- فاضل المناصفة
يدخل عام 2023 بثقله الكبير على اقتصاديات الدول العربية بعد أن زادت حرب بوتين في أوكرانيا الطين بلة وهوت بالمؤشرات الاقتصادية الى حالة الطوارئ الاقتصادية، في الوقت الذي كان الجميع يتوقع نهاية كابوس الجمود الذي خلفته كورونا واغلاقاتها التي جمدت القطاع السياحي وهنا نخص بالذكر ثلاثة دول عربية وهي تونس والمغرب ومصر تعتمد على ايرادات الاستقطاب السياحي اعتمادا مباشرا لدعم خزائنها من العملة الصعبة.
في مصر تبدوا الأوضاع غير مبشرة بعد أن دخلت البلاد مرحلة اقتصادية حرجة زادت من حرجها الضغوط المفروضة من البنوك المقرضة وأولها بنك النقد الدولي حيث تحرر سعر الصرف بطريقة دراماتيكية ومفزعة ليصل سعر لدولار أمام الجنيه مستوى الثلاثين دولارا في سابقة لم تشهدها البلاد في أحلك ظروفها وأزماتها بعد أن ظل سعر الصرف متماسكا لعقد من الزمن ومتماشيا مع خطة تعويم تدريجي تراعي القدرة الشرائية للمواطن أمام الضغوط الاقتصادية الكبرى ومشاريع البنية التحتية التي راهنت عليها الجمهورية الثانية لتغيير صورة مصر في أنظار العالم .
تجد مصر نفسها مثقلة بالديون لتمرير سنة مالية جد صعبة ويجد وزير المالية الكويتي نفسه أمام مسائلة البرلمان عن نية منح مصر قرض جديدا وعن مصير الوديعة السابقة المقدمة، وتستمر قروض من دول شقيقة وحليفة معلقة كالإمارات التي اقرضت القاهرة 10.6 مليار دولار والسعودية التي قدمت 10.3 ومؤخرا قطر بوديعة قيمتها 3 مليار دولار.
لا يمكن تحميل النظام المصري مسؤولية كل الاختلالات التي هزت اقتصاد البلد على مدى السنتين الأخيرتين ذلك لأن العوامل الخارجية أثرت بشكل كبير على استراتيجية الدولة المتبعة في التنمية وأفسدت الفرحة التي كانت مصر تحضرها لإطلاق عاصمتها الادارية الجديدة : صحيح أن مصر لم تنجح في تنويع اقتصادها بالشكل المطلوب والذي يعفيها من رحمة تقلبات قطاع السياحة ولكنها أيضا كغيرها من الدول لم تتوقع هزة جديدة تأتي من روسيا الحليف الكلاسيكي والتي مضت في حربها من دون أن تضع في الحسبان مصالح أصدقاءها ولهذا فإن الحكم على فشل تجربة السيسي وتحميله كافة المسؤولية سيكون اجحافا في حقه ونكرانا للجميل لمجهودات طاقم حكومي لا يمكنه تحمل أعباء تركة خراب اقتصادي من عهد مبارك.
دولة أخرى تمر بظروف صعبة وهي المملكة المغربية التي تكمل 5 سنوات من مرحلة التعويم الجزئي لتصل الى مرحلة مصيرية سيتحدد خلالها التحرير الكلي للدرهم وهي مرحلة تكون محفوفة بالمخاطر خاصة مع انزلاق قيمة الدرهم الى الأسفل وتبعاتها على القدرة الشرائية للمغاربة وحركة رؤوس الأموال الأجنبية المستثمرة، وتأتي هذه المرحلة في خضم فوضى اقتصادية عالمية رفعت مستوى التضخم مع ارتفاع اسعار الغداء والطاقة وهي فوضى لم يكن المغرب في منأى عنها خاصة وأنه قام برفع أسعار الوقود في وقت حساس تخرج فيه الجبهة الاجتماعية من تبعات كورونا المدمرة والمثقلة على قطاع السياحة الذي يعتبر المورد الأول للبلاد من مداخيل العملة الصعبة .
أزمة المغرب الاقتصادية لا تعني أيضا أنه لا يتقدم في مجال تنويع الاقتصاد واستقطاب الاستثمارات الأجنبية ؛ لقد استطاع هذا البلد الفلاحي السياحي من ولوج قطاع تصنيع السيارات وابتعد كثيرا في مجال الطاقات المتجددة مقارنة بجيرانه علاوة عن ولوج الأسواق الافريقية والخليجية بسلع وخدمات متعددة تعد الأحسن في شمال افريقيا ولكن مشكلة الوحدة الترابية وصراع الصحراء الذي يخوضه مع جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر يجعله بلدا محاصرا في مجاله الاقليمي ومرتبطا بسياسة سباق نحو التسلح مع الجارة الشرقية تستنزف مقدراته الاستراتيجية من العملة الصعبة ومع الخسائر الفادحة التي سجلها قطاع السياحة فان موازنة البلاد قد اعتمدت على شد الأحزمة والمزيد من عصر جيوب الطبقة الفقيرة الشيء الذي يجعل أمن المغرب القومي مهددا في أي لحظة بغضب شعبي كنتيجة منطقية للوضع الاجتماعي العام .
بلد آخر يعتمد على السياحة ويتجه نحو السيناريو اللبناني وهو تونس تلك البلاد الصغيرة التي بقيت حبيسة تجربة ديمقراطية فاشلة شلت قطاعات عدة بل وضعتها رهن الافلاس وتحت اشارة توصيات بنك النقد الدولي الذي يوشك على اجبار صناع القرار في البلاد على خصخصة قطاعات عمومية سيادية بعد أن توالت المطالب على الديون وعجزت تونس عن السداد وفشل قطاعها السياحي الذي أصبح يعتمد على السواح من الدرجة الثالثة (وأقصد سواح دول الجوار ) في امتصاص صدمة ما بعد كورونا وما بعد الحرب في أوكرانيا ودخلت البلاد مرحلة انسداد سياسي مرفوق بوضع اجتماعي مزري لا يبشر بالخير ولا يبعث بالتفاؤل على مصير دولة كانت أغلب مؤشراتها الاقتصادية موجبة .
ما يعاب على قيس سعيد هو فقدانه البوصلة الاقتصادية وفشل سياسته الخارجية في الحصول على حلفاء قادرين على الوقوف جنبه باستثناء الجزائر التي تجد نفسها مجبرة على حماية نفسها من تبعات انهيار تونسي قد يضعها أمام تحديات أمنية كبيرة.
قد تفلت هذه الدول التي أشرنا لها من أحد أخطر المراحل واشدها قسوة منذ عقود ولكنها ستكون دائما في واجهة التحديات الاقتصادية التي سيفرضها صراع القوى العظمى ولعبة الحروب التي تستعمل الغداء والطاقة كسلاح ولكن التساؤل الذي يطرح الى متى يبقى اقتصاد المنطقة العربية هشا لدرجة أن أي أزمة عابرة ترعب الأنظمة وتجعلها تستعمل الحلول الأمنية لمعالجة الأزمات الاقتصادية ؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت