسطينيون ضحيتها  وبأيديهم نفذت،

ومن اجل طي صفحة هذا الانقسام  المؤلم عقدت ايضاً مئات الاجتماعات في العديد من الدول وقد تولت مصر بتفويض من جامعة الدول العربية الجهد الكبر في هذا المجال حيث تم التوقيع على عدة اتفاقات لاتمام المصالحة الا انها لم تجد طريقها للتطبيق ، وبدلاَ من ان تقود الظروف الموضوعية الخطرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني وطبيعة الهجمة الصهيونية الفاشية المتصاعدة، إلى تنفيذ تلك الاتفاقات نجد ان الانقسام يتعمق وتزداد جذوره رسوخاً يوما بعد يوم .

إن عدم النجاح في الوصول الى انهاء الانقسام وتصفية اثاره السلبية يبين أن هناك مشكلة منهجية لا بد من التوقف أمامها  تتمثل في انه رغم تعدد اتفاقات المصالحة الموقعة من قبل الجميع يعود بعضها إلى عام 2005، وتتكثف تلك الاتفاقات خاصة بعد انقلاب حماس على حكومة الوحدة الوطنية، فجاءت حوارات واتفاقات أعوام 2011 و2014 و2017 و2020، إلا ان شيئاً منها لم ينفذ، الأمر الذي يشير إلى مسألة هامة حول ان هذه الاتفاقات أما انها لا تعالج فعليا القضايا الحقيقية للخلاف وبالتالي فإنها لا تجد طريقها للتنفيذ أو ان هناك استخلاصات مركزية غير معلنة لدى بعض اطراف هذه الاتفاقات بأن حجم الخلافات والتناقضات كبيرا إلى الدرجة التي لا يمكن معها إنهاء الانقسام،  الامر الذي يقود نحو التعايش مع حالة الانقسام وتخفيف اضراره إلى ان يحسم الواقع صحة هذا البرنامج أو ذاك لأطراف هذا الانقسام.

لذلك  اعتقد انه كان لابد من الانطلاق من هذه المقاربة خلال جولة الحوار المستمرة التي تقودها الجزائر الشقيقة، ومواجهة جميع الاطراف بهذه الحقيقة بحيث كان من المفترض ان توضع كل القضايا الفعلية التي تعيق تطبيق الاتفاقات على الطاولة ومعالجتها بشفافية وصراحة وإعادة تأكيد أو تعديل الاتفاقات على أساسها، وأما البحث عن اليات محددة لتخفيف اضرار الانقسام وبناء مواقف مشتركة تجاه قضاياً محورية مركزية إلى حين توفر قناعة فعلية بإنهاء الانقسام كلياً. الا ان شيءٍ من ذلك لم يتم، وجاءت تجربة الحوار في الجزائر لتلاقي نفس المصير عبر التوصل لاعلان الجزائر الاخير الذي جاء خالياً من الاتفاق على اهم عنصر من عناصر انهاء الانقسام بل قاطرة انهاءه وهو "تشكيل حكومة موحدة " تتولى تنفيذ مهام انهاء الانقسام موسساتياً وقانونيا  وتعالج الازمات وتحضر للانتخابات وقد جاء هذا الاعلان ليؤشر على ان الرغبة في ادارة الانقسام اكبر من الرغبة في انهاءها (وقد اتخذت معضلة كيفة التعامل الشرعية الدولية) ذريعة التي حالت دون ذلك، وبدلاً من التركيز على انهاء الانقسام الواقع جرى القفز نحو منظمة التحرير الفلسطينة بكل ما يحمله ذلك من محاذير وضرورة في آن.

لذلك فإننا  ما زلنا نعتقد ان خيار مواجهة المشاكل الفعلية والاسباب الحقيقة للانقسام تتطلب الوضوح لمعالجتها ولا بد لاي حوار من إعادة التأكيد أو الاتفاق أو معالجة التباينات في القضايا التالية :

1- البرنامج السياسي للحركة الوطنية الفلسطينية والاستراتيجية الكفاحية للشعب الفلسطيني والآليات الموحدة لممارستها والتعامل معها، تزداد اهمية ذلك في ظل صعود الفاشية وهجمتها على الشعب الفلسطيني والكيانية الفلسطينية بتجلياتها ومؤسساتها المختلفة، إن الحاجة لهذا النقاش ضرورية ليس فقط لمعالجة قضية إنهاء الانقسام وإنما  أيضاَ ضرورية لمواجهة المخاطر والتعامل مع المتغيرات الهائلة التي يشهدها العالم والمنطقة والقضية الفلسطينية ذاتها، خاصة وان قرارات المجالس المركزية المتعاقبة لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ 2015 وحتى الآن صاغت بوضوح معالم هذه الاستراتيجة بما تضمنته من قرارات واضحة بإنهاء العمل بالاتفاقات مع اسرائيل  وتحديد العلاقة معها كعلاقة بين شعب محتل ودولة احتلال .

ولا شك ان أي قرار أو توجه  للسير في هذا الاتجاه يجب ان يستند إلى التزام جماعي بمواجهة الآثار المترتبة على ذلك في العلاقات العربية والدولية إضافة طبعا إلى أثره وآلياته الوطنية في اطار إدارة الصراع مع الاحتلال.

2- ان الأولوية الفلسطينية الراهنة تقوم على تعزيز وحدة الشعب الفلسطيني ومواجهة محاولات وواقع تجزئته وتبديد كيانه السياسي المعبر عن وحدته والمتمثل بمنظمة التحرير، وهو ما يمثل نقطة الاستهداف الاستراتيجية  التي يعتمدها الاحتلال وتقوم على نفي وجود الشعب الفلسطيني وتتعامل معه كتجمعات مجزأة، إن ذلك يطلب بناء استراتيجية عمل موحدة في كل ساحات التواجد الفلسطيني، وبناء عناصر وحدة الشعب الفلسطيني وتجنب الخلافات والتناقضات ما أمكن.

3- وانطلاقا من ذلك فإن الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية وتعزيزها وتفعيل دورها يمثل أولوية لا بد من مقاربتها بصراحة وجرأة، ونحن نرى ان المنظمة يجب ان تحافظ على طابعها الجبهوي والديموقراطي معا، فهي ليست برلمانا لدولة مستقلة بعد، وهي لا زالت حركة تحرر وطني ولكنها امتلكت تجربة ديموقراطية ينبغي تعزيزها والبناء عليها، ولذلك فإن الحديث في اطار جهود انهاء الانقسام حول منظمة التحرير  يجب ان ينطلق من  الحفاظ على التركيب البنيوي التالي:

أ - اطارا تمثيليا للقوى والفصائل المشكلة لها، وان انضمام القوى الجديدة لها يتم وفق نفس المعيار ونسب التمثيل التي يتفق عليها وفقا لذك، وكذلك الأمر بالنسبة للشخصيات المستقلة .

ب - تمثيل الاتحادات الشعبية وتطوير انظمتها الداخلية على قاعدة التمثيل النسبي وفتح العضوية فيها وإجراء الانتخابات لها وبالتالي تمثيلها وفق نتائج هذه الانتخابات .

ج - الانتخاب المباشر (للمجلس التشريعي) أو أي بديل متفق عليه له، وكذلك الأمر في الساحات الخارجية حيثما أمكن وفقاَ لنسبة التمثيل المتفق عليها لممثلي هذه الاطر.

ويمكن كخطوة انتقالية في هذا الاتجاه، تفعيل وتعزيز المجلس المركزي لمنظمة التحرير بمشاركة الجميع في جلساته، خاصة وان هذا يضمن مشاركة الجميع بمسميات مختلفة، وبحيث يتولى هو استكمال هذه العملية لتشكيل المجلس الوطني الجديد بسقف زمني محدد .

4- السلطة الفلسطينية: إن الانقسام يأخذ مظهره الأبرز في السلطة ويجب ان ينتهي ذلك بشكل واضح، أما من خلال "حكومة وحدة وطنية" انتقالية تتشكل فورا كأهم مخرجات اي حوار، وتعيد تنظيم وتوحيد المؤسسات وتتولى التحضير لانتخابات (المجلس التشريعي والرئاسة)، ولكن ذلك يتطلب بشكل واضح التزاما ما زال غير متوفر من حركة حماس بأنهاء حالة الانقسام، وضمان تقدم الجميع في هذه العملية.

إن  تحقيق ذلك يمكن ان يشكل الارضية المناسبة للقيام بنقاش تفصيلي معمق لوضع السلطة الوطنية الفلسطينية في سياق النقاش السياسي الاشمل وأن تكون معالجة وضع السلطة يأتي خلاصة لمثل هذا النقاش وليس سابقة له، على سبيل المثال، نريد انتخابات لا تكرس المرحلة الانتقالية للسلطة واتفاقاتها التي ننادي بإنهائها مع الاحتلال، وربما ان المرتكز السياسي البديل لهذا المسار هو الانطلاق  في مجمل هذه العملية من قرار الامم المتحدة 19/67 لعام 2012 الذي اعترف بدولة فلسطين، وبالطبع الاتفاق بوضوح على معالجة قضية القدس في هذه الانتخابات .

5- تعزيز الصمود الداخلي هناك أهمية قصوى لتعزيز الصمود وهو ما يتطلب معالجة ذلك بوقف كل الخروقات والانتهاكات واعتماد سياسات اجتماعية واقتصادية بديلة لتعزيز صمود الناس على الأرض.

6- وفي اطار آليات العمل المشترك: تشكيل وتفعيل قيادة وطنية موحدة للمقاومة الشعبية، وتفعيل وتطوير العمل المشترك في دعم حركة ال BDS ورفض الابارتهايد على المستويات الدولية المختلفة شعبيا ورسميا.

7- وهنا نأتي إلى القضية الهامة الأخرى، وهي معالجة تبعات القضايا والوقائع التي تلت حالة الانقسام على مختلف الصعد، الادارية والعملية والقانونية وغيرها، وهي عملية معقدة لطالما أجهضت العديد من المبادرات، وهي لا شك تحتاج أي معالجة واضحة لهذه القضية وإلى وضعها برمتها في اطار حجمها الطبيعي، دون ان تصبح هذه القضية هي الحاسمة وتتجاوز في حجمها كل القضايا الأخرى. ولا شك انه بنقاش جاد وبحلول خلاقة لعناصر هذه القضية والتي سبق وان تم التوصل إلى بعضها، يمكن تجاوزها.

إن الآلية لتحقيق ذلك  يمكن على النحو التالي:

- يمكن ان يكون الانطلاق من استئناف عقد اجتماعات الأمناء العامين ومراجعة قراراتها التي تمت في 19/5/2020 و3/9/2020 وتقييم ذلك من أجل متابعتها، وهي آلية عملية لبحث كل القضايا وذلك من خلال اجتماع وجاهي مباشر يدعو له الرئيس أبو مازن واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في مصر أو الجزائر، وتتفرع عنه صيغة فرعية لمعالجة القضايا المذكورة أعلاه ليصار إلى حسمها في اجتماع سريع لاحق بما يمكن من تنفيذها.

دون ان يعني ذلك بأي حال المس بمكانة واستمرارية مؤسسات منظمة التحرير ولجنتها التنفيذية إلى حين تشكيل لجنة تنفيذية جديدة كخلاصة لهذه العملية.

- إن هذه المقاربة تفترض بالضرورة إنهاء الانقسام وضمانته والسير قدما نحو تفعيل دور المنظمة وتعزيز الشراكة السياسية الحقيقية فيها كذلك بحث معمق لوضع السلطة ومستقبلها، وان لا تقوم بمعالجة وضع المنظمة فقط بمعزل عن إنهاء الانقسام.

+مداخلة :المؤتمر السنوي الخامس لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي

 ٢٤-١-٢٠٢٢

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت